إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

رحيل الفنان العملاق الرفيق أنطوان كرباج

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2025-03-22

إقرأ ايضاً


ذات يوم وفيما كنت ازور شقيقي جورج في مستشفى مار جرجس (الاشرفية)، اقترب مني موظف الاستقبال ليخبرني ان الممثل القدير أنطوان كرباج أدخل منذ أيام الى المأوى. جميع الموظفين يعلمون هويتي الحزبية واني شقيق الكاتب والصحافي جورج ناصيف.

لم تمضِ ساعات قليلة التقيتُ الممثل القدير أنطوان كرباج يتمشى في الحديقة، فوراً هرعت إليه وتمسكت بذراعيه هاتفاً: الشهيد عساف كرم.. فهمهم: أي... أي..

بعد قليل، تابعت: وشحادة رزق الله(1)؟ لمعت عيناه وشعّت وهمهم: أي.. أي...

تذكرت هذا اللقاء الأخير معه، عندما علمتُ خبر رحيله، واستعدت في ذاكرتي الرفيق الشهيد الصدر عساف كرم(2) .

اذ ننقل ابرز ما كتب عنه، نتقدم من الرفيق أسامة المهتار وعائلته ومحبيه بأحر التعازي،

والبقاء للأمة.

*

وداعًا ابن خالتي أنطوان، كبيرنا وحبيبنا.

بقلم الرفيق أسامة المهتار

من الصعب أن تفصل بين ذاتك كرئيس تحرير، وبين مشاعرك الخاصة تجاه قريب لك، أحببته وأعجبت به طوال حياتك.

أنطوان كرباج، الممثل القدير على المسرح وفي التلفزيون، هو أيضًا ابن خالتي، وأول حفيد لجدنا بو عساف إسبر كرم وزوجته هيلين أوكستد.

ومع أن وفاته كانت أمرًا منتظرًا، نظرًا لعمره ووضعه الصحي، فإن غيابه لا يخفف من ألم الرحيل.

أول ذكرياتي عن أنطوان، ولعلني كنت في السابعة من عمري، كانت في التدريبات الصوتية، التي كان يقوم بها في بيتهم الصيفي في زبّوغا، مسقط رأسه، ومسقط رأس بو عساف، وأولاده الستة، عسّاف وسلمى وإيراساما (أم أنطون) وسيريا (والدتي) ونهرا وبشارة. الثلاثة الكبار، عساف وسلمى وإيراساما ولدوا في البرازيل، حيث اغترب جدي، وهناك تزوج من هيلين السويدية الأصل، وأتوا جميعا إلى لبنان سنة 1914. أمّا الثلاثة الصغار فولدوا في لبنان، وقد سمّى جدي والدتي "سيريا"، مواليد 1915، تيمنًا ببلاده سورية، والتي كان جبل لبنان جزءًا منها.

نعود إلى أنطوان والتدريبات الصوتية. كان ينام على ظهره، ويطلب من الموجودين وضع المساند الثقيلة المصنوعة من القش على صدره، ويبدأ بقراءة كتاب هنيبعل لجورج مصروعة بأعلى صوته، بحيث كان أبناء "الضيعة" في القاطع الآخر، يسمعونه وهو في "العرابة".

أما سبب التدريبات فكان التحاقه بفرقة "المسرح الحديث" ومديرها المبدع منير أبو دبس الذي كثيرًا ما كان يزور أنطوان في زبوغا. كان يتدرب لوقت طويل، ولعل الصوت الجهوري الذي امتلكه يعود إلى تلك التدريبات. ومنذ البدايات، كان أنطوان يحب الاتقان في عمله وهذا ما أوصله إلى النجاح الكبير الذي بلغه.

كان أنطوان متين الجسم قوي العضل، وقد حافظ على ذلك حتى النهاية. كان الشباب يلهون برفع المحادل والأجران الحجرية والمِخْلُ المعدني. لم يكن هناك من يقدر على شيل "القَيمَة"، المحدلة البيضاء الكبيرة، التي كان أنطوان ينترها ويرفعها فوق رأسه. مع قوته العضلية، وصوته الجهوري، وبالرغم من الشخصيات القاسية أو الإجرامية التي لعبها على المسرح، كان أنطوان من أكثر الأشخاص تواضعًا، وأحنّهم علينا، نحن الصغار من أبناء خالاته وأخواله. هذه الصفات رافقته طيلة حياته.

من الذكريات الأخرى، والتي لا شك أنها ساهمت في تكوين شخصيته المتواضعة، ليالي المعصرة و"شيل الكشك" وتحويش الزعتر، ثم تنشيفه ودقه و"سطح" التين، وصنع المربيات في الهواء الطلق، التي كنا نتشارك بها كبارًا وصغارًا إما في بيت جدي، أو في بيت أم أنطون وزوجها الطيب الحنون، شكري كرباج.

فقد كان لبيت خالتي معصرة عنب، وكنا نذهب في شهر أيلول “لدعس” العنب الذي نقطفه من كرم “ضهر الشيارة” تمهيدًا لصناعته دبسًا. بعض ما تسرب إلى نصوص مسرحياته، مثل اسم "حفيظة" و"بو ميزان" و"دير شمرا"، هي من إرث تلك الأيام. بعض مشاهد مسرحياته مقتبس من حكايات سمعناها من جدنا المغامر بو عسّاف.

لا أذكر فرقته المسرحية التي ألّفها من أقربائه وأصدقائه في زبوغا والتي تحدث عنها في أكثر من لقاء، ولعلها كانت قبل ولادتي. ولكني أذكر كم كان يحب رقص الفالس، و"الباسادوبلي" الأسبانية، وكيف كان يراقص أخته الوحيدة وأخواتي حين كنا نزورهم في بيتهم المتواضع في عين الرمّانة.

لن أتكلم عن قيمته الفنية، فهذا ما سيكتب عنه كثيرون. أريد لهذه الكلمات القليلة ان تلقي الضوء على تلك النواحي الحميمة من حياته.

انتمى أنطوان إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الخمسينات من القرن الماضي، ولكن عمله الحزبي النظامي، على ما أعرف، توقف مع الانقلاب الفاشل سنة 1961. حين اندلعت الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975، لم يترك أنطوان منزله في الأشرفية. ويبدو أنه تعرض لبعض الانتقادات من مسرحيين انتقلوا مما كان يعرف بالمنطقة الشرقية إلى الغربية. زرته في الأشرفية سنة 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي، فأتى على ذكر تلك الانتقادات قائلا: "لماذا يطلبون مني مغادرة بيتي؟ أنا لا أتدخل في شؤون غيري، ولكني لن أغادر"

في مسرحية أبو علي الأسمراني، والتي كانت من أكثر المسرحيات نجاحًا في تاريخ لبنان، كان أنطوان بحاجة إلى كومبارس. اتصل بي أخوه الصغير عسّاف، الذي شاركه في أكثر من عمل، قبل أن يتوفى وهو في عزّ الشباب، وسألني إذا كنت أرغب بالمشاركة في المسرحية، وإذا كان بإمكاني جمع بعض الأشخاص من منطقة رأس بيروت ليلعبوا دور المتظاهرين.

وافقت على الفور واتصلت ببعض الأصدقاء، وأصبحنا فرقة الصخب على المسرح. ولكن ليست هنا العبرة. العبرة هي في أن تكون على المسرح في ثمانية حفلات أسبوعيًا ولمدة ستة أشهر مع كبار مسرحيي ذلك الزمن، مع أنطوان ونضال الأشقر وفيليب عقيقي، وسليمان الباشا، وسامي مقصود، وليلى كرم، ورفعت طربيه، والمخرج الكبير بيرج فازليان، وسواهم الكثير ممن لم أعد أذكر أسماءهم. ذكريات تلك الأيام، والدروس التي تعلمتها من كل واحد وواحدة منهم، لا تنسى. طبعًا، كان أنطوان عماد المسرحية، فهو منتجها والأب الروحي للفرقة. كان أول من يحضر من الممثلين، وآخر من يغادر، وكان التواضع سمته.

فيض الذكريات هذا، يعود بي إلى أيام بسيطة، قبل ان تدخل الكهرباء ومياه الشفة قريتنا الوادعة زبّوغا. كنا نضيء بالسراج والقنديل قبل أن يدخل "اللوكس" إلى القرية. كانت السهرات جميلة تغمرها المحبة. أيام مضت ولن تعود. أيام لم يبق منها سوى ذكرى أحبة نفتقدهم، أحبة سبقونا إلى ذلك المجهول.

*

الامينة نضال الأشقر للميادين نت: إنسان المبادئ والقيم

"سيّدة المسرح" الفنانة الممثلة والمخرجة الامينة نضال الأشقر حوله فتقول للميادين:

"أنطوان كرباج كان على رأس الحالة الذهبية للمسرح اللبناني، في الستينيات والسبعينيات حتى مرضه، وما يميّزه أنه مثابر ومستمر في فنه، وهذا ما يميّزه عن الرعيل الذي عاش معه".

"أنطوان صديق وعزيز ورفيق، وصحيح أن عملي معه كان من خلال مسرحيتين ومسلسل فقط، لكننا كنا مواكبين ومتابعين دوماً لما ننجزه، وهو أمسى من أهم ممثلي المسرح بعد مسرحياته مع منير أبو دبس في البداية ثم يعقوب الشدراوي وعصام محفوظ".

قدمّ أعمالاً مسرحية سياسية مهمة جداً انطبعت بأذهان الناس، وترك بصماته في التلفزيون، لكنّه بالنسبة لي إنسان ذو قيم، ومبادئ وإخلاص، وهذا أمر مهم بالنسبة لي، وكان هو وزوجته لور غريّب التي ساهمت في نجاحه، أصدقاء حتى وفاتها ومرضه"

قدمّ أعمالاً مسرحية سياسية مهمة جداً انطبعت بأذهان الناس، ورغم تألّقه في جميع أدواره من النواحي كافة، لكنه اشتهر بصداقته المتميّزة للأصدقاء، التي تبقى للعمر كلّه،

وبحشرجة وغصة تقول "صحيح أنه كان يعاني في الفترة الأخيرة من مرض النسيان، وهذا أمر رهيب يصيب الفنان، لكننا لن ننساه أبداً، والمجتمع اللبناني والعربي لن ينسوا هذه الشخصة المتميّزة".

أهم ما تذكره الامينة نضال هو دورها معه في مسرحية "أبو علي الأسمراني" عام 1973، والتي عرضت لمدة 3 أشهر وشكّل ذلك سابقة حينها، كما شاركت معه في المسلسل الأخير لي "رماد وملح"، ولم نكن نلتقي فيه، وأذكر أن أنطوان كان يقول للكاتب جوزيف حرب "هل يعقل أن لا ألتقي مع نضال في المسلسل نفسه ونحن أبطاله".

*

الشاعر والإعلامي عبد الغني طليس:

"أن يموت الفنان أنطوان كرباج، فهي المرة الثالثة التي يتم فيها الإعلان عن ذلك. لكنه هذه المرّة مات بعدما يئس مُمَوّتوه في السابق من الأمر، وبعدما نسيَ اللبنانيون أن هناك شخصاً اسمه أنطوان كرباج لا يزال حيّاً في دار العجَزة، وينتظر موته الذي تأخّر.

منذ حوالى عشر سنوات وربما أكثر فقَد كرباج ذاكرته. فقَد أوراقه الثبوتية المألوفة وانتمى إلى الطبيعة والناس كل الناس. وحين تَركَ البيت إلى دار العجزة لم يكن "يعرف" لا البيت ولا تلك الدار. ذهبَ من مكان بلا اسم إلى دار بلا اسم في عالَم محبِط بلا اسم وبين أشخاص بلا أسماء.

الآن عاد إليه اسمه. اسمه الكبير: أنطوان كرباج وعدنا لنتذكّره واحداً من صنّاع نهضة التمثيل المسرحي في لبنان. وسنكتب طويلاً عنه نسيجَ نفسه وتجربته وخبراته العميقة الذاهبة عمودياً في الزمن الجميل. وكان صوته ميزتَه.

كان صوته يضارع أصوات فيروز ونصري شمس الدين والفرقة الرحبانية، في الفخامة والليونة والقسوة والتعبير الدرامي وخفيف الظلّ معاً حين تدعو الحاجة. كأنّ صوت فيروز الذي يُرى في حالاته الأدائية الغامرة بالعين المجردة لشدة حضوره، كان يلزمه في أداء أدوار العنف والظلم صوت أنطوان كرباج لتبلغ القصص والشخصيات على الخشبة أعلى مراتبها.

راح أنطوان. بَلَى راح. لو لم يُعلَن خبرُه وبقي في الذاكرة حيّاً ميتاً أليس أفضل من أن يكون ميتاً.. وخلصت الحكاية ؟

*

نعي نقيب الفنانيين نعمة بدوي

انطوان كرباج في ذمة الله ،غادرنا عظيم من بلادنا .بدأ حياته ملكاً وبقى كذلك طيلة مسيرته الفنية. هامة مسرحية و درامية أغنت المكتبة الابداعية بالعديد من الأعمال العظيمة خاصة على المسرح الجاد و الاستعراضي مع العمالقة الأخوين الرحباني و الايقونة اللبنانية السيدة فيروز . سيبقى خالداً

هوامش:

(1): شحادة رزق الله: من قدامى رفقائنا في زبوغا. انتقل خلال الحرب اللبنانية القذرة الى ديك المحدي، فتولى مسؤولية مدير مديريتها،

ودائما كنت التقي به عندما أتوجه الى ديك المحدي. ابنه الرفيق قيصر رزق الله، من الرفقاء الذين نشطوا في الجامعة

الأميركية في فترة تولي الرفيق يوسف زعرور رئاسة الرابطة اللبنانية. للاطلاع على النبذة الدخول الى موقع شبكة

المعلومات السورية القومية الاجتماعية ssnp.info

(2) عساف كرم: للاطلاع على ما عممنا عنه الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025