إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الـرفـيـــق جـبــران الأطـــرش الشــــــهيـد الذي لم يستشهد

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2015-04-10

إقرأ ايضاً


وقد تحدثنا عن المهرجان الذي أقيم في مخيم ضبيه وأنشدت فيه الرفيقة أدال نصر نشيد "موطني يا توأم التاريخ"(1)، إلا أن نتذكر بتقدير كبير، إبن المخيم الرفيق جبران الأطرش، القومي الإجتماعي الذي يصحُ أن نطلق عليه لقب "الشهيد" لمواقفه الحزبية الصلبة، ولكل ما تعرّض له من صنوف التعذيب عند إعتقاله مشاركاً في الثورة الإنقلابية.

كذلك لا بد لي أن أذكر الرفيق موسى جريس(ابو جورج) الذي كان له نشاطه المعروف ومسؤولياته في إتحاد عمال فلسطين، ثم إضطرته ظروف الحرب اللبنانية للمغادرة الى النروج.

كنت إستلمت من الرفيق جريس معلومات جيدة عن الحزب في كل من بلدة ضبيه، والمخيم، وهذه تؤسس لكتابة نبذة تضيء على الحضور القومي الاجتماعي فيهما.

*

يُحكى الكثير عن الرفيق جبران الأطرش منذ ان اعتقل لمشاركته في الثورة الانقلابية، عن مواقفه الجريئة، وتحمّله للكثير من التعذيب. الرفقاء الذين كانوا معه في الأسر تحدثوا. والرفقاء الذين عرفوه في السنوات التي قطن فيها الى جوار منزل الأمين الدكتور عبدالله سعاده في منطقة قريطم(2). يملكون الكثير من النوادر عنه، فقد كان ظريفاً، الى جرأة، والى إيمان مطلق بالحزب.

إلا أن ما رواه الأمين عبدالله سعاده في مذكراته "أوراق قومية"، على قلّته، يكفي عنواناً لمسيرة رفيق بطل، عانى الكثير وبقي شامخاً كالسنديان، جذوره في تربة الحزب تضاهي بعمقها جذور ارز بلادنا.

في الصفحات 144-147 يتحدث الأمين سعاده عن صنوف التعذيب الذي تعرّض لها الرفقاء الأسرى(3) ويورد نماذج عن هؤلاء الرفقاء، منهم الرفيق جبران الأطرش إذ يفيد أنه "استمر ضربه وتعذيبه يومياً، أكثر من سنة، وكان مرشحاً للتصريف كغيره".

وعن تجسيد الرفيق جبران لقسمه الحزبي يروي الأمين عبدالله سعاده في الصفحة 155 من "أوراق قومية" ما يلي:

" اتهم الرفيق جبران الأطرش بقتل الرقيب شمعون عند دخول القوميين الاجتماعيين الى بيوت الضباط لأسرهم. أثناء المحاكمة الأولى أصرّ الرفيق جبران الأطرش على أنه لم يقتل الرقيب شمعون. وكان الصدق في كلامه يعلو أكثر من نبرة صوته. والرفيق الأطرش، تعرّض اكثر من الرفقاء دون استثناء للضرب المستمر مرة او أكثر في كل يوم، وذلك لسببين: اولاً، لأنه متهم بقتل الرقيب شمعون، وثانياً، لأنه فلسطيني. وقد روى لي ان احد الجنود حاول قتله أثناء اعتقاله، ولكن الرصاصات لم تنطلق لخلل في المسدس. أما انا فقد شاهدت بعيني الاعتداءات المتكررة عليه كلما توجه الى المراحيض او الحمامات.

" بعد المحاكمة الأولى استدعيته الى غرفة المحامين وقلت له: يا رفيقي، لقد أكدتَ في المحكمة بأنك لم تقتل الرقيب شمعون، وأنت كنت احد افراد مجموعة الدخول الى بيوت الضباط. هل تعرف من الذي قتل شمعون؟ فأجاب: " نعم اعرفه". قلت له: ولكن الاتهام موجه إليك وحدك وسيصدر حكم بالاعدام عليك بهذه التهمة إذا كنت ستستمر في كتمان معلوماتك. فهل تسمي لي من هو القاتل؟ قال: " كلا، فأنا لا أخون رفيقي ولا أكشف سره". قلت: ولكنني المسؤول الحزبي الأول ورئيسك السابق، ومن موقع المسؤولية اطلب إليك ان تخبرني. فتجهّم وجهه وسكت طويلاً ثم قال: " فلان". فسألته: ولماذا تتقبل حكم الاعدام بدلاً منه؟ فقال:

" لأن زوجتي نشيطة، وإذا متُ فهي قادرة على تأمين العيش اللائق لبناتي الثلاث. اما هو فله ثلاث بنات مثلي، ولكن زوجته غير مؤهلة لتأمين العيش اللائق لهن ومن الأفضل في هذه الحال أن أقبل الموت بدلاً عنه".

*

بدءاً من الصفحة 164 يشرح الأمين عبدالله سعاده كيف تمّ إقناع الرفيق جبران للمثول امام المحكمة، بعد أن كان الرفقاء الأسرى قرروا مقاطعة جلساتها. ولكن الرفيق الأطرش اعترض قائلاً: "شو انا خاين؟" فأقنعناه بأنه يقوم بواجب وتضحية، لا يجوز ان يتهرب منها... فوافق.

وهكذا تابع الرفيق الأطرش جلسات المحكمة التي انتهت فصولها في أواخر ايلول سنة 1963. والقى الاستاذ يوسف السودا دفاعه عن الرفيق جبران الأطرش (الحاضر) ورفاقه، وبدأت المذاكرة السرية لهيئة المحكمة، بينما اهالي القوميين الاجتماعيين المتهمين وعدد من الرفقاء المتابعين يتجمهرون كل يوم حول مبنى الاونيسكو وثكنة الأمير بشير لسماع الحكم الخطير المرتقب(4).

" وأخيراً صدر حكم المحكمة في 15 تشرين الثاني 1963 بالأكثرية ويقضي بإعدامات عديدة منها ثمانية أحكام وجاهية بحق العسكريين الثلاثة ورئيس الحزب عبدالله سعاده، ورئيس المجلس الأعلى محمد البعلبكي وعميد الدفاع بشير عبيد، والرفيقين جبران الأطرش ومحسن نزهة.

تُليت الأحكام على المحامين والأهالي لأننا كنا لا نزال مضربين عن الحضور الى قاعة المحكمة وكنا قد كلفنا الرفيق جبران الأطرش بتمثيلنا في هذه الجلسة. ولكن ما إن انتهى لفظ الأحكام على جميع المتهمين، حتى أخذ رئيس المحكمة قرار الحكم بيده وتلا مخالفته القانونية المعللة لهذه الأحكام. ذلك ان القانون الجزائي اللبناني يطالب القاضي رئيس المحكمة، إذا خالف الأحكام، أن يدوّن مخالفته في قرار الحكم ويذيّلها بتوقيعه، فكان لهذه المخالفة صدى كبير في الرأي العام القضائي والشعبي اللبناني، وفي المحافل الدولية المعنية بحقوق الانسان. أما الرفيق جبران الأطرش، فقد توجه اليه كاتب المحكمة وتلا عليه حكم الإعدام الصادر بحقه، فكان رده: "على ...". فأجابه الكاتب: " ولاه انت مجنون، اقول لك انك حُكمت بالاعدام، فترد بوقاحة هكذا؟ " فقال له: " أو ليس أشرف لي أن اموت في سبيل قضية شعبي وبلادي، من أن أموت غداً صعلوكاً مثلك على فراش المرض؟ ". فقال الكاتب: " مجنون، مجنون" .... وغادره، وجيء بالرفيق جبران الاطرش مخفوراً الى مهجعنا. وعندما دخل سألته: بشّر يا جبران، فقال لي: " إعدام، وبالجملة". فقلت له: كم واحداً، قال: " لا أدري. ولكنك في رأس القائمة". فقلت له: ماذا تأمر الآن؟ أجاب: " جوعان بدي آكل". وجلس يأكل بشهية مميزة والضباط والحرس يراقبونه ويراقبوننا بتعجب.

*

المعلومات ادناه كانت دُوّنت من الرفيق جبران الاطرش منذ سنوات.

بطاقة شخصية

• الاسم الكامل: جبران ابراهيم الاطرش

• مواليد عام 1927، البصّة – قضاء عكّا.

• اسم الام: هلّون الياس السمّور (من منطقة صور)

• الاشقاء: جريس، خليل، مخايل

• الابناء: راغدة، اليسار، مرتى، حبشة.

• تاريخ مغادرة فلسطين: عام 1949 على اثر القتال مع اليهود. غادر القرية معظم سكّانها، ما عدا العجزة.

• مرحلة التعرف على الحزب: قبل الخروج من فلسطين لم يكن للرفيق جبران اي علاقة بالحزب، كل ما كان يعرفه ان هناك جمعية في قريته "البصّة" تضم حوالي 40 شخصاً وعلى رأسها جميل الليّوس. كل ما سمعه عن هذه الجمعية انه كان ينسب إليها قربها من الحركة النازية ..

بعد خروجه من فلسطين توجه الرفيق جبران وأهله الى "المية و مية" ثم الى الشام للتطوع في القتال ضد اليهود، متوجهاً الى منطقة بنت جبيل، وتحديداً الى بلدة "عين أبل" حيث التحق بجيش الإنقاذ (كشرطي عسكري) تحت أمرة فوزي القاوقجي.

استقرّ حوالي سنتين في المنطقة حيث استأجر منزلاً. في هذه المرحلة كان يسمع اخباراً جيدة ومرويات حسنة عن القوميين، فبدأ يبحث عنهم الى ان وصل الى من دلّه على القوميين في "دبل"، وتحديداً الرفيق جميل النداف فأصبح ينتقل كل ليلة من "عين إبل" الى "دبل" ويتابع لمدة 3 اشهر الحلقات الاذاعية التي كان بعضها يتمّ في الحقول والكروم. كان يتابع معه تلك الحلقات ما يقارب الخمسة عشر شخصاً، ثلاثة منهم من بلدة "عيتا الشعب".

بعدها اقسم اليمين في مديرية "دبل" على يد مديرها الرفيق جميل النداف.

• عام 1951 انتقل واخوه مخايل الى مخيم الضبية حيث التقى بجميل الليّوس، المذكور آنفاً، حينها اكتشف انه قومي و ان الجمعية التي كان يرأسها في البصّة لها علاقة بالحزب. دعي الى اداء القسم في المخيم مرّة ثانية، كونه لم يكن لديه ما يثبت انتماءه في "دبل"، فتمّ ذلك على يد الرفيق جريس حنّا الحاصباني الذي كان مديراً. من معلومات الرفيق جبران انه كان في المخيم مديريتان، ومن الرفقاء الذين يذكرهم في تلك المرحلة: يوسف الحداد واميل خوري.

• في العام 1956 شارك في عمليات نقل السلاح من ضهور الشوير الى الضبيه فبيروت (الشياح) ثم الى فلسطين، وفي احدى المرات وقد أحبطت عملية نقل السلاح، أعيد السلاح الذي بقي في المخيم الى منزل الامين بشير عبيد في بيت شباب.

• عام 1958 شارك في القتال في شملان.

*

مشاركته في الانقلاب

كان ضمن زمرتين او ثلاثة، على ما يذكر، تحت امرة الامين عمر ابو زلام. اما المهمة فكانت اعتقال الضابطين عبد القادر شهاب وتوفيق جلبوط في مساكن الضباط في شارع محمد الحوت، ونقلهما الى ديك المحدي. جرى اطلاق النار، مما ادى الى مقتل رقيب وعسكري في الجيش. الامين ديب كردية تسلّم الضابطين المذكورين ونقلهما الى ديك المحدي. اليها انتقل الرفيق جبران، واذ تأكد من فشل الانقلاب توجه الى مخيم ضبيه. في اليوم التالي، اعتقل، انما أخلي سبيله بعد 18 يوماً. ثم أعيد إعتقاله في شهر شباط. تعرّض للضرب في المخفر ثم نُقل الى وزارة الدفاع. اما سبب اعتقاله في المرة الثانية ان احد القوميين المعتقلين كشف للمحققين ان الرفيق جبران هو الذي اطلق الرصاص على الرقيب فيما اُتهم الامين محسن نزهة بقتل العسكري، فلم ينكر هذه التهمة مع انه يعرف من الذي اطلق النار، كذلك فعل الرفيق جبران الذي واظب على الاجابة بـ"ما بعرف" خلال التحقيقات، رغم كل ما تعرّض له من تعذيب.

*

احكام الاعدام

اصدرت محكمة التمييز العسكرية حكم الاعدام بكل من:

1. الامين عبد الله سعاده (رئيس الحزب)

2. الامين محمد بعلبكي (رئيس المجلس الاعلى)

3. الرفيق بشير عبيد عميد الدفاع (الامين لاحقاً)

4. الرفيق محسن نزهة (الامين لاحقاً)

5. الرفيق جبران الاطرش

6. النقيب الرفيق فؤاد عوض (الامين لاحقاً)

7. النقيب الرفيق شوقي خيرالله (الامين لاحقاً)

8. الملازم الرفيق علي الحاج حسن (الشهيد لاحقاً)

*

الاغـبـيــــاء

اللوحة اعلاه طُبعت واُلصقت على الجدران في العاصمة والمناطق، ونشرتها وسائل الاعلام، المباعَة لطغمة اقترفت كل البشاعات.

ظنّوا ان الناس سينقلبون على الحزب، وان القوميين الاجتماعيين سيجبنون ويتراجعون عن ايمانهم.

لان لا احد صدق ان تلك الاقوال هي لسعاده.

لان القوميين الاجتماعيين واجهوا باخلاق الرجال، كل الاكاذيب والافتراءات والتعذيب والملاحقات والتنكيل.

لانهم نشطوا اكثر، تحركوا اكثر، انتمى الى صفوف النهضة المئات في الجامعات والمعاهد والثانويات ونما الحزب في كل المناطق.

فلقد فشل الاغبياء، وانتصرت النهضة .

وهي دائما ستنتصر.

*

هوامش:

(1) للاطلاع على النبذة، الدخول الى ارشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(2) من الأمناء والرفقاء الذين أذكر أنهم اقاموا في تلك المنطقة، الأمناء عبدالله محسن، صلاح دبا، جميل عساف. والرفقاء نعمة حماده، سمير حبايب، سليم عازوري، وفوزي غنطوس.

(3) يقول الامين عبدالله سعاده: " ذات يوم أطلعوني الى بناية الثكنة الكبرى التي يقطن في مهاجعها الثمانية عشرة ثلاثة الآف معتقل واصعدوني الى الطابق الرابع حتى وصلت الى مهجع كبير وجدت في وسطه الرفيق خليل دياب كتلة من لحم عاجزة عن التحرك، واقتادوني الى المهجع المجاور وبدأت عملية الجلد والتعذيب حتى تساويتُ برفيقي خليل دياب، وهذه الحالة استمرت مدة شهرين ونصف كاملين "

• الرفيق اسد الأشقر: اعتقل بعد ان اصيب بكسر في ذراعه وفخذه. وقد اجريت له عملية تجبير وكانت حرارته مرتفعة جداً وتصل أحياناً الى الاربعين، ورغم هذا فقد استمر التحقيق معه ليلاً نهاراً دون إعطائه اي مجال للراحة وهو في هذه الحالة المَرضية الصعبة. ثم ان الجلادين اكتشفوا ان بإمكانهم ممارسة الجلد على الساق الثانية السليمة وهكذا كان فجُلد على ذراعه وساقه السليمتين.

• الرفيق فؤاد يونس: لقد عذب هذا الرفيق تعذيباً بربرياً حتى مات فأرسل الى براد الكرنتينا لتحفظ جثته ولكن بينما كان الممرض يدخله درج البراد تحرّك فؤاد يونس فإنتبه اليه الممرض واسترجعه من البراد فبعث حياً وعاد الى الثكنة ومثل امام محكمة التمييز.

• الرفيق الفقيد علي الحاج حسن: استمر ضربه ثلاثة اشهر يومياً مرة الى مرتين على الأقل وهو العليل المريض وقد توفي هذا الرفيق متأثراً بمرضه قبل صدور العفو عنه.

• الرفيق عبد الرسول ابو خليل: فقد بصره في السجن ولم يعالج إلا بعد انقضاء ست سنوات على اعتقاله يحيث لم يعد ينفع العلاج.

• الرفيق ديب كردية: كان يُجلد وهو جريح وعار من الثياب، وكان هذا الرفيق مرشحاً للتصريف مع الرفيقين مسلط ابو فخر وعادل ابو فخر ، لولا تدخل ابناء منطقته من الرتباء.

(4) كنتُ من بين الذين كانوا ينضمون الى عائلات الرفقاء الأسرى، مع رفقاء نشطوا في تلك الفترة الصعبة. قطعة الأرض التي كنا نتجمع فيها تقع في مواجهة الباب الرئيسي لقصر الأونسكو، ولم تعد قائمة حالياً.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024