تضرب الساحة اللبنانية العديمة الاستقرار اصلاً عاصفة جديدة عنوانها «فرضية او طرح او طلب انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية من الشعب مباشرة ولمرة واحدة» لان في الطرح امراً جديداً «ينقلب على الدستور والميثاق» ويتجاوز الاسس التي بني عليها التوازن الداخلي الوطني اللبناني.وانطلاقا من الدستور نفسه وكل ما دعمه من صيغ وتفاهمات واتفاقات ضمنية او علنية حتى باتت اعرافا ملزمة نرى وجوب البحث في الطرح وخلفيته ونتائجه على كل ما ذكر.
ان النص الدستوري وفي المادة 73 وما يليها حسم الجهة المختصة بالانتخاب وحدد ان مجلس النواب وحده ينتخب الرئيس من غير العودة الى اي مرجعية اخرى بما في ذلك الشعب نفسه، وكان مرد ذلك كما نتصور عائداً الى امرين، الاول الصيغة الطائفية التي تمارس بها «الديمقراطية اللبنانية» القائمة على التوافق وتجاوز المساواة في الحقوق السياسية بين المواطنين، والثاني الاختلال في التوازن الديمغرافي بين المسيحيين والمسلمين لصالح الاخرين، ما جعل اتفاق الطائف والدستور لاحقا يعطي الفئتين تعادلا في مقاعد النواب رغم هذا الاختلال، وذلك رغبة في احداث توازن في التمثيل السياسي لا يحققه الواقع الميداني، ثم ابقي على انتخاب الرئيس من قبل المجلس حتى يكون الرئيس ثمرة التوازن المصطنع سياسيا وليس انعكاسا لحقيقة ديموغرافية قائمة، فالاكثرية الاسلامية شعبيا ستأتي برئيس هي تفرضه، اما التوازن في الهيئة الناخبة في مجلس النواب فانه يمكن من عدم تجاوز احد في مسألة انتخاب الرئيس. ولهذا السبب يكون اقتراح انتخاب رئيس من قبل الشعب ذي الاكثرية المسلمة بمثابة التنازل للمسلمين عن هذا المنصب.
ان هذا الامر منطقي ومقبول نظريا، ولكن اسقاطه على الحالة القائمة في المجلس النيابي اللبناني تقود الى صورة معاكسة، وتجعل من الطرح اقل خطرا مما هو قائم فعليا. فمجلس النواب اللبناني اليوم يقوم على اكثرية نيابية من 70 نائباً، منهم 26 نائبا مسيحيا على الاقل جاؤوا باصوات المسلمين ولم تكن للارادة المسيحية شأن في الاختبار، ثم ان 11 نائبا من السبعين مطعون بنيابتهم، ما يعني ان هناك 36 نائبا هم في موقع الشبهة التمثيلية، واذا كان انتخاب لرئيس الجمهورية من قبل مجلس كهذا، واستطاع المجلس ان يصل دستوريا الى دورة الانتخاب الثانية، فان 34 نائبا من اصل 128 يستيطعون ان يختاروا رئيس الجمهورية .. فهل هذا يمكن قبوله في بلد الفسيفساء الطائفي؟ واذا تذكرنا ان قرار تلك الاكثرية يمسكه مسلم سني (رئيس تيار المستقبل) ودرزي (التقدمي الاشتراكي) فاننا نطرح السؤال التالي الا يكون انتخاب المجلس هذا لرئيس للجمهورية بمثابة التنازل عن منصب الرئاسة للمسلمين؟ اعتقد ان الجواب لا يحتاج الى جهد كبير، ويمكن ان نقول ان الواقع السياسي القائم ومع التباين القائم في المواقف السياسية بين المسلمين، فان انتخاب الشعب للرئيس مباشرة، يعطي المسيحيين فرصة الاختيار مستثمرين الانقسام السياسي الحالي للمسلمين ويكون الطرح قد جاء ذكيا جدا خاصة اذا التفتنا الى كونه مطروحاً لمرة واحدة، ويكون حلاً يعيد آنيا للمسيحيين دورا فاعلا في انتخاب اهم مركز لديهم في السلطة، ويتجاوز الغبن الذي لحق بهم في قانون الانتخاب حيث فرض اكثر من نصف نوابهم عليهم،. بمعنى اخر اذا انتخب هذا المجلس رئيسا للجمهورية فان الارادة المسيحية لن يكون لها اثر يتجاوز الـ 5 الى 7% في افضل الحالات، اما اذا انتخب من قبل الشعب فانها ستكون فاعلة بنسبة 35% على الاقل اي ان العودة الى الشعب في الظرف القائم تكون رفع مستوى اعمال الارادة المسيحية في الاختيار.
وقد يكون رد على هذا التحليل بان للمسيحيين فرصة المحافظة على دورهم في الانتخاب طالما انهم يملكون قدرة تعطيل النصاب ان لم يكن الشخص المرشح لديهم للرئاسة يرضيهم، هنا قد نجد على هذا الامر ردوداً. الاول سعي لدى الاكثرية النيابية الحالية الى تجاوز نصاب الثلثين وعقد جلسة الانتخاب بالاكثرية المطلقة التي يملكونها، والثاني ما يتردد بين الفينة والاخرى عن صفقات قد تعقد من خلف الظهر .. وبالمناسبة نحن نرى مع الكثير من فقهاء الدستور ان تجاوز نصاب الثلثين يعد هرطقة دستورية من جهة، وتكريساً لالغاء دور المسيحيين نهائيا في السلطة من جهة اخرى، اذ يمكن في المستقبل ان يجمع المسلمون الذين يمتلكون نصف مجلس النواب على اختيار نائب مسيحي فيصبحون معه الاكثرية المطلقة من المجلس وعندها يجعلونه رئيسا من غير الحاجة الى اي صوت مسيحي عندها كيف يحفظ المسيحيون دورهم؟ على اي حال تجب مراجعة النص الدستوري الذي فيه «ينتخب الرئيس باكثرية الثلثين من مجلس النواب في دورة الاقتراع الاولى ...........» لنجد ان الدستور تحدث عن دورة اقتراع وفرض ان تأتي نتائجها باكثرية الثلثين، ما يعني ان الاقتراح الذي لا يحتمل توفر الثلثين من الاصوات فيه لا يمكن اعتباره دورة اقتراع اولى، وهذا يفرض القول بان هناك تعييناً لا بل فرضاص ضمنياً للنصاب في جلسة الانتخاب وهو الثلثان من الاعضاء، ومن غير الثلثين لا يعتد باي انتخاب لينتقل بعده الى دورة ثانية ... اذ ان شرط حصول الدورة الاولى رهن باحتمال نيل المرشح ثلثي الاصوات فان لم يكن الاحتمال قائما كان الانتخاب لغوا، من باب الاستحالة، فالتعاقد على شيء مستحيل يعتبر باطلاً مطلقا، والانتخاب الذي يكون فيه نجاح المرشح مستحيلا مطلقا يكون باطلاً مطلقا ... واتصور ان دعاة هذا الطرح يتأثرون بقانون الشركات التجارية التي تحدد للجمعيات العمومية نصابا في الدعوة الاولى ونصابا اقل في الدعوة الثانية، واذا كان فكرهم التجاري يشدهم الى الشركات فاننا نلفتهم الى مسألة هامة هنا فقانون التجارة تحدث عن دعوة اولى ودعوة ثانية وثالثة، لكن الدستور تحدث عن انتخاب في دورة اولى ولم يذكر دعوة اولى او ثانية، ما يؤدي الى القول لا تصنيف لاي انتخاب بانه اول، ان لم يكن احتمال نيل المرشح فيه لثلثي الاصوات قائما اي ان لم يكن في القاعة ثلثا النواب..
على ضوء ما تقدم نجد ان طرح انتخاب الرئيس من الشعب، طرح عملي يتجاوز العقد السياسية والمخاطر القائمة :
- يتجاوز شبهة التمثيل المسيحي في مجلس النواب.
- يتجاوز الصراع غير المبرر على النصاب المطلوب في الاقتراع الاول.
- يعطل احتمال قيام الحكومتين، في حال استمرار الانقسام السياسي القائم.
- يفتح كوة في الجدار المسدود امام الحل..
ولا ننكر ان الاقتراح صعب التطبيق، لا بل قد يكون مستحيل التطبيق مع اكثرية ترى ان اشراك المعارضة في الحكومة بـ 11 وزيرا من اصل 30 يعتبر انتحارا، فكيف ستقبل بتقديم رئاسة الجمهورية للمعارضة التي تمتلك الاكثرية الشعبية فيما لو انتخب الرئيس من الشعب..
ان انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب حل - مخرج، ولكن هل يعتقد احد بان من عطل المؤسسات الدستورية، وعطل البلاد، وتجاوز الدستور، سيبحث عن حل يبدأ بتعديل الدستور؟
ان الذي اعتاد التعطيل وتأزيم الاوضاع لا يمكن ان ينتظر منه تسهيلا او اعمارا او تفعيلا للسلطة او المؤسسات.. ولكن يبقى طرح محاولة سياسية واقعية في مسار البحث عن حل وطني.
|