أصبح من الواضح أنّ اللبنانيّين بمجموعهم، باستثناء قلة قليلة، هم ضحية ما يحصل في القطاع المصرفي. لا فرق هنا بين صغار المودِعين وكبارهم، فهؤلاء «كلن يعني كلن» خاسرون وغير قادرين على تأمين أبسط مقوّمات الاستمرار في ظلّ هذه الإجراءات الظالمة التي فرضتها المصارف على الناس.
لا داعيَ هنا لعرض التفاصيل، فالقصة معروفة من الجميع وكلّ مواطن من موقعه يعرف ماذا يحصل معه وأمامه في المصارف، وكلّ منا لديه قصته مع مصرفه، لكن الغريب هو أنّ السلطات المعنية تغضّ النظر عما يحصل، والمقصود بالسلطات المعنية هو كلّ السلطات بدون استثناء، السلطة النقدية والمالية والتنفيذية والتشريعية…
والأغرب أننا بتنا نسمع مَن يطالب بقوننة الإجراءات التعسّفية التي اتخذتها جمعية المصارف، وهي التي لا يحق لها ذلك في القانون لأنها ليست سلطة ولا تستطيع أن تفرض شيئاً على الناس، بل إنّها جمعية خاصة حاصلة على «علم وخبر» وليس لها أيّ صلاحيات لكي تطرح إجراءات مخالفة لقانون النقد والتسليف…؟ وإذا كان يحق لها أن تتخذ أيّ موقف فيجب أن يكون لمصلحة عملائها، وخاصة صغار المودعين، وليس ضدّهم! ولا شكّ في أنّ الاستهتار والتلاعب بأموال الناس ومدّخراتهم وجنى أعمارهم لن يمرّ مرور الكرام…
أما إذا استجابت السلطات المعنية وسارت خلف المطالبين بقوننة الإجراءات المصرفية التعسّفية، فإنها بذلك تؤكد بما لا يقبل الشك أنها شريكة في السطو على أموال المواطنين.
وما بات مؤكداً هو أنّ المصرفيّين في لبنان، ومعهم مصرف لبنان، وبدعم من عدد غير قليل من السياسيين، لعبوا دوراً لا يمتّ بصلة إلى أصول العمل المصرفي، بل يمكن القول إنّ ما قاموا به خاصة في السنة الأخيرة وربما قبلها أيضاً، يُعتبر أقرب إلى أعمال القرصنة منه إلى العمل المصرفي، حيث إنهم كانوا يعلمون علم اليقين أنّ أوضاع المصارف ليست على ما يُرام، ورغم ذلك قاموا بتقديم إغراءات للمستثمرين اللبنانيين والعرب وجذبوا المزيد من الودائع التي يتمنّعون اليوم عن تسليمها لأصحابها إلا بالقطارة…!
ماذا يمكن أن نسمّي مثل هذه الأعمال غير أنها شبيهة إلى حدّ كبير بأعمال العصابات؟ والسؤال الأكبر هو عن دور السلطات المعنية على اختلافها، لا سيما السلطة القضائية، من أجل حماية حقوق الناس وعدم السماح لأفراد مهما علا شأنهم أن يأخذوا اللبنانيين رهائن لأهوائهم ومصالحهم الخاصة؟ ألا يُفترض أن يُستدعى إلى التحقيق كلّ المسؤولين عن العمل المصرفي في لبنان وسؤالهم عما حصل ويحصل، ولماذا وما هي المسبّبات؟ وإلى متى سيستمرّ الوضع على ما هو عليه؟ وما هي آفاق الحلول التي يمكن أن تنقذ البلد وناسه من الإفلاس وما يمكن أن يحدث بعد الإفلاس…؟
على أنّ المشكلة تبقى سياسية في الأساس، ولا بدّ من قيام السلطة السياسية بدورها كراعٍ للمواطنين لا كمتآمر عليهم، ولذلك على المعنيين المسارعة إلى تشكيل حكومة توحي بالثقة ويتوفر فيها الحدّ الأدنى من الأهلية، على الأقلّ لوقف هذا الانهيار الحاصل على كلّ المستويات، ثم لوضع الخطط الإنقاذية موضع التنفيذ، وأولها العمل على استعادة الثقة في الداخل والخارج، لأننا من دون استعادة الثقة تبقى مساعينا الإنقاذية قاصرة عما هو مطلوب، والمطلوب كثير بطبيعة الحال…
|