جاء الإعلان عن الفصل الذي تُزمع الحكومة الصهيونية تنفيذه في قطاع غزّة ، بعدَ زيارة نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض ، ولقائه بالرئيس الأمريكي أوباما الذي أصرَ في تصريحاته ، عقب الإجتماع مع نتنياهو ؛ على ضرورة استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، ولم تنوه الإدارة الأمريكية الى تصريحات ليبرمان التي أعلن فيها خطة حكومته القاضية بالفصل النهائي بين قطاع غزة وفلسطين ، ولم تُشر إليها ، من قريب أوبعيد ، ولو تلميحاً ، أو تعقيباً من قبل المستشارين أوالموظفين أوالناطقين الرسميين في البيت الأبيض ، ما يؤشر الى أنّ إدارة أوباما موافقة على هذا الطرح الإسرائيلي الجديد ، أو ليست معارضة له ، على أقل تقدير ! وهو ما يعني ، انّ إدارة الديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية باتت تتبنى برنامج إدارة اليمين الأمريكي المحافظ ، الذي حاول تنفيذه في المنطقة العربية ، جورج بوش الابن ، تحت ما كان يسمى الشرق الأوسط الكبير ، وهو المشروع الإسرائيلي الأمريكي الذي كان يستهدف إقرار نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط ، ورسم خريطة جديدة لدول المنطقة العربية أسوأ من خارطة سايكس – بيكو ، تُحقق تجزئةً وتقسيماً وتفتيتا لدول المنطقة ، بما يكفل للكيان الإسرائيلي السيطرة والسيادة باعتباره دولة تحكمها عنصرية التفوق والنموّ والأمن ، أهم عوامل السيطرة والسيادة ، حسب رأي نتنياهو في كتابه " مكان تحت الشمس " . في شهر فبراير شباط عام 2004 أعلن بوش ، بعد أن احتلت قواته العسكرية العراق عن " صياغات استراتيجية جديدة للادارة الأمريكية للتعامل المباشر مع توجهات القوى الفاعلة في المنطقة والتصدي لتحدياتها ". والصياغات الجديدة كان يُقصدُ فيها إعادة صياغة المنطقة جغرافياً وسياسياً واقتصادياً ...
وعلى ضوء العنجهية التي أظهرها نتنياهو عبرَ القناة العاشرة الإسرائيلية ، بدت إدرة اوباما عاجزة عن ممارسة أيّ ضغط جدي على الحكومة الاسرائيلية ، على نحوّ بدت فيه كأنها تترنح أمام ضغوط اللوبي الصهيوني ، وأنصار اسرائيل في الكونغرس الأمريكي ، مع اقتراب استحقاقات الإنتخابات النصفية للكونغرس ، وفي ظل احتقان مفاعيل الأزمة الإقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وعلى وقع الخسائر العسكرية الأمريكية على جبهة أفغانستان وباكستان والعراق .
استكمالاً لخطة فكّ الإرتباط مع قطاع غزّة الذي نفذه آرائيل شارون رئيس الوزراء الصهيوني السابق ، في صيف عام 2005 ، في تجاوزٍ صارخٍ للوحدة الإقليمية للقطاع مع الضفة الغربية ، وباقي الأراضي الفلسطينية ، يحاول نتنياهو عبر وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان تنفيذ خطة فصل قطاع غزّة عن الضفة الغربية ، بل عن فلسطين التاريخية . كان نتنياهو قد كلف قبل أكثر من شهر وزير المواصلات في حكومته ( يسرائيل كاتس ) بفحص إمكانية الإنفصال التام عن قطاع غزّة ، باعتباره هو صاحب هذه الدعوة ، لعلّ اسرائيل تحظى هذه المرة باعتراف دولي بإنهاء احتلالها لغزّة ، وترحيل مشكلتها وما تخلفه من تداعيات الى الجانب المصري . في هذا الموضوع يبدو أن الأهداف الأمريكية تلتقي مع الأهداف الإسرائيلية وفق مجريات ترتيب صياغات جديدة للصراع العربي الإسرائيلي ، تستفيد منه اسرائيل بعزل قطاع غزة ، وانهاء مسؤوليتها الإحتلالية عنه ، ومّا يترتب عليها من تبعيات سياسية وقانونية وأخلاقية .
ويمكن أن تستفيد حكومة نتنياهو من وراء خطة الفصل هذه من تحقيق الأهداف التالية :
1 – إخراج قطاع غزّة من مصطلح " الغلاف " وهو ما يعني ، عند الإسرائيليين ، الخط العسكري الذي يحيط بقطاع غزّة والضفة الغربية ، ويعني أيضاً ، تحويل الخط الفاصل بين الكيان الإسرائيلي وقطاع غزّة الى حدود دولية ، قد تتواجد فيه قوات أُممية حسب رأي ليبرمان .
2 – تقويض المكانة القانونية المشتركة ما بين الضفة الغربية وقطاع غزّة .
3 – إخراج مليوني فلسطيني من معادلة الصراع ، وإضعاف قوة التأثير الديمغرافي للشعب الفلسطيني
4 – تفتيت البنية الأساسية للشعب الفلسطيني ، وتمزيق مقوماته التكوينية .
5 – إبقاء قطاع غزة ، في المديين المنظور والبعيد ، ساحة مفتوحة للصراعات والتجاذبات الداخلية والخارجية مع مصر .
6– ان عملية فصل قطاع غزّة تندرج في سياق التصفية النهائية للقضية الفلسطينية ، ومن شأنها أن تتيح لحكومة نتنياهو ضمِّ القدس دون منغصات ، وتقسيم الضفة الغربية دون عقبات ، مع إبقاء فلسطينيي الضفة في حالة من التبعية الإقتصادية والأمنية مع الحكومة الصهيونية .
ومن المؤلم حقاً ، أن الواقع القائم بأبعاده الفلسطينية والعربية يشكل في المرحلة الراهنة فرصة سانحة لاسرائيل وأمريكا لاحداث تعديلات حدودية ، وتقسيمات جغرافية وديمغرافية .
ليس صدفةً ان يتزامن الإعلان الإسرائيلي بشأن فصل قطاع غزّة مع حضور المبعوث الأمريكي جورج ميتشل الى المنطقة ، الذي كان يحمل في جعبته ملفات الإتفاق الأمريكي الأسرائيلي الأخير ، المتضمن دعوة السلطة الفلسطينية لاسئناف الحوار المباشر مع حكومة نتنياهو ، في ظلِ زيادة ملحوظة في وتيرة الإستيطان ، وتفريغ السكان ، وتجزئة الضفة الغربية ، للوصول مع السلطة الفلسطينية الى وضع يتعذر معه إبرام أيّ حلّ سياسي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة حقيقةًً .
انطلقت الخطة الإسرائيلية تحلق في الفضاء الأوروبي ، والدولي ، لأنها بحاجة الى تأييد ودعم أوروبي ودولي لتحقق مبتغاها ، في المقابل أعلن الجانب الفلسطيني بمكوناته الفصائلية رفضه الحاسم لخطة فصل قطاع غزّة عن جسمه الفلسطيني ، حيثُ أعلنت حركتا حماس وفتح رفضاً قاطعاً للخطة الإسرائيلية ، كما رفضتها كافة الفصائل الفلسطينية ، معتبرة أن الخطة إحدى مراحل تصفية القضية الفلسطينية .
يسعى ليبرمان بدايةً ، نيل موافقة الاتحاد الأوروبي على مشروعه ، فقد طًلبَ من الأوروبيين أولاً تأييداً سياسياً ، وثانياً دعما اقتصادياً ولوجستياً يُفضي الى بناء معمل لتحلية مياه البحر ، وبناء محطة لتوليد الطاقة الكهربائبة ، ومنشأة لتطهير مياه الصرف الصحي ، ثلاثة مشاريع حيوية من شأنها أن تحقق هدف الفصل الإسرائيلي لقطاع غزّة . لم يؤيد الإتحاد الأوروبي خطة ليبرمان الى الآن ، رغم تصادف وجود مسؤولة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي " كاترين اشتون " في قطاع غزّة والضفة الفلسطينية ، عشيةَ الإعلان عن الخطة الإسرائيلية ، لكن الرد الأوروبي الأول على تصريحات ليبرمان جاء من وزير الخارجية الألماني ( فيستر فيله ) الذي رفض الخطة الإسرائيلية ، إذ قال رداً على ليبرمان " أننا نرى أن هذا لن يؤدي من الناحية السياسية الى عملية سلام دائم ... " وتشير التقديرات السياسية في أوروبا بأن الإتحاد الأوروبي لم يُقدم على الموافقة للخطة الإسرائيلية بشأن قطاع غزّة ، الاّ إذا قبلتها الدول العربية ، فمن يقبل أولاً ؟ .
|