سقطت إسرائيل في امتحان دفع الجولانيين إلى انتخاب مجالس محليّة تعطي الاحتلال الشرعية. غداً ستكون قرى الجولان على موعدٍ مع إسقاط «انتخابات الأسرلة» ومنع المتعاونين مع الاحتلال من الاقتراع، بعد النجاح في إقناع أكبر عدد من المرشّحين بالانسحاب يثبت الجولان السوري كلّ يومٍ أنه عاصٍ على الاحتلال. خمسون عاماً من الاحتلال وقرار الضّم والتوسّع والمستوطنات وسياسات التجويع ضد 23 ألف سوري من أهالي مجدل شمس وعين قنيا ومسعدة وبقعاثا، ومحاولات شراء الذمم، لم تمسّ ذرّة غبار في إرادة الجوالنة، أو تبعدهم عن انتمائهم وتعلّقهم بالهوية السورية.
وغداً الثلاثاء، يُسجِّل هؤلاء انتصاراً جديداً على سياسات الاحتلال المتلوّنة عبر مقاطعة انتخابات المجالس المحليّة المفروضة عليهم وإسقاطها. وبالتالي، حرمان الاحتلال من انتزاع «شرعية شعبية». ويمكن القول إن المحاولات الإسرائيلية الدبلوماسية لإقناع الدول الكبرى باعتراف دولي بسيادة الاحتلال على الجولان وإلغاء القرار الدولي 497، القاضي بإلغاء قرار الكنيست بضم الجولان المحتل إلى الكيان العبري، سقطت عند قرار المقاطعة الذي اتخذه الجولانيون، في خطوة تساوي بمعناها الوطني والقانوني كلّ الجهد على مدى سنوات لتغيير الواقع في الهضبة المحتلة.
في السنوات الماضية، شنّ الاحتلال حملة اعتقالات وضغوط ضد رموز المقاومة والحركة الوطنية في الجولان، وكان نصيب الأسير صدقي المقت 11 عاماً من السجن، تضاف إلى سجلّه الناصع بـ27 عاماً من الاعتقال في سجون الاحتلال، بغية ضرب إرادة الجولانيين.
وبالتوازي، أطلق الاحتلال المتعاونين معه في قرى الجولان، وبدفع من وزير الاتصالات أيوب قره، لخلق مزاج عامٍ في القرى المحتلّة لتوهين الأهالي والمسّ بصمودهم، عبر الترويج لضعف سوريا بسبب الحرب التكفيرية عليها، ونهاية مشروع استعادة الجولان. لم يوفّر هؤلاء وسيلةً إلّا واستخدموها من ضرورة الحصول على الجنسية الإسرائيلية لتسهيل التعليم والسفر والحصول على الوظائف في الداخل المحتل، إلى تسهيل معاملات البناء والتضييق على رافضي الجنسية وهدم بيوتهم بحجّة مخالفتها لقوانين البناء. ليس هذا فحسب، عملوا أيضاً على مهاجمة المجالس المحليّة المعيّنة من قبل الاحتلال، بذريعة فسادها وضرورة انتخاب الجولانيين مجالس تمثّلهم، في مسعىً إلى نقل الصراع من شرعية المجالس المحليّة وما تمثّله من سلطة للاحتلال، إلى كونها شرعية لكنّها تحتاج إلى الإصلاحات. وكأن الأزمة ليست بالاحتلال بحدّ ذاته، بل في فساد المجالس المحلية، التي لا تملك أي شرعية أصلاً، لا قانونية ولا وطنية، في كونها نابعة من سلطة احتلال يجثم فوق أرضٍ محتلة منذ العام 1967.
غير أن كلّ ذلك المسار، والضخّ الإعلامي والمادي والمعنوي الذي عملت عليه إسرائيل، لم يفضِ إلى نتيجة. بل على العكس، أثبت قرار المقاطعة الشاملة، إلا من حفنة قليلة جدّاً من المرتبطين والمنتفعين، أن الجولانيين يقدّمون الانتماء الوطني على الهمّ المعيشي، وبالتالي منع إسرائيل من حرف مسار اعتبار سيطرتها على الجولان احتلالاً، وإعطاء زخم لقضية المطالبة السورية بالجولان المحتل في المحافل الدولية وأمام الرأي العام العالمي.
**حاول الاحتلال الالتفاف على فشله الكامل في بقعاثا بإعلان مجلس «تزكية»**
حفلت الأيام الماضية، بسلسلة نشاطات رافضة للانتخابات في القرى الأربع. الاجتماعات العامة لم تهدأ وضغوط الفعاليات والمشايخ على المرشّحين لم تهدأ أيضاً، وفي الوقت نفسه أقام الوطنيون أكثر من تظاهرة واعتصام استنكاراً لمشاركة البعض في «الانتخابات الباطلة».
في بلدة مسعدة، نجح الأهالي بإقناع المرشّحين فهد الصفدي، حمود شقير وسليمان بطحيش بالانسحاب من الانتخابات، تاركين الاحتلال أمام خياراته الضيقة القديمة، بضرورة فرض رئيس للمجلس المحلّي إمّا من المتعاونين معه، أو من أحد المستوطنين اليهود من مستوطنات الجولان المحتل. أمّا في بقعاثا، فنجحت الضغوط بإقناع المرشّحين نافع عماشة وأسامة زهوة ومرشح آخر من آل شاهين، بالانسحاب، فيما أصرّ عباس أبو عوّاد، وهو أحد أبرز المتعاونين مع الاحتلال، على الاستمرار بترشّحه. وفي محاولة للالتفاف على قرار المقاطعة في بقعاثا، أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي قراراً بتعيين أبو عوّاد رئيساً للمجلس المحلي بـ«التزكية» كونه المرشّح الوحيد، في ظلّ عدم اعتراف أهالي البلدة بشرعية المجلس.
وفي عين قنيا، نجحت ضغوط الأهالي والمشايخ أيضاً في إقناع المرشّح سليمان دعبوس ومرشّح آخر من آل المغربي، فيما لا تزال المدعوّة سميرة عمرين مصرّة على ترشّحها. واليوم يحضّر أهالي عين قنيا لتظاهرة مضادة للانتخابات وشاجبة لموقف عمرين التي تبدو وحيدةً ضدّ خيار أهالي البلدة، معوّلةً بالحصول على ما لا يزيد على خمسين صوتاً من المقترعين الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية.
وكما في عين قنيا، لا يزال المرشّحان طارق الصفدي ودولان أبو صالح في مجدل شمس، وهما أحد أبرز وجوه المتعاونين مع الاحتلال في البلدة والأخير رئيس المجلس المحلي السابق، يصرّان على ترشيحهما، فيما أقدم رامز أبو صالح على سحب ترشيحه بعد اجتماع عام في خلوة البلدة ليل أول من أمس. ويحاول دولان أبو صالح وحمد عويدات خلق بلبلة في البلدة جراء تبادل اتهامات الفساد بينهما، والخلاف على المجلس المحلّي وحرف الأنظار عن الأزمة الحقيقية بلا شرعية المجالس التي تنتخب في ظلّ سلطة الاحتلال. ويعمل عويدات على التسويق للائحة حزب الليكود، لكنّه تلقّى ضربة بعد انسحاب رامز أبو صالح الذي كان ممثلاً للائحة. وهو يعمل أيضاً على إدخال التنظيم الحزبي إلى مجدل شمس، وكأن الجوالنة مواطنون في دولة الاحتلال، علماً أن عويدات كان أول من تقدّم بطلب من وزارة الداخلية الإسرائيلية في العام 2015، لإجراء انتخابات في الجولان في ظلّ علاقة كانت تربطه بأيوب قره.
وفيما ستشهد مجدل شمس تظاهرة شعبية اليوم رفضاً للانتخابات، يحضّر الأهالي لاعتصام عام غداً أمام مراكز الاقتراع في المجدل وعين قنيا، لمنع حصول الانتخابات بإغلاق مراكز الاقتراع، وسط تأهب من قوات الاحتلال.
|