لم تقبل المقاومة الفلسطينية فرض معادلات جديدة عليها بعد المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ تفاهمات التهدئة، إذ ردّت بقوة كبيرة على الاعتداءات التي بدأت مساء الجمعة الماضي بقنص جيش العدو عدداً من المتظاهرين في «مسيرات العودة»، عبر الرد فوراً بقنص ضابط وجندية، ليغتال العدو عنصرين من المقاومة، وتنطلق في اليومين الماضيين الردود وردود الفعل بين الطرفين. وحتى الساعة الأخيرة من أمس، بدا واضحاً أن التصعيد مستمر، وخاصة أن قيادة المقاومة الموجود جزء كبير منها حالياً في العاصمة المصرية القاهرة، أصرت على تطبيق تفاهمات التهدئة السابقة دون شروط، رافضة مقترحاً إسرائيلياً تحت عنوان «الهدوء مقابل الهدوء» مثل المرات السابقة، دون ضمان لتطبيق التفاهمات، وهو ما سيدفع غالباً نحو يوم جديد من القتال إذا لم يتنازل العدو ويقبل شرط المقاومة حتى الصباح.
وبينما بدا جلياً قدرة المقاومة على التفاوض بالنار، وعلى إحداث إرباك في الساحة الإسرائيلية وجعل خيار الحرب مكلفاً، أشعل العدو حرب شائعات حول عملية عسكرية كبيرة، لكن ذلك لم يلقَ صدى لدى الغزيين، بل اتضحت المعنويات العالية لديهم وثقتهم بالمقاومة بمواصلتهم حياتهم بصورة طبيعية إلى حد ما. وميدانياً، أسفر العدوان عن استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين، فيما استطاعت المقاومة قتل 5 إسرائيليين وإصابة أكثر من مئة عبر القصف الصاروخي المكثف واستهداف مركبات عسكرية بصواريخ موجهة. وفي الحصيلة أيضاً، دمرت الطائرات الإسرائيلية 15 عمارة سكنية في مناطق مختلفة من قطاع غزة، النقطة التي كانت منطلقاً لتصعيد رد المقاومة. ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع مساء أمس عدد الشهداء إلى 26، منهم ثلاث سيدات مع جنينين، إضافة إلى رضيعين وطفل، فيما أصيب 154 مواطناً بجراح مختلفة.
وللمرة الأولى منذ 2014، عاد العدو إلى تنفيذ عدد من عمليات الاغتيال بحق عناصر المقاومة في مناطق مختلفة، ما أدى إلى عدد من الشهداء، لكن النسبة الكبرى كانت من المدنيين جراء استهداف المنازل، ومنهم عائلتان شمال القطاع، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية شقة سكنية مأهولة في منطقة الشيخ زايد، ما أدى إلى استشهاد أحد كوادر «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» طلال أبو الجديان وزوجته وطفلته الرضيعة، كما استشهد أربعة آخرون، بينهم امرأة وجنينها في استهداف طاول عائلة المدهون في بيت لاهيا (شمال). وبينما نعت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ«حماس» اثنين من عناصرها على الأقل، نعت «سرايا القدس» سبعة من عناصرها. ووفق حصيلة شبه رسمية، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي أكثر من 200 غارة، إضافة إلى استهداف المدفعية والبوارج البحرية أكثر من 100 موقع، بينها بنايات سكنية تضم مؤسسات إعلامية، إضافة إلى قصف وتدمير أراضٍ ودفيئات زراعية، علماً بأن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه هاجم ما لا يقل عن 320 هدفاً منذ السبت.
*أعلنت «سرايا القدس» إدخالها صاروخ «بدر 3» برأس متفجر 250 كلغ*
في المقابل، كبّدت المقاومة الفلسطينية العدو الإسرائيلي خسائر في الأرواح والممتلكات خلال تصديها للاعتداءات. ورغم فرض الرقابة العسكرية حظراً على المعلومات، أقرّ الإعلام العبري بمقتل 5 مستوطنين منذ صباح السبت الماضي وإصابة أكثر من مئة، فيما نقلت الإذاعة العبرية أن أكثر من 600 صاروخ أطلقت من غزة خلال اليومين الماضيين. وكشف العدو مساء أمس أن صاروخاً أصاب منزل رئيس «لجنة الخارجية والأمن» في الكنيست ورئيس «الشاباك» الأسبق، آفي ديختر، في عسقلان صباحاً، كما نقل مسؤول كبير في سلاح الجو الإسرائيلي أن مستوطنات «غلاف غزة» والجنوب تعرضت لـ«هجوم غير مسبوق» بالصواريخ. وذكرت مصادر طبية إسرائيلية أن الجولة الحالية حصدت حتى الآن حياة 3 إسرائيليين، اثنان منهم في عسقلان، وثالث في استهداف مركبته بصاروخ موجه شمال شرق القطاع، فيما أصيب 131 إسرائيلياً بجراح مختلفة، خمسة منهم في حال الخطر (اثنان في حال الموت السريري) على الأقل، كما تضررت عشرات المباني وخاصة في عسقلان. ولاحقاً، أعلن الإعلام العبري مقتل حاخام متأثراً بإصابته بشظايا صاروخ سقط في أسدود، فيما كشفت المصادر العبرية عن مقتل مستوطنة أخرى بعد استهداف المركبة التي كانت تستقلها بصاروخ «كورنت» موجه بخلاف المستوطن الآخر الذي أعلن مقتله في الاستهداف نفسه.
وكانت «كتائب القسام» قد نشرت مقطعاً مصوراً يظهر عملية استهداف مركبة عسكرية شمال القطاع بصاروخ موجه، لكن يظهر في المقطع قطار بالإضافة إلى حافلة وكلاهما غير محصن، في إشارة إلى القدرة على إيقاع أعداد كبيرة من القتلى من غير العسكريين. كذلك، أعلنت «غرفة العمليات المشتركة» لفصائل المقاومة إطلاق مئات الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية، وبثت فيديو مشتركاً لاستهداف ناقلة جند إسرائيلية بصاروخ «كورنت» شرق القطاع. وفي وقت متأخر، أعلنت السرايا أنها أدخلت صاروخ «بدر 3» في هذه الجولة، وأن رأسه المتفجر يزن 250 كلغ.
أمام هذه المعطيات، أمر رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، جيشه بـ«مواصلة هجماته بقوة»، وبتعزيز وحدات من أسلحة المدرعات والمدفعية والمشاة للتعامل مع أي تطور، محملاً «حماس المسؤولية عن هجماتها وعن تلك التي تنفذها الجهاد الإسلامي»، واعداً سكان الجنوب بـ«العمل لاستعادة الهدوء والأمان». وبالتزامن مع الحديث الإسرائيلي عن التحشيد، نقلت القناة العبرية الثانية نبأ يفيد بوجود «وساطات دولية لإعادة الهدوء»، فيما أكدت مصادر في المقاومة أنه لا هدوء دون ضمان تطبيق ما تم الاتفاق عليه أخيراً. وفي هذا الإطار، قال المنسق الخاص للأمم المتحدة لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، أمس، إن «الأمم المتحدة تعمل مع جميع الأطراف لتهدئة الوضع في غزة»، مضيفاً: «أدعو إلى وقف التصعيد الفوري والعودة إلى تفاهمات الأشهر القليلة الماضية... أولئك الذين يسعون إلى تدميرها (التفاهمات) سيتحملون مسؤولية الصراع الذي ستكون له عواقب وخيمة على الجميع». كذلك، أدان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الهجوم الإسرائيلي على غزة، وطالب بوقف العمليات العسكرية.
|