التزامن بين إصدار اتهامات من دون أدلة واضحة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبين التطورات السياسية الداخلية فيه يدعو الى المطالبة السريعة بإلغاء هذه المحكمة.
تكفي فقط ملاحظة التوقيت المشبوه في إعلان اتهاماتها مع أحداث سياسية متلاحقة، فتبدو كمن يصّب زيت اتهامات مفلسة على نيران صراعات طائفية وسياسية، لا يستفيد منها إلا ثلاثة أطراف: الاميركيون والعدو الاسرائيلي، والمحاور اللبنانية الداخلية المرتبطة بهم.
للتذكير فقط، فإن هذه المحكمة التي تأسست قبل تسع سنوات استنزفت نصف مليار دولار حتى الآن من أموال اللبنانيين، وذلك على نفقات انتصابها لإحقاق العدل ووافق على تأسيسها مختلف القوى السياسية اللبنانية من دون أي اعتراض، على رأسها حزب الله الذي يتهمه الاميركيون والاسرائيليون والخليجيون باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.. يبدو أن عقداً كاملاً لم يكفِ هذه المحكمة للعثور على دليل حقيقي ملموس على مثل هذا التورط. واكتفت باتصالات هاتفية تزامنت مع مرحلة الاغتيال بالإمكان فبركة العشرات على شاكلتها لذلك لا يقبل بها القانون كمواد اتهام صحيحة ويجنح لرفضها.
لكن هذا العجز القانوني لم يدفع القوى اللبنانية لوقف هذه المسرحيّة الدولية المسماة «محكمة» والمطالبة بإلغائها، فالبعض مستفيد منها، لأنها تشهّر بحزب الله ولو كذباً وافتراء وآخرون يؤكدون على براءتهم من تهمة اغتيال الحريري بالسكوت عنها.
لكن هذا المواطن اللبناني الذي يتعرّض لتراجعات اقتصادية مرعبة، هو الذي يندفع اليوم مطالباً بنسف هذه المحكمة لانتفاء اي فائدة قانونية منها سوى تحوّلها أداة للتأثير على التفاعلات السياسية الداخلية لمصلحة الهيمنة الخارجية.
فبدلاً من اقتطاع نسب وازنة من رواتب العسكريين والمتقاعدين، كان بالإمكان توفير 500 مليون دولار سنوياً هي نفقات هذه المحكمة لإلغاء الحسومات عن الطبقات الشعبية.
عجز هذه المحكمة عن التوصل الى أدلة فعلية، لاتهاماتها، سبيلاً لمنع استعمالها مطرقة تدق الأسافين للاحتراب السياسي والطائفي والاقليمي وذلك لا يكون إلا بإلغائها.
لمناقشة ادوار هذه المحكمة يجب الانطلاق من مهامها القانونية الحصرية وتتعلق بالكشف، عن قتلة الراحل الحريري، فهل توصلت بعد عقد تقريباً الى غايتها؟ لم تتمكن من العثور على دليل واحد مفيد لها قانونياً فكانت تغيب دهراً وتعود فجأة لتقذف باتهامات غير مدعومة، لتعاود الاحتجاب وكأنها ليست موجودة، وهكذا دواليك وسط صمت لبناني إجماعي، هو الاول من نوعه منذ تأسيس الدولة الحديثة في 1948.
فلماذا لم تطلب الامم المتحدة وقف أعمالها بعد هذا الزمن الطويل على إنشائها كآلية قانونية خاصة، يغطي لبنان والأمم المتحدة أكلافها، فهل من مبرر قانوني يجيز استمرارها على هذا النحو الاستنزافي والعبثي من دون أي فائدة ترتجى على مستوى المهام التي دفعت الى تأسيسها؟
هناك إذا، رعاة سياسيون وازنون يدعمون استمرار هذه المحكمة؟ ولأنها لا تنتج شيئاً، فيجب البحث عن أسباب وجودها في جوانب أخرى، مع التساؤل العميق عن الدواعي التي تجعل الدولة اللبنانية عاجزة عن المطالبة بوقفها، لتوفير أكلافها وإعادة ضخّها لمصلحة اللبنانيين ومنع استخدامها في تأجيج التباينات الداخلية.
إنها السياسة إذاً التي تطيل عمر محكمة مفلسة قانونياً، ولديها داعمون دوليّون متمكنون، وبما أنها تستهدف التنقيب عن اثباتات تدين حزب الله بما يكشف بالتحليل المنطقي أن داعميها هم الأميركيون والخليجيون المعادون لحزب الله الى درجة الصدام العسكري معه، وبما أن الأمم المتحدة تخضع حتى الآن للسياسة الأميركية ومعها الخليجيون والإسرائيليون، فهذه دلائل إضافية على أميركية هذه المحكمة وتحولها أداة سياسية صرفة في خدمة هيمنتها على المنطقة.
لذلك لا أحد يطالب بإلغاء هذه المحكمة وسط اصرار على إيلائها دوراً سياسياً مؤذياً ومواكباً لحركة حزب الله في لبنان والإقليم.
لذلك كانت المحكمة تغيب مدة طويلة، ولا تعاود إطلاق اتهاماتها إلا عند احراز حزب الله لإنجاز لبناني او سوري.
فمع بدء حزب الله الدفاع عن سورية في وجه إرهاب دولي عولمي وتورط غربي وخليجي وتركي، بدأت المحكمة برشق اتهامات غير مسندة تلقي مسؤولية على حزبيين باغتيال الحريري.
وتعاود اتهاماتها بأشكال جديدة تثير انتباه الرأي العام أكثر من «علمية القانون» فتتكلم عن أرصفة وأنفاق وزوايا واتصالات.
وسرعان ما يتبين أنها اختراعات كان ينظمها شهود وهميّون او كاذبون على علاقة بالمخابرات الخليجية والأميركية.
لقد ربطت المحكمة الدولية بين اتهاماتها والدور التدريجي لحزب الله في سورية، وصعوده السياسي بعد الانتخابات في لبنان ولعبت على وتر الانقسام المذهبي بين المسلمين، والتباين الطائفي بين المسلمين والمسيحيين بشكل لم تغفل فيه تفصيلاً بسيطاً واحداً، حتى أنها كانت تطلق شائعات عن إمكانية استدعاء سياسيين مسيحيين من حلفاء حزب الله للتحقيق.
إقليمياً لا تزال هذه المحكمة تحاول النيل من حزب الله بالتأثير على قاعدته اللبنانية ودوره الإقليمي وذلك بإطلاق أخبار في مئات وسائل الإعلام المختلفة عن تورطه في المخدرات والاغتيالات وجرائم اخرى.
السؤال هنا، يذهب الى العقول ليسألها: لو لم يكن حزب الله مجابهاً «عنيداً» للنفوذ الاميركي ـ الإسرائيلي، لبذلوا كل هذه الجهود للقضاء عليه.
لعل هذا الأمر يدعو اللبنانيين من مختلف الاتجاهات الى مطالبة دولتهم بسحب تمويلها لمحكمة تعمل فقط على تفجير بلادهم، ووضعها في خدمة التأثير الإسرائيلي الخليجي الذي يجابهه حزب الله وتحالفاته.
|