لم يكن مقرّراً أن يُصعِّد الرئيس سعد الحريري. قبل صباح يوم السبت الماضي، كان يُلملِم شارعه. حتى بعد انتشار الفيديو المسيء للوزير السابق وئام وهّاب، كانت الاتصالات السياسية والأمنية والقضائية تتّجه صوب «ضبضبة» القضية عبر تسوية تقضي بمثول وهّاب أمام القضاء اليوم. فما الذي دفع الحريري إلى اتّخاذ هذه الخطوة المجنونة؟ لم يكن مخططاً أن يكون نهار السبت ملتهباً. من دون سابق إنذار، اتّصل الحريري بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان طالباً توقيف وهّاب، وبالنائب العام التمييزي سمير حمود طالباً منه إصدار مذكرة إحضار. أبلغ الاثنان رئيس فرع المعلومات العقيد خالد حمود بضرورة التنفيذ: «عليك توقيف وهّاب اليوم». استجاب الأخير وأرسل قوّة أمنية قوامها 150 عنصراً وضابطاً من القوّة الضاربة في فرع المعلومات بإمرة العقيد خالد عليوان. أثناء توجّه القوّة إلى الجاهلية، اتّصل رئيس لجنة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا بالعقيد حمود مستفسراً، وأبلغه أنّ حزب الله غير راضٍ عن هذه الخطوة. بعدها، اتّصل صفا بالقاضي حمود وحمّله رسالة واضحة وحاسمة: «حزب الله لن يرضى بما يحصل». كذلك اتّصل صفا بعثمان، فأبلغه الأخير أنّ القرار اتُّخذ بتوقيف وهّاب. كان الاتصال عاصفاً، إذ ردّ صفا بعنف محذِّراً من أنّ ذلك سيؤدي إلى حمّام دم، لا سيما أنّ القوة الأمنية كانت ضخمة. كتيبة عسكرية تضم 150 عنصراً وضابطاً مدجّجين بالسلاح والمصفّحات لتبليغ مدّعى عليه بالذم والقدح! سابقة لم يشهدها القضاء. هذا التحرّك دفع إلى الاعتقاد بأنّ هناك نية مبيّتة لتفجير الأمور، إذ إن هذا الكمّ من السلاح والعناصر الأمنيين لا يعني سوى أمر واحد: معركة مرتقبة إن رفض وهّاب تسليم نفسه.
وصلت القوة الأمنية إلى الجاهلية. بقيت آلياتها بعيدة نسبياً عن منزل وهاب الذي توجهت إليه سيارة وحيدة، على متنها قائد القوة العقيد عليوان وسائق ورجل أمن. لاقاهم عند المدخل مختار الجاهلية أجود بو ذياب الذي أبلغ عليوان بأنّ وهّاب اتّصل به لتسلّم التبليغ، مضيفاً: «الوزير ليس هنا، وهو سيقصد مقر فرع المعلومات الإثنين (اليوم) مع محاميه». في تلك الأثناء، بدأ إطلاق النار. كان غزيراً جداً، إلا أن أكثره كان في الهواء. أُصيب محمد بو ذياب الذي توفّي متأثراً بجراحه لاحقاً.
الوضع الميداني كان على حافة انفجار يمكن أن يؤدي إلى مجزرة. الاتصالات الأمنية والسياسية أكدت أن وهاب ليس في منزله، وأن تفادي الأسوأ يوجب سحب القوة الداهمة، وهو ما تمّ سريعاً. أخرج عليوان رجاله من البلدة، وقصد مع المختار مخفراً للدرك لتثبيت إفادته.
انتهت المفاعيل الأمنية للقرار السياسي الذي امتثل له القضاء والأمن الداخلي. وعلى سيرة القضاء، فإن محامين كثراً يؤكدون أن مذكّرة الإحضار التي طلب المدعي العام التمييزي القاضي تنفيذها بحق وهاب مخالفة للقانون. فاستدعاء الوزير السابق مبني على إخبار تقدّم به محامون، ومذكرة الإحضار لا تصدر في حالات مماثلة إلا عن قاضي تحقيق.
الجنون الذي سبق لا يبدو حدثاً طارئاً. بيان قوى الأمن الداخلي الذي روى ما جرى، تضمّن جملة اعتراضية تلخّص عقل من اتخذ قرار إرسال قوة عسكرية لتنفيذ مذكرة إحضار بحق سياسي قال محامون إن كلامه يمثل جرماً جزائياً. فبيان المؤسسة الرسمية قال إنه «بناءً عليه وبالتاريخ ذاته، توجهت قوة من شعبة المعلومات الى مكان إقامة وهاب في بلدة الجاهلية ــــ الذي كان وهاب نفسه قد صرّح مراراً بأنها عصيّة على الكون بأكمله ــــ بهدف إحضاره». كأنّ مديرية قوى الأمن، أو من أوعز إليها بكتابة هذا البيان، تريد أن تقول للرأي العام، بلا خجل، إن هدفها هو كسر كلمة وئام وهاب لا تنفيذ قرار قضائي!
|