إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كيف تأمن السلاح للثورة القومية الاجتماعية وكيف تأمنت اقامة المئات من الرفقاء في العاصمة دمشق

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2017-01-05

إقرأ ايضاً


السؤالان أعلاه يطرحهما القوميون الاجتماعيون برغبة أن يتعرفوا كيف واجه حزبهم المظالم التي أوقعها الثنائي الخوري- الصلح في جعل سعاده يعلن ثورته في 4 تموز 1949.

في مذكراته "55 عاماً على خطى سعاده" يروي الأمين بشير موصلي في الصفحتين 249-250 ما يلي:

" يُطلع المحايري (الامين عصام) الزعيم على استعدادات القوميين ونقرأ ما كتبه لي بخط يده حول هذا الموضوع:

" أطلعتُ الزعيم على وضعنا في المنفذية وعلى استعداداتنا وخطتنا للقيام بعمل في لبنان (إحتلال قلعة راشيا ورفع علم الزوبعة لمدة أربع وعشرين ساعة وقيامنا بحملة تبرعات لشراء الأسلحة)... تمكنا خلال عشرة أيام من جمع خمسين ألف ليرة سورية (وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الزمن يمكن المرء من شراء 12 شقة سكنية على الأقل أو ما لا يقل عن خمسين سيارة) خصوصاً وأن القوميين كلهم من الموظفين وصغار الكسبة. وما من ريب أن إندفاع الرفقاء وعطاءاتهم مما يستحق الفخار. بعضهم باع "مصاغ" عائلته وتبرع بقيمتها. بعض رفقائنا كانوا يعملون في "كيّ الثياب" في "سوق الخجا" على مكاو كبيرة بالأرجل كان يتم تحميتها على وابور الكاز، هؤلاء باعوا مكاويهم وقدموا ثمنها تبرعاً. الرفيق الدكتور راتب حراكي(3)، وكان تخرج منذ عام أو عامين من الجامعة وعمل طبيباً في الأرياف الفقيرة، جاءنا ومعه ثماني ليرات ذهبية هي حصيلة عمله وأصرّ على تقديمها متمنياً أن يشترك في العملية العسكرية. وقد إحتاج الأمر أن يستدعيه الزعيم ويبلغه عدم الحاجة اليه وهو الطبيب لإقناعه بعدم المشاركة لعدم إلمامه باستعمال السلاح". (الدكتور حراكي من معرة النعمان. إنتميتُ للحزب بواسطته، شارك في العمليات الحربية مع زيد الأطرش كطبيب، وكذلك شارك غيره بالتبرع بالمال- المؤلف).

" ويتابع المحايري ذكرياته فيروي لنا كيف " أن الرفيق راتب حراكي كلّف مع رفيق آخر بشراء الأسلحة عن طريق ميشال الديك في درعا، وأديب الصلاح الأردني الضابط العامل على الحدود الأردنية في الجمارك (كلاهما سيشارك بقتل رياض الصلح في عمان بعد سنتين)، ليقوم الاثنان بالشراء من عمان حيث كان بيع الأسلحة مباحاً. وتم نقل السلاح بالشاحنة الى الحدود حيث تم توقيف الشاحنة. وبعد المراجعات مع دمشق أبلغتنا الشرطة العسكرية انها ستحتفظ بالسلاح لنا كأمانة ويمكن لنا استلامه في يوم تنفيذ العملية. وهكذا كان، ونقل السلاح معنا الى الحدود قرب دير العشائر في سيارة للشرطة العسكرية، وهناك تسلمه رفقاؤنا ".(انتهى حديث المحايري).

نتابع نقل ما جاء في مذكرات الامين بشير موصلي:

" لم يكن السلاح المشترى من الأردن وحده السلاح المتوافر لدى القوميين بعد حادث "الجميزة"، فقد تبرع عدد من الرفقاء في "سورية" بما لديهم من سلاح عادي وتسلمته أنا شخصياً بتكليف من عساف كرم وأودعته في عدد من بيوت أعضاء الحزب. ويوم التوجه الى لبنان في الباصات لبدء العمليات إصطحبناه معنا ".

*

أما كيف تأمنت اقامة الرفقاء الوافدين من المدن والمناطق الشامية فهذا ما يوضحه الأمين بشير موصلي في مذكراته المشار اليها آنفاً.

يقول في الصفحة 262، بعد أن يروي كيف أصدر محسن البرازي أوامره باعتقال أعضاء هيئة منفذية اللاذقية(1) وفرض الاقامة الجبرية عليهم في دمشق ووضعهم تحت المراقبة(2) ما يلي:

"... وفي غمرة هذه الأحداث وتداخلها يستمر الحزب بتدبير شؤونه لمواجهة التدابير اللبنانية، واستقبال المقاتلين بهدوء وبالتتابع، وتنظيم اقامتهم وتوزيعهم على بيوت أعضاء الحزب غير المعروفين.

ويروي الأمين بشير في الصفحات 287-288-289 كيف تحرك ازاء هذا الأمر فيقول:

"الشوفور" تحسين، سائق يعمل أمام فندق "أوريان بالاس" في دمشق بسيارته التاكسي الشامية عند ساحة محطة الحجاز. وهو مواطن عادي مؤدب مهذب كتوم قدّمه لي وعرّفني عليه مدير الفندق نجيب الشويري وهو عضو في الحزب ـــــ ونذكر أن الزعيم يقيم في بيت نجيب الشويري ببناء "كسم وقباني" ـــــ وبناء عليه اتفقتُ مع تحسين على دفع مبلغ مقطوع يومياً ليبقى تحت تصرفي طوال أربع وعشرين ساعة في اليوم ابتداء من الأيام العشرة التي سبقت إعلان الثورة وبدء العمليات العسكرية.

" كنا بحاجة الى سيارة للتنقل بين الأحياء وتفقد البيوت التي بدأت تستقبل بعض الرفقاء المقاتلين. وكان بيت الرفقاء هواويني(4) واحداً من البيوت التي استوعبت أكبر عدد من الرفقاء المسلحين. ولم يكن لدى أي من أعضاء الحزب في دمشق سيارة خاصة سوى رياض سكر، وهي لوالده، وجورج غناجة وصبحي فرحات، وسيارة زكي نظام الدين تحت تصرف الزعيم وهو من القامشلي، وسيارة إدمون كركور(5) في حماه.

" بدأ المقاتلون يصلون دمشق أفراداً أو في مجموعات صغيرة حسب الوضع، وأنا أتولى استقبالهم بدءاً من آواخر شهر حزيران، وتوزعوا على بيوت أعضاء الحزب حسب إمكانية استيعاب كل بيت. ولا بد هنا من تسجيل العطاء والبذل والسخاء والتضحيات من الجميع ضيوفاً ومضيفين. ففيما بعض البيوت استوعبت ما فوق طاقتها، تحمل "الضيوف" ايضاً ضيق الأمكنة والنوم على الفرش الضيقة في أشد أيام الصيف حرارة. وبعض آخر أرسل زوجته وأولاده عند أهله أو أهلها للحصول على مساحات أوسع. وكان المشكل أن معظم أعضاء الحزب، شباب، لم يتزوجوا بعد في تلك السن المبكرة ولم يكن عمر الحزب تجاوز السبعة عشر يوماً، فمعظمهم يقيم عند أهله وفي ذلك صعوبة لاستضافة ضيوف. ويومها تحوّل منزلنا في "المهاجرين" الى فندق لكثرة ما استوعب بمن فيهم الصدر عساف كرم.

" الطعام كان في معظم الحالات يؤمن ذاتياً ومن دون تعويض احياناً لرفض صاحب البيت التعويض. وفي أحيان كثيرة كنتُ أرغم صاحب المنزل على قبول التعويض لتأكدي أنه سيستدين ليؤمن الطعام للمقاتلين. وفي أحيان أخرى كنت ازوّد الجميع بطعام جاهز من "الصفائح" أو السندويش المحشو بالكورن بيف.

" "جميع المقاتلين" كانوا مسجلين في دفتر حضّرته خصيصاً يتضمن الاسم والعمر والمهنة والمسؤولية والوحدة الحزبية والسلاح الذي يتقن استعماله والبيت المقيم فيه بدمشق، حتى يتأمن جمعهم لحظة الانطلاق بهم نحو المعركة. أمضيت تلك الأيام شبه مقيم في تاكسي تحسين، أنتقل من بيت الى بيت أتفقد المقاتلين، وألبي حاجاتهم المعيشية والصحية والنفسانية. وأعود الى البيت قبيل الفجر لأجد عساف كرم قد وصل قبلي بقليل او بعدي بقليل.

" أذكر أنني كلما زرت المقاتلين ليلاً ينظرون اليّ جميعهم نظرة واحدة تنطق أعينهم بمعنى واحد وسؤال واحد في وقت واحد، تتساءل من دون كلام: "هل صدر الأمر بالتوجه نحو ساحة المعركة؟" أجيبهم بالأسلوب ذاته، ابتسامة ترفع حاجبي الى الأعلى أن "لا" لم يصدر الأمر بعد. وأمضي بينهم فترة من الوقت نتداول بعض الأمور، أو نتسامر الى أن أشعر بلكزة ساعة يدي تنبهني الى أن الوقت حان للزيارة التالية.

" في الصباح الباكر أراجع مع الصدر عساف كرم كل ما قمت به من جولات من خلال تقرير عن روحية المقاتلين وحماسهم، وأتلقى توجيهاته. ثم أبقى منتظراً حتى يلتقي الزعيم ويتلقى توجيهاته، ويبلغني إن كان فيها شيء يخص مهمتي قبل أن أنطلق في جولتي اليومية.

هوامش

(1) من الذين اعتقلوا وفرضت الاقامة الجبرية بحقهم في فندق "الجامعة العربية" وهو فندق عادي وشعبي في منطقة السنجقدار: الأمين فؤاد الشواف والرفيقين عبد القادر اسرب وسهيل الياس. الصفحتان 249-250 من مذكرات الأمين بشير موصلي.

(2) في الوقت ذاته وضعت الأمينة الأولى وبناتها الثلاث (صفية، اليسار وراغدة) في الاقامة الجبرية في فندق "بردى" في دمشق.

(3) راتب حراكي: مراجعة ما كتبت بشأنه في قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(4) منهم الرفيق يوسف هواويني الذي أشرنا اليه أكثر من مرة وهو أقام فترة طويلة في سويسرا وكان من مسؤولي الحزب، والرفيق الياس هواويني الذي أمضى ما يفوق 40 عاماً مقعداً وقد كتبت عنه من أشهر قليلة. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

(5) ادمون كركور: من حماه. غادر الى جزيرة "ترينداد" ثم الى مدينة "تورنتو" في كندا الى ان وافته المنية. مراجعة النبذة المعممة عنه على الموقع الذكور انفاً.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024