إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الشاعر الرفيق فؤاد شريدي: سنعود الى ساحات فلسطين

داليدا المولى

نسخة للطباعة 2010-07-09

إقرأ ايضاً


حنين يرحل دائماً صوب فلسطين يؤرخ ذكرى التهجير


من قسوة التهجير والحنين الدائم الى الوطن تفجرت فيه شاعريته لتنساب براعم من كلمات وصور على درب الحياة.. هو العامل دون كلل لخدمة رسالته الحضارية، حاملاً ما لديه الى أصقاع العالم ليترك رسالة وطن تعب من كثرة الآلام، وفي خيالاته نوارسه تطارد الريح لتروي حكاية وطن جريح بفلسطينه وعلى آلام شعب أعطى وضحى وما بخل لينتصر.

الشاعر القومي الاجتماعي الرفيق فؤاد شريدي الذي يبدأ كلامه بذكر قريته المدمرة في فلسطين،وطنه الذي اجبر على الرحيل عنه صغيراً على يد عصابات الهاغانا اليهودية، وينهي كلامه بالتأكيد على التمسك بحقه الطبيعي في فلسطين، الحبيبة، والأم والتاريخ والارتباط الذي لن تفكه همجية الاحتلال مهما فعلت وتطاولت. ولا ينكر الشاعر بأن الطريق طويل وشاق حتى تنتصر القضية انما هذا الانتصار يحتاج للكثير من العمل في كافة الميادين لتعزيز الرابط بين الفلسطينيين اينما حلوا ووطنهم.

يذكر بغصة معاناته وبناته عند رؤية ما يحدث في فلسطين وكيف ان أحفاده باتوا معنيين بالقضية الفلسطينية مثله تماماً حتى وان كانوا في استراليا او بيروت او الشام او اي مكان في العالم.

ولا يخفي دموعه حين يستذكر تجربة التهجير، ويروي عن مشاهداته في الطريق من فلسطين الى طرابلس في لبنان وضياعه عن اهله حيث بقي لأسابيع في العراء وهو في الثامنة من العمر، تحيا معه المأساة بتفاصيلها وتود لو تفعل شيئاً لمن هم خلف جدران الحصار في فلسطين وخارجها. لا يأبه لوصف الفلسطينيين المهجرين "بالشتات" انما يعتبر حين يكون في لبنان بأنه في وطنه، فهو سوري قومي اجتماعي، وكل حبة تراب من ارض سورية هي القدس التي حمّل وصيتها لأولاده حتى يكملوا مشوار العودة اليها.


وحين تسأله عن تجربة التهجير يبادرك بأن الحديث عنها هو اكبر من أن يختزل بأسطر أو صفحة أو عدة صفحات في صحيفة أو كتاب .. تجربة التهجير وجعٌ ما زال يملأ فضاء ذاكرتي منذ ما يزيد على ستين سنة.

ويرنو الى السنين التي يحصيها بصبر. ستون عاماً وهو يعيش حاملاً وطنه الذي اقتلعوه منه ... وحاملاً نزيف الغربة ووجع الاقتلاع .. كزورق بلا سارية أو شراع يمشي حاملاً أحزانه، طريداً شريداً من لجوء الى لجوء .. ومن اغتراب الى اغتراب.. ومن منفى الى منفى .. وبلغة الشعر التي يحب يشرح كيف تتقاذفه أمواج عاتية لا ترحم طفولته .. ولا ترحم إنسانيته .. ويشير الى نفسه بالقول: لا أحمل هوية أو جواز سفر كل ما أحمله مجرد وثيقة تقول انني لاجئ فلسطيني .. انا لاجئ من وطن محتل ومصادر .. ومن احتل أرضي .. يحاول مصادرة وجهي وهويتي وانسانيتي. لقد كان لزاماً عليَّ أن امشي وحيداً ... وأنا اجر صليب النكبة. نكبة امتي وشعبي الفلسطيني على طريق مفروش بالجمر والشوك .. امشي وأمشي ولكن يراودني شعور ان جيلاً فلسطينياً سيولد من رماد جسدي الذي احترق بجمر العذاب والقهر والوجع .. ومن جراحي التي نزفت وما زالت تنزف حتى هذه اللحظة ليحرر فلسطين وينتصر.


لا يفارق الحديث عن تجربة التهجير حديثه وكلما غصنا أكثر في التفاصيل اتضح هول ما عاناه مثله مثل آلاف الأطفال، الشباب والنساء والرجال. وما ان تذكر قريته "الصفصاف في فلسطين المحتلة حتى تحضر الدمعة في عينيه. تذكره بلدته بطفولته واهله وبيته ومدرسته قرب شجر الزيتون ويصارحك بأن قلبه ينكأ جراحاً قديمة حين تحضر الصفصاف، ويوقظ فيه ذكرياتي الاليمة، من صور قريته يوم دخلتها عصابات الاحتلال اليهودي واحرقت الارض والبشر والحجر وحولت بيوتها الى ركام تغطيه دماء الشهداء الابرياء من اهل القرية.

وأنتِ تسأليني عن تجربة التهجير يراودني شعور لم يبارح ذاكرتي منذ عام 1948. وأشعر أن ذكرى المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني في قريتي تحاصرني كما يحاصر الوحش الكاسر عصفوراً صغيراً، قصة نزوحي من ارض وطني فلسطين قصة تفوق فظاعتها كل ما يمكن ان يتصوره إنسان.

لقد ظن "الاسرائيليون" الصهاينة بل توهموا ان فلسطين ستموت وتندثر مع موت الجيل الذي عايش النكبة الفلسطينية عام 1948. ولكن وهمهم تبدد ورهانهم سقط وتبين لهم ان الجيل الفلسطيني الذي ولد في المنفى لهو أشد تعلقاً بأرض فلسطين وأن الذين أمتشقوا السلاح والاطفال الذين يواجهون الاحتلال باجسادهم العارية والحجر هو الجيل الذي ولد في مخيمات الشتات.

هو وإن نسي لن ينسى مشاهد اللحظات الاخيرة قبل النزوح من قريته الذي يصفه باليوم الاسود الذي وشّح حياته. مشهد الشباب الذين جمعتهم العصابات اليهودية وقتلتهم رمياً بالرصاص امام امهاتهم. كيف كانوا يتساقطون وهم يتخبطون بدمائهم كالطيور المذبوحة. ومشهد الام التي سقطت جريحة والى جانبها طفلتها التي كان عمرها عدة شهور وكيف سحقتها دبابة صهيونية هي وابنتها ولم تأبه ألة الموت لصراخ الام وطفلتها وتحول جسد الام والطفلة الى بركة من الدم. أما قصته وعائلته فهي من بين مئات القصص الفلسطينية التي تدرك فيك الوجدان فقد فر افراد عائلته من المجزرة باعجوبة. وفجأةً وجد نفسه يركض مع مجموعة من الفارين بغير الاتجاه الذي سلكته عائلته. ووجد نفسه وهو في الثامنة من العمر وحيداً وتائهاً. وادرك انه فقد امه وابيه واخوته واخواته. ويستذكر كيف غمرت الدموع وجهه. فرأته امرأة على هذه الحال. أشفقت عليَّه وأمسكت بيديه فشعرت بحنان الام التي فقدها وتمسك باطراف ثيابها حتى لبنان.

يرجح الرفيق فؤاد ان رحلة الفرارا استغرقت ثلاثة أيام مشياً على الاقدام في الجبال والاودية والتلال الوعرة.

وبعد هذه الاحداث المريعة يكمل: وجدت نفسي مع تلك المرأة ومئات النازحين في قرية جنوب لبنان. وفي زحمة الحشود من النازحين رأيت نفسي وحيداً من جديد. والمرأة التي رافقتني لم تكن الى جانبي. وغمرت الدموع وجهي الطفولي من جديد. لقد اوشكت على السقوط والانهيار.

ثلاثة ايام بلياليها مرت عليّ بدون طعام أو قطرة ماء. وجدت نفسي مع الكلاب الضالة ابحث في اكوام القمامة عن بقايا فضلات من الطعام اسكت بها جوعي. أما امي المسكينة فلم يكن لديها اي امل انني على قيد الحياة . لقد ظنت اسرتي انني سقطت مع الذين سقطوا في المجزرة التي ارتكبها اليهود في قريتي الصفصاف. لقد قتلت العصابات اليهودية ما يزيد على مئة وخمسين شهيداً من سكان القرية.

لا يتسع المجال هنا لأروي لكِ تفاصيل معاناتي قبل ان يعثر عليّ والدي بالصدفة اعيش مع القطط التي كانت مثلي تبحث عن شئ تسكت به جوعها. حقاً ان الجوع لكافر. حملني والدي واخذني الى امي وضمتني الى صدرها وعانقتني عناقاً دفئه لم يبارح قلبي حتى هذه اللحظة. رحم الله امي التي كانت تحلم بالعودة الى فلسطين. وماتت في المنفى قبل ان يتحقق حلمها.

ويكمل عن رحلته الطويلة بعد الشتات من الصفصاف الى رميش ثم الى بنت جبيل. ومن هناك جمعونا في مدينة صور واخذونا الى ميناء طرابلس شمال لبنان وبقينا اسابيع نفترش الارض ونلتحف السماء مما اضطرنا ان نكسر اقفال المستودعات القربية من محطة القطار. وحشرنا كل عشر عائلات في مستودع. وبعد مرور ما يقارب السنتين وزعت وكالة الغوث الانروا التابعة للامم المتحدة اللاجئين الفلسطينيين على مخيمي نهر البارد والبداوي. وانتقلت عائلتي الى مخيم البداوي.

بعد ثلاث سنوات من النكبة ونزوحي من فلسطين التحقت بالمدرسة التابعة للأمم المتحدة في ميناء طرابلس. وكنت اصل الليل بالنهار لأعوض ما فاتني من سنوات التعليم واكملت تعليمي الثانوي، وبدأت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي اكتب في جريدة الحرية التي كان يرأسها الشهيد غسان كنفاني وانشر بعض المقالات. وقد رافقت ولادة حركة القوميين العرب بقيادة الراحل الدكتور جورج حبش.

ومن التهجير الى الاغتراب رحلة طويلة وشاقة كانت امام الرفيق فؤاد ففي عام 1971 هاجر الى استراليا وبدأ يكتب بعض المقالات والقصائد في الصحف التي تصدر باللغة العربية ومنها: التلغراف وفيها كنت اكتب زاوية بعنوان " مشاعل فلسطينية " وصحيفة صوت المغترب.

في عام 1978 أصبح رئيساً للنادي الفلسطيني في استراليا وشارك في العديد من المظاهرات والحركات الحقوقية خائضاً العديد من المعارك الاعلامية مع الصهاينة في استراليا كما كان له حضوره في عدة مناظرات في وسائل الاعلام والتلفزيون الاسترالي ساهمت في تأسيس حركة اصدقاء فلسطين والانتصار على الصهاينة في جميع المعارك الاعلامية وقد استضافه تلفزيون SBS " اس بي اس " التابع للحكومة الاسترالية حيث روى قصة نزوحه من قريته الصفصاف في الجليل ونجاته من المجزرة وقد اجشت المذيعة بالبكاء عندما سمعت القصة حتى انها صرخت "كفى" لكل ما يقوم به الاحتلال.

بعدها عرف الرفيق فؤاد انتماء جديداً يتعدى حدود الكيان وعندما كان رئيساً للنادي الفلسطيني تعرف الحزب السوري القومي الاجتماعي في استراليا. وبعد أن اطلع على عقيدته وآمن بالقضية القومية الاجتماعية عقد اجتماعاً للهيئة الادارية للنادي الفلسطيني وقال لهم نهاية الاجتماع: اني اقدم استقالتي من رئاسة النادي ومن منكم يريد استرجاع فلسطين فليرافقني لقد قررت ان اخرج من الدائرة الكيانية الضيقة الى ساحة الامة الساحة القومية الشاملة. قررت الانتماء الى حزب عظيم، وثيقة الانتماء اليه تقول اذكرو فلسطين.

في 16 تشرين الثاني عام 1979 وقف منتصب القامة رافعاً ساعده زاوية قائمة ليقسم يمين الانتماء الى حزب الامة الحزب السوري القومي الاجتماعي.

وتابع بعد انتمائه للحزب الكتابة في الصفحة الاخيرة من جريدة النهضة التي اصدرتها المعتمدية في استراليا زاوية بعنوان " الساعة الصفر " واستمرت هذه الزاوية على مدى اربع سنوات حتى توقفت الجريدة عن الصدور.

اما عن كتابة الشعر فيؤكد الرفيق فؤاد بأنه سيكتب ما دام الدم يجري في عروقه وما دام قلبه مستمراً بالخفقان. سيظل يكتب حتى يصل النورس الذي في داخله الى شواطئ حيفا وكل فلسطين.

• تولى الرفيق فؤاد عدة مسؤليات حزبية مذيع، مفوض، مدير، ناظر اذاعة لعدة سنوات وعلى اثر وحدة الحزب عين منفذاً عاماً لمنفذية سدني وحالياً هو عضو في المندوبية السياسية في استراليا ويتولى مسؤولية الاعلام في المندوبية.

• صدر للشاعر الرفيق فؤاد شريدي الديوان الشعري الاول عام 2005 وعنوانه " كوني لي وطناً ". وأقيم حفل توقيع هذا الديوان في الصالون الادبي للرفيقة فضيلة فتّال وحالياً سيصدر له ديوان جديد بعنوان "النورس يعود الى حيفا".


• سجلت الحديث مع الرفيق الشاعر فؤاد شريدي،

ناموس عمدة شؤون عبر الحدود الرفيقة داليدا المولى.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024