 من المهرجانات التي أقيمت في الوطن في فترة الغياب القسري لسعاده، والتي سنأتي على ذكر البعض منها في نبذات لاحقة، يبرز "يوم فلسطين" في صور، كأحد المهرجانات الحاشدة التي جمعت الآلاف، من مدن وقرى وبلدات الجنوب اللبناني.
أقيم المهرجان يوم الأحد 28 تموز 1946.
عن المهرجان المذكور نشر الأمين غسان عز الدين في الصفحة 36 من الجزء الرابع من سلسلة "حوار مع الذاكرة" ما كانت أوردته إحدى الصحف، دون أن يذكر اسمها، ونحن ننقل ذلك كما جاء في الصفحة المذكورة آنفاً.
*
" أقام الحزب القومي يوم اول أمس في صور مهرجاناً كبيراً رائعاً "يوم فلسطين" خصيصاً للقضية الفلسطينية والمراحل التي اجتازتها وواجبات أبناء الامة والأقطار العربية نحوها وأخطار الصهيونية المجرمة الدخيلة .
" وقد هيأ للمهرجان حضرة عميد الداخلية والرياضة(1) الاستاذ جورج عبد المسيح وحضرة منفذ عام صور السيد خليل توفيق حلاوي(2) ومنفذ عام الطلبة الرفيق فوزي معلوف(3) ورئيس مكتب الدعاية للرأي العام الرفيق فكتور أسعد، واعضاء هيئة منفذية صور العامة.
" وقد تتالت الوفود القومية من كافة المناطق في سيارات عديدة كبيرة، من منفذيات طرابلس والشوف والساحل الجنوبي والغرب ومرجعيون والكورة ومديرية النبطية المستقلة ومن قرى صور التالية: البرج، قانا، دبل، عيتيت، حاريص، بنت جبيل، الظهيرة، عدلون، تبنين، جويا، شحور، برج رحال والتقت على نهر القاسمية حيث تناولوا طعام الغداء على أبسطة مشتركة كأفراد عائلة واحدة.
" وفي الساعة الواحدة والربع وصلت بين تهاليل القوميين وتصفيقهم وهتافاتهم الى القاسمية، سيارة حضرة رئيس المجلس الأعلى الاستاذ نعمة تابت ويرفقته حضرة عميد المالية الاستاذ جبران جريج وناموس المجلس الاعلى السيد عبد الله محسن ووكيل عميد الاذاعة الرفيق وديع الاشقر .. فوقفت برهة من الزمن ثم تابعت سيرها الى دار منفذ عام صور السيد خليل توفيق حلاوي حيث تناول حضرة رئيس المجلس الاعلى ومرافقوه طعام الغداء على مائدة فاخرة عامرة تجلّت فيها أريحية صاحبها وذوقه وذوق معاونيه.
" وبعد انتهاء مأدبة الغداء كانت وفود القوميين قد غادرت نهر القاسمية الى صور فأستقبلتها فرقة الأشبال في المنفذية على الدراجات بقيادة الرفيق محمد سعيد بلاغي في مدخل المدينة حيث نصبت أقواس النصر، فدخلت المدينة فرقاً فرقاً... التصفيق والهتافات من الجماهير المحتشدة على الأرصفة وعلى الشرفات الى الأمكنة المعدة لها.
" وكانت مدينة صور قد أقفلت متاجرها تضامناً مع القوميين وتأييداً لدفاعهم عن فلسطين.
" وفي تمام الساعة الثالثة بعد الظهر افتتح المهرجان بالنشيد اللبناني والقى منفذ عام صور السيد خليل توفيق حلاوي كلمة الافتتاح ثم خطب السيد عبد الله محسن (الامين. عضو فرئيس المجلس الاعلى. العميد، رئيس الحزب) وتبعه المحامي الرفيق الاستاذ نظمي عزقول(4) بكلمة قيّمة ارتجالية عن وعد بلفور والصهيونية .
" وأنشد الرفيق السيد يوسف تاج(5) قصيدة قومية عن فلسطين أثارت حماس المستمعين، ثم تلاه وكيل عميد الاذاعة الرفيق وديع الاشقر، فالاستاذ ممتاز الخطيب فحضرة عميد الاذاعة فور وصوله من المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي عقد في عاليه للدفاع عن القضية الفلسطينية ومحاربة الصهيونية وتكلم بعده الدكتور شكر الله حداد(6) ثم اختتم حضرة رئيس المجلس الأعلى الاجتماع بكلمة قوية منيعة.. متوجهاً بكلمة الى حضرة النائب كاظم "بيك" الخليل الذي جاء خصيصاً من بيروت لحضور المهرجان مشدداً على ضرورة اثارة القضية رسمياً في مجلس النواب فقوطعت كلمته مراراً بالتصفيق الحاد...
" وقد حضر المهرجان رجال الدين ووجهاء المدينة وجميع الأهالي من صور والقرى المجاورة. وعند اختتام المهرجان زارت فرق القوميين بقيادة حضرة منفذ عام صور شوارع المدينة مخترقة جميع الأحياء بين التصفيق والهتاف.
" ومن ثم عادت الى مكان المهرجان حيث استعرضها حضرة رئيس المجلس الأعلى ووفود القوميين وغادر المكان حيث كان بانتظاره وجوه المدينة ومشايخها وحضرة نائب صور فاستقل سيارته مع العمد والمركزيين الحزبيين الى منزل النائب المحترم... وقد زينت جدران قاعة الاستقبال صورتان للزعيم سعادة مع مجموعة من الصور الزيتية الجميلة.
" وبعد انتهاء الحفلة غادر الرئيس ومرافقوه منزل النائب بعد ان شكر لحضرته احتفاءه ومناصرته مشيعا كما استقبل بالاحترام.
*
وفي مذكراته، يتحدث الامين د. شوقي خير الله في الصفحتين 104 و 105 عن "يوم فلسطين" في صور، يقول:
" كنت لا أزال مستغرقاً في العمل الحزبي فحضرت مهرجان صور مسؤولاً انا وسعيد عبد الملك(7) عن منطقة بحمدون ـــــ بتاتر الجرد وكنا الوفد الأوحد والبوسطة الوحداء التي رفعت علم الزوبعة في المهرجان والعرض العسكري. آنذاك كانت تدابير الحزب تقضي بان يكون اسم الحزب "الحزب القومي" فقط، وأن تلغى الزوبعة، وأن يصبح الشعار "حرية واجب نظام قوة" تكتب على العلم وعلى الزر الذي يعلّقه العضو على صدره، ولا يقال في التحية "تحيا سورية" بل "تحيا" فقط، وأن يخفف قدر الإمكان، أي كثيراً، من لفظة الزعيم فيقال بدلاً عنها سعادة. هكذا كانت تسير عملية التقزيم بالتدرج وعملية التطبيع مع إرادة بشارة الخوري ورياض الصلح وكميل شمعون.
" رفعُـنا الزوبعة على البوسطة، وحملُ فرقتنا للزوبعة أثناء الاستعراض والعرض في شوارع صور، كانا مدار حكي وشبه ملاحظة وغمز وأننا مش قلال وعبارات من هذا النوع".
*
في مهرجان صور أـلقى يوسف حاتم(8) قصيدة أذكر انه قال فيها:
" مين قبلك يا صوري فجفج عباب اليّم ".
" وراح يوسف حاتم يتلعّب على لفظة صوري وسوري حتى طرب المهرجان وسكر وراح يصفق لكلمة سوري كأنه يفشّ خلقه من تخروع القيادة الحزبية وتراجعها عن تقاليد الشجاعة والتحدي والثبات على صحة العقيدة. وكانت هذه الكلمة وقصيدة يوسف حاتم هي محور المهرجان وعاموده ونقطة البيكار. فأخذت القصيدة لإنزالها في النشرة "الإذاعة". وحصل حولها جدال وبالأخص حول كلمة سوري وصوري ويا ليت النشرة عندي الآن كي اعرف على ما استقر الجدال، وهل عدنا نشرنا القصيدة أصلاً ام لا. والاكثر انهم اصرّوا على عدم نشرها.
يوم ذهابنا الى مهرجان صور، ركبنا البوسطة من "بحمدون ـــ بتاتر" ونزلنا الى بيروت ودرنا في ساحة البرج حول السرايا القديمة ونحن نحدي ونهوبر:
يا زوبعة الله معك عالموت نحنا منتبعك
بكرا متى عاد الزعيم فوق السرايا منرفعِك
في اليوم التالي صدرت "صوت الشعب" جريدة الحزب الشيوعي تنتقد وتنتقد وبخاصة أن هؤلاء الفاشست النازيين داروا حول السراي وهتفوا الهتافات الحزبية وهوبروا الهوبرة .
واسْتـَعدوا الدولة علينا " .
***
بعض مما جاء في كلمة الرفيق د. شكر الله حداد، كما ورد في الصفحتين 31 و 32 من الجزء الرابع المشار إليه آنفاً:
" عندما دعيت للكلام في هذا اليوم، قيل لي أنه "يوم فلسطين" وأن لي تعليقاً على هذه التسمية،
" إن حقّ فلسطين علينا ليس يوماً من ايام حياتنا فحسب ولا اسبوعاً من أصل جهادنا ولا سنةً مما قسم الله لنا في عمرنا.
" إن حقّ فلسطين علينا يلزمنا منذ تشتد سواعدنا وتتفتح بصيرتنا ونقلب صفحة، عليها في كتاب التاريخ مآثر تاريخنا.
" إنكم تدركون ولا ريب أية وصمة عار في جبينكم وأي خطر بعيد المدى على مستقبلكم تنطوي عليه كارثة تهويد فلسطين.
" وكأنني بمنظّمي هذا المهرجان في بلدتنا هذه يسألوننا وجهة نظرنا، إننا هنا في صور وفي جبل عامل بالنسبة للخطر الصهيوني في الصفوف الامامية من جهة القتال وخط النار.
" نحن نعلم ان الجهاد في سبيل فلسطين عبء يقوم على اكتاف الدول العربية مجتمعة متكتلة. ولكنها لا يسعها أكثر من أن تنسّق المجهود العام وتوحد التوجيه للمجهود الفردي الذي نقوم به ونحب أن يقوم به كل واحد منا.
هوامش:
(1) رفيق آخر يدعى خليل حلاوي، انما اسم الاب: مالك (خليل مالك حلاوي).
(2) تسمية عمدة الدفاع في حينه.
(3) فوزي معلوف: مراجعة النبذة المعممة عنه، على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(4) نظمي عزقول: مراجعة النبذة المعمّمة عنه على الموقع المذكور آنفاً.
(5) يوسف تاج: مراجعة النبذة المعمّمة عنه على الموقع المذكور آنفاً.
(6) شكر الله حداد: مراجعة النبذة المعمّمة عنه على الموقع المذكور آنفاً.
(7) سعيد عبد الملك: كثيراً ما يورد الامين شوقي خير الله في مذكراته اسم الرفيق سعيد عبد الملك. إنما لم يورد أية معلومات عنه، وبدورنا لا نعلم عنه شيئاً، عكس ما نعرفه عن الرفيقين سهيل ونبيه عبد الملك، وقد عرفناهما في سياق العمل الحزبي ونسعى لان نجمع معلومات عنهما لنشر نبذة مفيدة.
(8) يوسف حاتم: مراجعة الموقع المذكور آنفاً .
| 
نسخة للطباعة