لم يكن ما جرى ليل الأحد حدثاً عابراً. أعمال الشغب التي شهدها تشكّل نقطة تحوّل، تشي بأمر خطير بدأ تنفيذه. هي لعبة الشارع التي يُتقنها أهل السياسة وأجهزة الاستخبارات جيداً. ورغم أن عنف الأجهزة الأمنية كان أكثر شدة ليل السبت، إلا أنّ مشهد ليل الأحد كان أكثر خطورة بعدما كاد يتحوّل إلى اقتتال مذهبي سنّي - شيعي، لولا تدخّل الجيش الحاسم الذي أقام ثلاثة خطوط فصل بين «أنصار» الموقوف ربيع الزين القادمين من طرابلس وشبان من الخندق الغميق نزلوا بالعشرات إلى جسر الرينغ ومدخل ساحة الشهداء. عشرات العسكريين بكامل عتادهم تقدموا شرطة مكافحة الشغب، وسط قرار واضح بمنع حصول أي صدام مهما كلّف الأمر. ترافق ذلك مع شتائم مذهبية وفيديوات فتنوية لشحن النفوس جرى تداولها على مجموعات الواتساب ومواقع التواصل الاجتماعي. قبضة الجيش وسطوته ترافقتا مع قرار حاسم لدى قيادتي حركة أمل وحزب الله بسحب الشبّان الغاضبين من الشارع. كل هذا منع تدهور المواجهة إلى ما لا تحمد عُقباه. فماذا حصل في تلك الليلة ومن أشعل الشرارة الأولى؟
تكشف معلومات الأجهزة الأمنية، والتي يتقاطع بعضها مع روايات مراسلين كانوا على الأرض في تلك الليلة، أنّ مجموعات وصلت من طرابلس إلى ساحة الشهداء عند غروب الأحد، مُعدّةً سلفاً لافتعال مواجهة مع القوى الأمنية. شعار هؤلاء كان إطلاق سراح الناشط ربيع الزين الذي أوقف بموجب إخبارَين بالمس بهيبة القضاء على خلفية تهجّم النائب هادي حبيش على القاضية غادة عون. غير أن الشعار ما لبث أن تحوّل الى هتافات تحريضية. وبحسب المعلومات، فقد انطلقت الباصات من البالما في طرابلس لتصل قرابة السادسة والنصف مساءً إلى بيروت. عُرِف من منظمي «الرحلة» ابراهيم مصطفى، المعروف بأبو سمير، المقرّب من ربيع الزين، إضافة الى شخص من دير عمار اسمه محمد ابراهيم الذي كان ملثماً وعرّف عن نفسه باسم علاء، والذي انتشرت له مقاطع فيديو يشتم فيها أهل الخندق ويُحرّض طائفياً مع آخرين. وعمد هؤلاء الى افتعال مواجهة مع قوة مكافحة الشغب عبر المبادرة الى رمي الحجارة والمفرقعات النارية. لم يكن هؤلاء وحدهم، انضمت إليهم مجموعات من المتظاهرين لا تدري ما هو مخطط هؤلاء. ترافق ذلك مع اندلاع مواجهة بين المتظاهرين وشرطة مجلس النواب.
استمرت المواجهة لساعات، قبل أن يأتي الأمر بالانسحاب. صعد الآتون من طرابس في الباصات، وعادوا أدراجهم إلى طرابلس. من حرّك هؤلاء؟ وجّه أمنيون الاتهام الى الرئيس نجيب ميقاتي، بعد تداول أن شاباً يدعى بشير المصري يقف وراء تحريض الشبان على النزول. مصادر ميقاتي نفت ذلك، مؤكدة أن المصري ترك تيار العزم منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وسافر الى السعودية، قبل أن يعود منذ أسبوعين تقريباً.
*الحسامي، المقرّب من أحمد الحريري، لعب دوراً أساسياً في التحريض*
اتصلت «الأخبار» بالمصري، فأكد أنه لا ينتمي إلى أي فريق سياسي، وأنه أنزل شباناً وشابات من طرابلس نهار السبت بالباصات، لا يوم الأحد. وأضاف: «من غير المعقول أن أحضر نساءً وأطفالاً معي إن كانت لديّ نية لافتعال إشكال»، مؤكداً أنه لم ينتقل إلى بيروت يوم الأحد، ولم ينقل أحداً، خشية تكرار ما حصل ليل السبت (القمع الذي تعرّض له المتظاهرون). وقال المصري لـ«الأخبار إنه رفض النزول لكون الشعارات طائفية»، مؤكداً أنه ضد التحريض الطائفي. وعلمت «الأخبار» أن محمد ابراهيم كان من بين الأشخاص الذين نزلوا على متن الباصات مع المصري السبت من دون أن يعرّف عن اسمه الحقيقي، ليعود الى تحريض الشباب للنزول الأحد لاستكمال سيناريو مواجهة السبت. وذكرت المعلومات أنه من الشبان المرافقين لربيع الزين والمقرّبين. كذلك ذكرت المعلومات أن الشيخ سيف الدين الحسامي، المقرّب من الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، لعب دوراً أساسياً في التحريض واستقدام الشبان للنزول من طرابلس. وحاولت «الأخبار» الاتصال بالحسامي، لكنه لم يجب.
جرى ذلك قبل أن ينتشر أمس فيديو سجّله شاب من الميناء يعيش في اليونان، يشتم فيه الرموز الدينية للطائفة الشيعية، إضافة إلى الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله وعموم الشيعة. بعد ذلك، هاجم شبان من الخندق الغميق ساحة الشهداء، قبل أن تواجههم قوة مكافحة الشغب.
|