يستعر النقاش في أروقة الإدارة الألمانية حيال قرار يجري فرضه عبر وزارات الخارجية والعدل والداخلية بضغط أميركي ــــ إسرائيلي، لحظر أنشطة حزب الله في ألمانيا. فهل تبدّي برلين مصالح إسرائيل على مصالحها الآن وفي المستقبل في الشرق الأوسط، وتساهم في تسعير الحرب على حزب الله؟
صادمٌ كان تسريب مجلة دير شبيغل، أمس، معلومات عن نيّة برلين حظر حزب الله على الأراضي الألمانية. خطوة من هذا النوع في هذا التوقيت الدقيق من عمر لبنان، تناقض المواقف التي يعبّر عنها الألمان بشأن التطورات اللبنانية، لناحية دعم الاستقرار وعدم تبنّي سياسة المواجهة الأميركية تجاه حزب الله في الداخل اللبناني. كما أنها تدلّ على تطوّر نوعي في موقف ألمانيا، وعلى خضوع واضح للإرادة الإسرائيلية، بعدما كانت ألمانيا إلى حدّ ليس ببعيد تحاول التمايز عن موقف البريطانيين من حزب الله، كما فرنسا، بعد إعلان بريطانيا بداية آذار الماضي تصنيف الحزب منظمةً إرهابية (راجع «الأخبار»، «لندن نحو تصنيف حزب الله «منظمة إرهابية»: تلاحم بريطاني ــــ أميركي ــــ إسرائيلي ولهاث خلف الأموال السعودية! العدد 26 شباط 2019).
المجلّة صاحبة التسريبات الشهيرة التي تتهم الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري، كشفت أمس عن قرار مفاجئ، «هبط من فوق» كما تصفه مصادر متابعة للشأن الألماني لـ«الأخبار»، بنيّة إعلان الحكومة الفيدرالية في غضون أسبوع عن حظر أنشطة حزب الله على الأراضي الألمانية، بعد موافقة وزارات الداخلية والخارجية والعدل. ولم تخف المجلّة أن بحث القرار جاء نتيجة للضغوط الأميركية والإسرائيلية، المستمرة منذ سنوات وتكثّفت خلال الأشهر الأخيرة.
دير شبيغل نفسها، كانت قد كشفت بعد القرار البريطاني، نقلاً عن مسؤول حكومي رفيع المستوى، أن ألمانيا لن تسير على خطى بريطانيا، على أساس أن حزب الله مكوّن أساسي من المكوّنات اللبنانية ولا يمكن التعامل معه ككيان إرهابي.
يظهر التسريب كأنه جزء من حملة الضغوط التي يمارسها الأميركيون وإسرائيل على الحكومة الفيدرالية، بدعم من وزير الخارجية هايكو ماس، للفوز بالكباش الدائر داخل الإدارة، حيال قرار حظر حزب الله، وخصوصاً أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان قد طلب من برلين علناً، خلال لقائه ماس في حزيران الماضي، إعلان حزب الله تنظيماً إرهابياً.
مصادر دبلوماسية غربية أكّدت لـ«الأخبار» أن «ما نقلته دير شبيغل فيه شيء من الصحة، لكن لم يتّخذ أي قرار بعد، والنقاشات لا تزال جارية». وقالت المصادر إن «هناك مخاطر عديدة لإعلان من هذا النوع، لذلك ثمة ضغوط وجهود مضادة».
ومساءً، خرج موقف رسمي وحيد عن وزارة الداخلية، عبّر عنه الناطق باسمها ستيف ألتر، بتغريدة على «تويتر»، قائلاً إنه «لا يمكننا تأكيد تقارير وسائل الإعلام حول قرار حكومي مزعوم حول فرض حظر على حزب الله».
منذ مدّة، والضغوط تتزايد على دول أوروبا الغربية، وتحديداً ألمانيا وفرنسا لاتخاذ خطوات معادية تجاه حزب الله، بالتوازي مع حملة الضغوط لتجريم معاداة الصهيونية على غرار تجريم «معاداة السامية».
وفي الأشهر الأخيرة، لاحظ أكثر من مراقب تحوّلاً في الإعلام المحلي الفرنسي والألماني، وإجراء تقارير مصوّرة طويلة حول حزب الله، بهدف شيطنة الحزب وتصويره على أنه أبرز أسباب الأزمات في الشرق الأوسط ولبنان. وهذا الضغط، تجلّى سابقاً في محاولات حزب ألمانيا البديل طرح مشروع على البرلمان مع أحزاب يمينية أخرى، قبل نحو شهرين، لحظر أنشطة الحزب، وسقط الاقتراح بأغلبية برلمانية واضحة.
*«القرار هبط من فوق» ويناقض المواقف القديمة من حزب الله والاستقرار في لبنان*
لا تكتفي إسرائيل بالضغط على الحكومة لأجل إخضاع ألمانيا لسياسة معاداة شعوب المنطقة لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي، بل تركّز ضغوطها أيضاً على الأحزاب. تمارس اللوبيات اليهودية حملات ضد حزب ألمانيا البديل، عبر التجييش الإعلامي ضدّه واتهامه بالنازية ومعاداة إسرائيل، لدفع الحزب إلى تبنّي سياسات عدائية تجاه أعداء إسرائيل، في لعبة رأي عام مكشوفة، تشترك فيها العديد من وسائل الإعلام المحلية.
مصادر دبلوماسية غربية أخرى، اعتبرت أن «القرار إذا تم الإعلان عنه، فسيكون مغامرة تجاه المصالح الألمانية ورؤية ألمانيا لدورها مستقبلاً في المنطقة، وعلى الداخل الألماني، وخصوصاً بوجود قوات من البلاد وفرنسا ودول أوروبية أخرى في جنوب لبنان». وقالت إن «ثمّة مخرجاً للخروج من هذه الورطة بأقل الخسائر الممكنة يجري نقاشه، ويتضمّن حظر بعض الجمعيات المحسوبة على حزب الله، وليس حظر الحزب وتجريم مناصريه الذين يحمل العديد منهم الجنسية الألمانية»، على الرغم من أن حزب الله، على الأقل منذ ما بعد عام 2000، لا يقيم أي ارتباط تنظيمي مع جمعيات في أوروبا والدول الأخرى. ووجود جمعيات تؤيّد خيار المقاومة في ألمانيا وأوروبا والبرازيل، وحتى كندا والولايات المتحدة الأميركية، لا يعني أي ارتباط تنظيمي لتلك الجمعيات مع الحزب.
|