شهدت علاقات التعاون العسكري الأمريكي ـ الإسرائيلي تطوراً مثيراً للجدل والاهتمام، فقد تم الإعلان فجأة عن تعليق المناورات العسكرية الأمريكية ـ الإسرائيلية الأكبر في تاريخ المنطقة، الأمر الذي أثار سلسلة من التساؤلات والتكهنات حول طبيعة هذه المناورات ومدى مصداقية جهود محور واشنطن ـ تل أبيب العسكرية المشتركة، إضافة إلى جوانب أخرى: فما هي حقيقة قرار الإلغاء، وإذا كان العامل الإيراني هو الهدف المعلن، فهل العامل السوري هو الهدف غير المعلن؟
* المناورات العسكرية الأمريكية ـ الإسرائيلية: توصيف المعلومات الجارية
تقول المعلومات بأن الولايات المتحدة وإسرائيل قد اتفقتا على تعزيز التعاون العسكري المشترك بين القوات الأمريكية والقوات الإسرائيلية، عبر القيام بإطلاق فعاليات المناورات العسكرية المشتركة الأكبر حجماً وتطوراً في التاريخ العسكري الأمريكي ـ الإسرائيلي المشترك، وفي هذا الخصوص أشارت المعلومات إلى النقاط الآتية:
• الاسم الكودي للمناورات: "التحدي القاسي ـ 12".
• التنسيق الدبلوماسي: أشرف عليه آندرو شابيرو مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ـ العسكرية بالتعاون مع السفير الأمريكي في إسرائيل "دانييل شابيرو" والسفير الإسرائيلي في أمريكا.
• التنسيق العسكري العام: على المستوى العام أشرف عليه الثنائي وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال إيهود باراك ـ ووزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا.
• التنسيق العسكري الخاص: على المستوى الخاص أشرف عليه الثنائي رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتز ـ رئيس الأركان المشتركة الأمريكي الجنرال مارتن دمبسي.
هذا، وأشارت التقارير إلى أن اللافت للنظر تمثل في أن الإعلان لأول مرة عن هذه المناورات قد تم بواسطة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ـ العسكرية اليهودي الأمريكي آندرو شابيرو خلال حديث له في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للجناح الليكودي في جماعات اللوبي الإسرائيلي.
* قرار إلغاء المناورات العسكرية الأمريكية ـ الإسرائيلية: ما مدى المصداقية؟
انطوت التحليلات والتقارير وتعليقات الخبراء على المزيد من الخلافات وتباين الآراء، وحتى بين كبار خبراء اللوبي الإسرائيلي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• التفسير الأول: جاء على لسان باتريك كلاوسن خبير ومحلل الشؤون الإيرانية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي أشار صراحة إلى أنه واثق بأن الإسرائيليين قد طلبوا من أمريكا إلغاء هذه المناورات وتعليقها إلى وقت لاحق.
• التفسير الثاني: أوردته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، بناء على حصولها على تسريبات من المصادر الأمريكية الرفيعة المستوى في البنتاغون "وزارة الدفاع الأمريكية" أفادت لجهة أن تأجيل المناورات قد تم بناء على اتفاق أمريكي ـ إسرائيلي مشترك، لجهة الرغبة في تفادي أن تؤدي هذه المناورات إلى زيادة حدة التوترات الإقليمية والدولية الجارية حالياً بفعل أزمة الملف النووي الإيراني.
• التفسير الثالث: أوردته صحيفة إسرائيلها يوم الإسرائيلية بناء على حصولها على تسريبات، إضافة إلى إفادة المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي لجهة أن قرار التأجيل كان بسبب عدم الحصول على الموارد المالية الكافية لتغطية نفقات هذه المناورات، وذلك بسبب إجراءات التقشف الأمريكية الصارمة لجهة الحد من نفقات البنتاغون.
• التفسير الرابع: أورده موقع يونايتد جيروساليم الأمريكي المرتبط بجماعات اللوبي الإسرائيلي، والذي أشار إلى أن سبب التأجيل يرجع إلى تزايد الخلافات الأمريكية والإسرائيلية حول كيفية إنهاء فعاليات البرنامج النووي الإسرائيلي.
على خلفية هذه التفسيرات الأربعة، جاءت التحليلات السياسية أكثر شمولاً لجهة تغطية فعاليات المسارات الأمنية ـ العسكرية ـ الدبلوماسية، لتقول بأن الأسباب الأربعة هي مجرد تعليلات جزئية، والسبب الرئيسي الكلي هو الإدراك الأمريكي الذي فسر التصريحات الإيرانية القائلة بأن هذه المناورات تمثل خطراً حقيقياً ضد إيران، وأن إيران تحمّل إسرائيل مسؤولية اغتيال العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشان، وذلك بشكل انطوى على رغبة إيرانية واضحة لجهة القيام بالرد الردعي اللازم إزاء ذلك.
* جغرافية التوترات الشرق أوسطية: تأثير العامل السوري
تقول التحليلات والتفسيرات، بأن قرار إلغاء وتعليق المناورات العسكرية الأمريكية ـ الإسرائيلية المشتركة قد جاء وفقاً للآتي:
• على أساس الاعتبارات المعلنة، انطوى القرار على خلفيات تقول بأن الرغبة في خفض حدة التوترات الشرق أوسطية الجارية بفعل تزايد مخاطر المواجهة العسكرية الشاملة مع إيران.
• على أساس الاعتبارات غير المعلنة، انطوى القرار على خلفيات تقول بأن ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري هو العامل الأهم لجهة التأثير على عقد جولة المناورات العسكرية.
وتأسيساً على ذلك، نشير إلى النقاط الآتية:
• تقوم مذهبية المناورات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة على معالجة جانبين الأول يتعلق بكيفية الدفاع عن إسرائيل في مواجهة العدوان الصاروخي الخارجي، والثاني يتعلق بكيفية نقل الحرب إلى خارج إسرائيل.
• من المعروف أن الخط الصاروخي هو ليس من جانب إيران فقط، طالما أنه توجد قدرات صاروخية لدى خصوم إسرائيل الشرق أوسطيين وتحديداً سوريا وحزب الله اللبناني.
• من المعروف أن نقل الحرب إلى إيران هو أمر يصعب القيام به إلا بعد أن يتم نقل الحرب إلى سوريا ولبنان.
إذا، وبالضرورة فإن إدراك الإسرائيليين والأمريكيين المتزايد بأن قيام حلف الناتو أو أي تحالف عسكري دولي أجنبي بعدوان عسكري باسم التدخل الإنساني الدولي، سوف لن تكون إسرائيل بمنأى عن تداعياته، باعتبارها الطرف الرئيسي الأكثر تأهيلاً لجهة مواجهة مخاطر القصاص والانتقام.
الإعلان عن المناورات العسكرية الأمريكية ـ الإسرائيلية المشتركة، جاء وبشكل مفاجئ وعلى لسان اليهودي الأمريكي أندرو شابيرو، وتحديداً في منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 الماضي، وذلك ضمن فعاليات منتدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي ظل طوال الأشهر الماضية أكثر اهتماماً بالتسويق لمقاربات ضرورة استخدام التدخل العسكري المباشر من أجل هدف معلن هو تغيير النظام في سوريا.. وغير معلن وضع دمشق تحت الاحتلال العسكري الأمريكي.
التدقيق الفاحص في خلفيات جولة المناورات العسكرية الأمريكية ـ الإسرائيلية التي تم تأجيلها يشير بوضوح إلى تطابق النقاط الآتية:
• التصريحات الإسرائيلية القائلة بأن تل أبيب قد بدأت أكثر توقعاً لانهيار دمشق الذي أصبح ـ بحسب المزاعم الإسرائيلية ـ وشيكاً.
• التصريحات التركية القائلة بأن انهيار دمشق قد أصبح مسألة وقت ولن تتجاوز سوى بضعة أسابيع.
• التحركات الدبلوماسية التركية والأمريكية إضافة إلى تحركات أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون الأخيرة في لبنان.
• التوقيت الافتراضي المحدد لانتهاء بعثة مراقبين الجامعة العربية الذي أشار إلى تاريخ 20 كانون الثاني (يناير) 2012 باعتباره موعد تسليم تقرير البعثة.
• تزايد التصريحات الأمريكية والفرنسية وأيضاً السعودية والقطرية التي طالبت بضرورة سحب بعثة المراقبين العرب قبل انتهاء فعالياتها.
• التصريحات الخليجية والسعودية القائلة بأن كل ما تبقى لدمشق هو فترة ثلاثة أشهر بعد انتهاء تقرير الخبراء، وبالتالي طالما أن تقرير الخبراء سوف ينتهي في نهاية كانون الثاني (يناير) الحالي فإن الثلاثة أشهر سوف تنتهي بنهاية شهر نيسان (أبريل) القادم بما يتزامن افتراضاً مع مطلع شهر أيار (مايو) القادم المحدد كتاريخ أصلي لانطلاق فعاليات هذه المناورات.
جميع هذه النقاط وغيرها تشير بوضوح إلى أن تاريخ إجراء فعاليات هذه المناورات لم يكن تاريخاً عبثياً تم عن طريق الصدفة، وإنما تم اختياره بعناية بحيث يتزامن مع التصعيدات الجارية في سوريا، بحيث عندما تنعقد فعاليات المناورات تكون الساحة السورية قد دخلت نقطة الانقلاب الحرجة لجهة تزايد وتائر فوضى عمليات العنف السياسي.. وتكون دمشق قد أصبحت محاصرة من كل الجهات، على غرار سيناريو محاصرة المعارضة الليبية المسلحة للعاصمة طرابلس.. ولكن، وكما يقول المثل فقد جاءت الرياح بغير ما تشتهي السفن، وبكلمات أخرى إن تمديد فترة ولاية بعثة مراقبي الجامعة العربية سوف تؤدي بالضرورة إلى تغيير الجدول الافتراضي المحدد لمسار التصعيدات السورية الداخلية وفقاً للمنظور الأمريكي ـ الإسرائيلي وهو التأجيل الذي استلزم بالضرورة أن تتم عملية التأجيل بالمقابل للمناورات.
|