إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الذكرى المئوية الأولى لشهداء الحرب العالمية الأولى في دمشق وبيروت

نديم عبده

نسخة للطباعة 2016-05-03

إقرأ ايضاً


يصادف السادس من أيار/مايو هذا العام الذكرى المئوية الأولى لشهداء الحرب العالمية الأولى الذين تم قتلهم شنقاً في كل من دمشق وبيروت على أيدي السلطة التركية العثمانية – مع التذكير بأن شهداء آخرين قضوا في ظروف مماثلة في أيام أخرى، على أنه إصطُلح على إعتبار السادس من أيار/مايو عيد للشهداء بالنظر إلى أن 6 أيار/مايو 1916 هو اليوم الذي تم فيه إعدام العدد الأكبر من الشهداء شنقاً في اليديننيم المذكورتين.


والواقع أن الإحتفال بذكرى الشهداء لا يحظى بالإجماع، ذلك أن ثمة من يعتبر أن شهداء الحرب العالمية الأولى لم يكونوا وطنيين، أو حتى أن ثمة من لا يتورع عن إلصاق تهمة الخيانة العظمى بحقهم نظراً إلى "تآمرهم" ضد السلطة العثمانية. وأقل ما يمكن تأكيده بهذا الصدد أن في هذا الوصف ظلم كبير لأرواح الشهداء، ومخالفة عميقة للحقيقة, وقد سبق لنا وأن تناولنا في السنوات السابقة هذه الناحية، مع تبيان الوقائع التاريخية التي تؤكد بأن الشهداء كانوا بالفعل شهداء للوطن، بكل ما للعبارة من معانٍ, ولعل مجريات الأحداث في أيامنا الحاضرة تمثل أكبر برهان على ذلك.

وهنا لا بد من التذكير بالحقائق والوقائع الثابتة التالية:

- السلطة التركية العثمانية كانت سلطة ظالمة ومتعسفة تعمل على طمس جميع

مظاهر الهوية القومية في البلدان العربية التي كانت تحكمها، وبصورة خاصة سلطة "جمعية الإتحاد والترقي" التي كانت تحكم إبان الحرب العالمية الأولى.

- من هنا فإن محاربة هذه السلطة كانت بمثابة العمل القومي بإمتياز، وليس العكس.

- أما بشأن الإستعانة بقوى خارجية، فالمعروف أن جميع الثوار في جميع ثورات العالم يسعون إلى عقد تحالفات لتعزيز قوتهم.

- لم يكن وعد بلفور ولا معاهدة سايكس بيكو قد أبرم حين كان ينشط الثوار المتصلين بكل من فرنسا وبريطانيا قبل نشوب الحرب العالمية الأولى.

- بالمقابل، فإن نزوح اليهود إلى أرض فلسطين كان قد بدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر، وذلك بموافقة السلطات التركية – نقول بـ"موافقة" حتى لا نقول بتشجيع أو إيعاز من تلك السلطات، وهو أمر محتمل بالنظر إلى أن العديد من أركان جمعية الإتحاد والترقي الحاكمة كانوا مقربين من الأوساط اليهودية.

- بكلام أوضح، فإن تنفيذ "وعد بلفور" بدأ قبل الإعلان عنه، وإنما على أيدي الأتراك وليس الإنكليز...

- شهداء الحرب العالمية الأولى كانوا ينتمون إلى جميع – أو إلى غالبية – شرائح المجتمع في كل من لبنان والشام وفلسطين، على أنه لم يكن هناك أي يهودي من بينهم، مع العلم بأن اليهود كانوا كثراً في كل من بيروت ودمشق إبان تلك الفترة، وهذا الأمر يؤكد موالاة اليهود للسلطة التركية، وعزوفهم عن المشاركة في الحركات القومية الموجودة في البلدان العربية الخاضعة للسلطة التركية.

- لم ينحاز اليهود لجانب القوى الحليفة ضد تركيا إلا بعد صدور وعد بلفور، على أن إنحياز اليهود تركز ضد ألمانيا وليس ضد تركيا في حينها، حيث عمد يهود ألمانيا إلى إثارة القلاقل، الأمر الذي أعاق كثيراً المجهود الحربي الألماني، وكان من العوامل الرئيسية لهزيمة ألمانيا وحليفاتها. كما أن يهود الولايات المتحدة عملوا على إدخال أميركا الحرب إلى جانب بريطانيا وفرنسا، وكان هذا أيضاً من العوامل المرجحة وراء هزيمة ألمانيا والنمسا المجر وتركيا العثمانية في الحرب الأولى. هذا الإنقلاب في الموقف اليهودي أتى مقابل منح وعد بلفور من قبل بريطانيا.... (خيانة بهود لألمانيا على هذا النحو هي السبب الرئيسي لعداوة الألمان لكل ما هو يهودي بعد الحرب العالمية الأولى، وقد تجسد ذلك في عقيدة الحزب القومي الإشتراكي الألماني المعروف إصطلاحاً بالحزب "النازي" وعداوته لليهودية العالمية.)

هذا، وتحلّ الذكرى اتمئوية لشهداء الحرب العالمية الأولى في ظل ظروف إقليمية مشابهة جداً لما كانت عليه في الحرب العالمية لجهة سعي تركيا إلى معاودة ممارسة السياسات العثمانية، وفي ظل سعي قوى عديدة، وفي مقدمتها القوى اليهودية، على الإمعان في تفتيت البلدان العربية، وفي مقدمتها كل من سوريا والعراق، وإنما ليس فقط سوريا والعراق، كما يتبين من الأوضاع والتطورات السائدة في كل من ليبيا والسودان على سبيل المثال لا الحصر...


هناك حكمة مأثورة للمفكر الأميركي من أصل إسباني جورج سانتايانا George Santayana تقول بأن "قدر أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي أن يكرروه" "Those who cannot remember the past are condemned to repeat it . والأمل أن يعود من بيده الحل والربط والقرار من الحكام والنافذين في بلادنا إلى قراءة التاريخ، وتحديداً تاريخ الحرب العالمية الأولى وقصة إستشهاد بعض من تصدى للإستعمار التركي لكي يتبدل قدرنا وتستقيم مسيرة أوضاعنا أخيراً...


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024