ف"> SSNP.INFO: من مآثرنا نقلاً عن كتاب – مذكرات الرفيق البطل حسين الشيخ
 
 إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

من مآثرنا نقلاً عن كتاب – مذكرات الرفيق البطل حسين الشيخ

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2017-05-04

إقرأ ايضاً


في كتابه "ثلاث رصاصات هزت لبنان" يعرض الرفيق حسين الشيخ كيف امكنه التواري بعد تنفيذ حكم الاعدام بالمجرم القاضي يوسف شربل، فالوصول الى دمشق.

في شرحه، مآثر عن اداء الرفقاء وتعاطيهم القومي الاجتماعي مع رفيقهم الذي نفّذ مهمة الاقتصاص من القاضي السفيه. اذ ان الرفيق حسين يؤكد انه كان ينفذ قراراً حزبياً، فهو سأل مدير مديريته الرفيق محيي الدين كريدية اذا كان ما كلّفه به صادر عن قرار حزبي. نعم، هو قرار حزبي. وعندما سأله للمرة الثالثة (ص44). يا محيي الدين هل التنفيذ هو بأمر حزبي ؟

صرخ به: اي.. اي.. اي...

I كيف تصرّف بعد تنفيذ الحكم

" كنتُ متّفقاً مع محيي الدين كريدية بأن أذهب الى محل الحلاقة لصاحبه الرفيق زكريّا حنينة(1) للتخفي، في منطقة المصيطبة، قرب "سجن النساء"(2) وكانت كلمة السرّ، هي ان اقول للأخير: "هذا أنا" فوصلتُ، وقلتُ ما أشاره عليّ محيي الدين، فقال حنينة: "مش معقول"!! ولكنّه بادر فوراً الى إقفال محلّه، ثم ذهبنا معاً الى منزل صهره قرب "سجن الرمل" وقد ظهرت على وجهه علامات الفرح والبهجة والاعتزاز، ثم بدأ يعرّف بعض اصدقائه المقرّبين علي، خصوصاً بعد أن تناولت الصحف اليومية المحلية، الحادثة بالتفاصيل، فظهرت صوري المختلفة على صدر صفحاتها الاولى في اليوم التالي للحادثة.

" لكن بعد ان بدأت التحريّات تنشط بقوة وكذلك عمليات التفتيش عنّي، بالإضافة الى المكافآت المالية التي عُرضت على كل من يفشي بمعلومات عن وجودي، تهيّب الامر صهر الرفيق حنينة، حيث أخذني الى احد المحال القريبة، المخصصة لبيع الترابة، ثم أقفل عليّ الباب الجرار الكبير، وقد كانت الجرذان تمرّ فوق صدري ليلاً، أما إثناء النهار فكنت اعود الى منزله. لم تطل هذه المسألة أكثر من ثلاثة ايام. إذ انتقلتُ بعدها الى منزل الرفيق سليم جمال الدين(3)، في نواحي المزرعة، وبعدها الى منطقة الاشرفية، وقد حملتُ هناك اسم "جوزيف"، في منزل الرفيق الحاج نقولا قباني(4). ومن هناك، وبعد مضيّ حوالي الاسبوعين، وفي الاول من آذار عام 1954 ذهبتُ الى بيت مري. الى منزل احد رفقائنا الذي يدعى أنيس النجار، وهو معروف جداً في المنطقة، فالتقيت هناك بمحيي الدين كريدية الذي طلب مني تسليمه المسدس الذي نفّذت بواسطته المهمة. سلّمته المسدس، على اعتبار أنني قمت بالمهمة الحزبية الموكلة إليّ بكل دقة وأمانة.

" بعد بضعة أيام أتى الرفيق أنيس وقال: "ما تطلطل على الشبابيك، لأن البيت مراقب".

" ومن دون استشارة أحد، بمن فيهم أصحاب البيت، جمعت حقيبتي ولبستُ معطف الرفيق أنيس، لان الطقس كان بارداً، ثم نزلت الى الشارع العام في بيت مري، وعلى الطريق هناك قال الذي في الدكان المقابل بصوت مسموع: "هذا هو... هذا هو"، لم ألتفت ولم اعرهم أي اهتمام ولم تظهر منّي أية حركة مرتبكة، ثم أشرتُ لبعض السيارات لعل إحداها تقلّني الى بيروت، من دون طائل، وأخيراً توقّف كميون شحن وفيه سائق مع معاونه، قال: "إطلع".

قلتُ: "كم تريد". قال: "ما تريده". صعدتُ الى جانبهما، ومع نزولنا باتجاه بيروت بدآ ينشدان نشيد الحزب: "سوريا لك السلام"... لم أتفوّه بكلمة ولم اخبرهما بأية معلومة، وحين وصولنا الى قرب المتحف في بيروت، ترجلت من الشاحنة، ثم أقلّتني سيارة من المتحف الى رأس بيروت وهناك بدأت أبحث عن مخبأ. ذهبتُ الى منزل الامين أديب قدورة، فلم أجده، ثم ذهبتُ بعدها الى منزل شقيقه لبيب فلم أجده هو الآخر أيضاً، وكانت الساعة قاربت التاسعة ليلاً، لم ألحظ خلالها وجود حواجز أمنية او ما شابه ذلك، سألتُ عن منفذ عام الطلبة أسعد المقدم(5)، فقيل لي انه سافر الى مصر، بعدها تنبهت الى ضرورة الذهاب الى منزل احد المقرّبين من الحزب ويدعى محمود ابو كامل(6) في منطقة جان دارك، حيثُ تعرّفتُ في منزله الى الامين كامل ابو كامل الذي كان يحل في بيته متخفيّاً بعد ملاحقات عام 1951.

" وقبل دخولي، استرقتُ النظر من أحد منافذ الباب، فلاحظتُ وجود قبعة عسكرية، تراجعت سريعاً... وهنا تذكرت احد الرفقاء القدامى نسيب ذهبية(7) الذي كان يسكن في منطقة المنارة. لم يكن احد يعرف أنني على معرفة سابقة به.

" وصلتُ الى منزله. طرقتُ الباب، ففتحت الباب شقيقته إيفون(8)، سألتها عن شقيقها فقالت سيحضر بعد قليل. تعرّفت إليّ فوراً، وقالت لي: "إدخل يا حسين، لا يوجد أحد في منزلنا. فقط أمي وأبي، وهما لن يسربا خبر وجودك معنا... ادخل".

" جلسنا معاً في الصالون، بانتظار نسيب، ولكنّه تأخر حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، وصرخ فور رؤيته لي: "ياه،،، أما زلت هنا يا حسين... اعتقدتُ أنك اصبحت في الشام، انت هنا... أهلاً... أهلاً بك". بتُّ ليلتي عنده، وكان أهل البيت قد عرفوا بحادث الاغتيال. اذكر ان أمه لم تنم يومها، إذ كنتُ أراها تقف الى جانب الشبّاك ترقب حركة الناس والمارة في الشارع، خصوصاً وأن البيت موجود في الطابق الأرضي. وكانت تسألني مراراً بعد أن عرفتني، إن كان أحد يراقبني، او ان كان احد رآني ادخل المنزل، وكنت دائماً، أرد عليها بالنفي. بعد يومين كلّفت "الرفيق نسيب" بضرورة إعلام الامين جبران جريج بصفته منفذ عام بيروت، عن مكان وجودي. وكان الرفقاء في "بيت مري" أعلموا منفذية بيروت في تلك الاثناء أنني تركت منطقتهم، فقال الامين جبران، لنسيب، اتركه عندك الآن لنرى تطورات الامور". وقد لفتني ان اهل نسيب كانوا كتومين جداً، حتى انهم لم يُعلموا بعض المسؤولين القوميين الذين كانوا يترددون الى البيت، من بينهم، ميشال معلولي (النائب لاحقاً)، والامين إنعام رعد، وغيرهما، بوجودي إطلاقاً، وهذا ما جعلني أشعر عندهم بالارتياح.

" بعد عدة ايام، عرفت ان أحد أقاربهم سيقصد بيروت، وهو من بلدتهم بلودان، في الشام، والكلفة مرفوعة بينه وبينهم، فهو يتصرّف في المنزل كما لو كان في بيته. كما عرفت ان قريبهم سيبيت ليلة عندهم. فما العمل ؟! هنا ظهرت عظمة أهل "نسيب" الانسانية الرائعة التي لا يحملها في ذاته إلّا ابناء حزب سعاده، ورفقاء هذا الحزب العظيم، فما كان منهم إلا ان افردوا غرفة لإبنتهم وداد(9) (وهي متزوّجة) ثم وضعوا فراشي في غرفتها، بعدها اقفلوا علينا الباب بالمفتاح، طيلة تلك الليلة، حتى لا يتسنّى لقريبهم الدخول بعفوية او بقصد الى الغرفة، على اعتبار ان ابنتهم وداد نائمة فيها. إن هذا التصرّف لن أنساه ما حييت، هؤلاء أناس تشرّبوا العقيدة والايمان بهذا الحزب وبقيم شعبنا العظيم.

" كنت على اتفاق مع الرفيقين محيي الدين كريدية، ويوسف روحانا(10)، بضرورة تركي لبنان بعد شهر من تنفيذ العملية، حين تكون قد خفّت حركة المراقبة على الحدود بين لبنان والشام. وفي هذه الفترة، كان قد مضى على وجودي في لبنان، بعد تنفيذ العملية قرابة الشهر، لقد غمرني القوميون الاجتماعيون، بروح المحبة، والتقدير والاحترام، أطعموني من صحونهم، قضيتُ لياليّ مع اولادهم، اولاد الحياة، كما ألبسوني ثيابهم. كنت في بيتي القومي الكبير. وهذا هو إحساسي بالضبط، فهذه ليست كلمات إنسانية او ادبيات فارغة " .

 التخطيط للانتقال الى الشام

" بعد ذلك طلبتُ من الرفيق "نسيب"، إبلاغ المنفذ العام في بيروت الامين جبران جريج بضرورة ذهابي الى الشام.

وكان جواب الامين جبران: اذا اراد البقاء في لبنان فأهلاً به، واذا كان سيذهب الى الشام، فلن يكون هذا الامر على مسؤوليتنا، أما اذا كان هو يتحمّل مسؤوليته بنفسه، فليفعل ما يراه مناسباً.

" فهمت من الرد، ان الحزب لن يتحمل مسؤولية إلقاء القبض علّي. فقلتُ أنا مستعد لتحمّل المسؤولية، طلبتُ مقابلة ميشال معلولي، وسمير الريس(11)، وذوقان ابو كامل(12) في منزل نسيب ذهبية، وهناك اعلمتهم بأمر إصراري على الذهاب الى الشام. وافقوا جميعاً على الامر. واللافت ان نسيب ذهبية أعطاني تذكرة شقيقه اسعد، وقد حاول الذهاب معي، فرفضتُ، وقلتُ له: يكفي ما فعلته تجاهي مع أهلك، فلم يقتنع. قال أبقى معك وأذهب معك، مهما حصل.

" رسمنا خطّة الذهاب الى الشام. ثم قررنا ان نستقلّ سيارتين، الاولى تكشف الطريق، واذا ما اصطدمت بشيء او حصل أي مكروه أو حادث، نعرف نحن في الخلف فنتنحّى او نتصرّف بما تمليه الظروف. على أساس ان ميشال معلولي يعرف أحد الاشخاص وهو يعرف بدوره كل الطرق والمسالك البريّة المحيطة بزحلة، لا سيما الجبلية منها من زحلة الى حدود الشام، وهكذا انطلقنا من المنارة، حيث سلكنا الطريق البحرية في السيارة الاولى، نسيب ذهبية وميشال معلولي، وفي السيارة الثانية أسعد ذهبية ـــ (أنا) وذوقان ابو كامل، والسائق سمير الريّس.

" وصلنا الى زحلة ليلاً، تعرّفنا الى الدليل، (جورج القادري) الذي صعد في سيارتنا، ثم اتجهنا نحو رياق، فيما السيارة الاخرى اتجهت على الطريق العام نحو الشام. حصل حادث معنا في الطريق اذ سقطت سيارتنا فجأة في أحد الخنادق، فرفعناها، وقلت لسمير الريّس: إرجع الى بيروت، ونحن نستمر في السير على أقدامنا!!

" وبعد مناقشات اتسمت بالحماوة، قلت له: "هذا أمر حزبي، عد الى بيروت". وهكذا كان. بقيتُ بمعيّة الدليل والرفيق ذوقان. سار الدليل أمامنا، ثم مشينا نحن خلفه، وقد فوجئت بأنه لا يعرف الطريق إطلاقاً. بقينا ندور في مكاننا تقريباً حتى الفجر، وهنا أخذ الدليل يتعرّف الى المنطقة بتفاصيلها وتشعباتها. وعندها ايقنتُ أنّه فعلاً يعرف تفاصيل تلك المنطقة.

" انطلقنا في الجبال والتلال والمنحدرات، حسب تعليمات الدليل. كنا نتناول الثلج بين الحين والآخر، مما سبب لي إسهالاً قوياً ظهرت عوارضه في الشام بعد حوالي الشهرين ثم استمرّت لفترة طويلة تعدّت السنة. وقد تداويت بعدها بواسطة وصفة عربية قدمها لي الرفيق ميشال فضّول(13) عن طريق غلي الكلس، كون احد أقاربه مرّ بحالة مشابهة. وهكذا كان.

" ولما قال الدليل اننا دخلنا الاراضي الشاميّة، أحسست بموجة عارمة من الفرح الداخلي. وعندها نسيتُ تعبي والرحلة الشاقة التي طالما سمعتُ عواء الذئاب خلالها، وصراخ بنات آوى في تلك الليلة الرهيبة الباردة.

" فجأة شاهدنا بلدة بلودان وهي بلدة "نسيب". وصلنا الى منزل أهله هناك، حيث وجدنا الجميع بانتظارنا، والده، ونسيب، وميشال معلولي، دخلنا انا وذوقان والدليل الى المنزل. احتسينا الشاي الساخن، وكانت الساعة تقارب العاشرة صباحاً.

" بعد استراحة تعدّت النصف ساعة، أقلّنا معلولي بسيارته الى دمشق مع نسيب وذوقان، ثم ذهبنا لمقابلة الامين فارس معلولي(14)، الذي كان يعمل في مطعم بمطار المزّة. إتصل أحدهم ب"العم"، وهي التسمية التي يعرفها القوميون جميعاً (لرئيس الحزب الامين جورج عبد المسيح). فقال "العم": جيبوه... وكان الرئيس ينتظرنا في منزل عميد الداخلية الامين الياس جرجي قنيزح، طرقنا الباب، ففتح لنا "العم"، وفوراً وضع يده على عيني فغطاهما، ثم قال لي ممازحاً: لن تترك المكان حتى أرسل من يأخذك منه.

" تفاجأتُ حين دخلت المنزل إذ وجدت في إحدى الغرف الرفيق محيي الدين كريدية ممدداً على سرير وهو يرتدي البيجاما. يبدو انه سبقني الى هناك. وبعد السلام والكلام، حكى لي كريدية كيفيّة تسلله من الحدود الى الشام. في اليوم التالي، قمت بزيارة الامينة الاولى، وكانت هذه هي المرّة الثانية التي اراها فيها.

" بعد مرور بضعة أيام، قال لي عميد الداخلية: " عليك ان تخبر الرئيس عن تفاصيل الحادثة" وحين قابلته، قال بشيء من الثقة والصوت الجهوري: "نحنا منعرف.... نحنا منعرف..." والمُلفت ان الرئيس أحضر آلة كاتبة الى غرفتي، بعدما عرف أنني أطبع الرسائل والردود والتقارير. وهكذا بدأتُ أطبع التقارير وبعض الرسائل. ومع الايام كنت أحس أنني والرئيس في وحدة حال. وقد كانت عقيلة الامين الياس جرجي(15) هي التي تطهو لنا الطعام طيلة شهر كامل، وبعد هذه الفترة، بدأنا نتردد الى منزل الزعيم، وخصوصاً في وقت الغداء الذي كانت تعدّه الأمينة الاولى، وكان طعامها لذيذاً طيباً.

" بقيت على هذه الحال قرابة الاربعة اشهر، وكانت الامينة الاولى تعمل معنا بدون أدنى تذمر، كنا نجلس الى الطاولة سوياً، وكنت احسّها أماً للجميع، منشغلة بشؤون البيت، والمداولة مع العديد من مسؤولي الحزب في شؤون حزبية وداخليّة، كما كنتُ في بعض الاوقات أتعاون مع صفية وأليسار وراغدة في تدريسهن بعض المواد.

" خصص لي الرئيس غرفة الى جانب غرفته، لأقوم بمساعدة جهاز الرئيس في الشؤون الطباعية، وبعض المحاسبات المالية، وكان حسابي المالي شبه مفتوح ومع الرئيس مباشرة...

|||. الحصول على جواز سفر

" حملت قيادات الحزب هاجس تسفيري الى الخارج، بسبب الحادثة، ويبدو ان الرئيس طرح الموضوع مع الامين فاضل كنج(16) من "جبلة"، فقد قصدنا منزله بهدف البحث عن طريقة للحصول على جواز سفر، وكان الرئيس يحبه كثيراً، حيث تربطهما صداقة متينة، كنا ننزل في بيته بين الحين والآخر، في مهمات حزبية وغير حزبية، كما كانت لقاءاتنا يسودها الودّ والاحترام. بعد البحث معه في تفاصيل الامور حول الاجراءات العملية للحصول على جواز سفر، ذهبنا سويّة أنا والامين فاضل، الى مختار "جبلة"، وكان السفر ممنوعاً في الشام إلا للضرورات القصوى، فتظاهرت أنني مريض جداً، ومن الضروري أن أسافر الى فرنسا بعد أن عجز الطب محلّياً عن معالجتي.

" وهذا ما أدّعاه الامين كنج للمختار، وكان الاخير على معرفة بالأمين كنج، الذي أعطاني بطاقة شقيقه، المُقعد واسمه صقر.

" أخذت هويّتي على اعتبار أنني "صقر" لإجراء المعاملات القانونية لجواز سفر سوري، بإسم "صقر كنج". أجرينا المعاملة حسب الاصول بشهادة المختار، ونزلنا الى دمشق، اتصلتُ بفؤاد جديد شقيق غسان جديد، الذي رافقني الى مركز الامن العام، قدّمنا الاوراق ودفعنا الاموال اللازمة، ثم اعطوني موعداً لإنجاز المعاملات اللازمة لإصدار جواز سفر. في اليوم المحدد للحصول على الجواز، ذهبتُ ثانية برفقة "فؤاد" الى مركز الامن العام. وتحسباً لاي طارىء قال لي فؤاد، أني على استعداد لخلق إشكال معهم في الداخل، بينما تكون أنت مستعداً للهرب إذا تعذر إعطاءك الجواز.

دخلنا الى الامن العام، فوجدنا ان كل شيء طبيعي. تسلّمت جواز السفر، وهكذا صار اسمي "صقر كنج".

" الوضع النفسي والعمل الحزبي والعمل الدائم داخل المكتب، ومتابعة الامور الحزبية، والخوف من الوضع غير المستقرّ، كل ذلك جعلني أشعر بنوع من الارهاق، والتوتر النفسي. طلبتُ من حضرة الرئيس ان اذهب الى اللاذقية بهدف الاستجمام والراحة لمدة اسبوع، لم يمانع، ولكنه قال: "اتصل بعميد الثقافة الامين الدكتور سامي الخوري، الذي يعُدّ كتابه الاخير للطبع، وحين انتهائك من صفه يمكنك الذهاب الى اللاذقية ساعة تشاء". وهكذا بعد يومين، وكنت انهيتُ صف الكتاب، أبلغتُ الرئيس بذلك، فأجابني: "موافق، لكن لا تنطنط كثيراً"، ذهبتُ الى اللاذقية، الى منزل الامين فؤاد شوّاف، (إنه قديس الحزب هناك).

" بعد ظهر يوم الجمعة في 22 نيسان وفيما كنا نستمع الى وقائع مباراة في كرة القدم في دمشق بين فريقيّ الجيشين السوري والمصري، فجأة إنقطع البث المباشر واُذيع نبأ مقتل العقيد الركن عنان المالكي، فقلتُ فوراً للموجودين، ان المنفذين هما بديع مخلوف ويونس عبد الرحيم. وهكذا تبيّن فيما بعد ان هذا التخمين كان صحيحاً، اذ نشرت هذه الاخبار كل صحف دمشق ولبنان، وعلى اثر ذلك الحادث، بدأت حملة شاملة لملاحقة كل مسؤولي الحزب وأعضائه، كما تمّ حرق جريدة الحزب "البناء" في دمشق. وقد شملت الحملة الاراضي الشاملة كافة، حتى ان الجيش الشامي دخل منزل فؤاد شواف، لإعتقاله لأنه كان مسؤولاً في جريدة "البناء"، يومها.

" داهمت الشرطة المنزل بوجودي، حيث فتّش عناصره عن اوراق حزبيّة مهمة، وكان الرفيق المهندس قاسم(17)، شقيق الامين فؤاد، طمأننا في اتصال منه يومها معي، بأن المداهمات غايتها البحث عن الوثائق دون سواها، ولكن في النتيجة تمّ إلقاء القبض على "الامين فؤاد" في دمشق بصفته المسؤول المالي في جريدة "البناء"، وقد علمت بهذا الامر لاحقاً، حيث سُجن فترة تعدّت السنوات الخمس، كما أصيب بمرض عُضال في بطنه نتيجة الأسر، وهو يعاني الآن من تشجنات عصبيّة في رقبته بسبب ما تعرض له من تعذيب في السجن.

" في تلك الاثناء علم الامين جميل مخلوف(18) بوجودي في منزل فؤاد، فأرسل في طلبي لمقابلته في منطقة البستان(19) قرب جبلة.

" ذهبتُ لملاقاته، ولكن في ظلّ الاوضاع غير المستقرة والملاحقات الدائمة لأعضاء الحزب، كنّا ننام في بساتين المزروعات. كما لوحِق ايضاً أحد أقربائه في الجيش الرفيق بديع مخلوف، إذ قبضوا عليه، ثم تعاقبت الاحداث والمتاعب حتى ان سيول المطر جرفت المزروعات وحفرت خنادق رملّية كبيرة. ولن أنسى كيف تضافرت كل تلك السلبيات، من ملاحقات وسيول مع نبأ محاكمة الرفيق بديع، إذ تم تنفيذ حكم الاعدام به مع الرفيق عبد المنعم دبوسي، حتى ان مجرّد تهمة الإنتماء الى الحزب، كانت كافية لزج صاحبها في السجن، فما كان مني إلا ان ابلغت الامين مخلوف بضرورة المغادرة، فأنا لست مطلوباً كما قلتُ له، وأني غير معروف، لكن ورود اسمائكم في محاضر التحقيق، وعلى صفحات الجرائد، جعلكم "مشموسين"، وأنا هارب معكم، بدون تهمة، لذلك افضل الرجوع الى اللاذقية. قال: "هذا صحيح. إذهب حيث شئت"، وهكذا كان.

" وصلت الى منزل الامين شوّاف في اللاذقية، وعندها فكرّت بالحصول على الاموال تمهيداً للسفر، فقد شعرت بأهمية الحصول على "فيزا"، خصوصاً وان الحزب في لبنان أعلمني بضرورة السفر لان الوضع السيء في الشام سيجعلني عرضة للملاحقة والخطر الشديدين.

" لذلك أرسلتُ اطلب المال من قيادة الحزب في لبنان مع أكثر من شخص وبضرورة تأمينه لي، الى اللاذقية.

" لكن لم يعد احد من رسلي الى الحزب. عندها فكرّت بإرسال وداد(20) شقيقة الامين فؤاد شوّاف، التي قبلت المهمة. واحضرت الاموال في اليوم ذاته(21)، كان المبلغ كما اذكر الف ومئة ليرة سورية، وقد تمّ ذلك بواسطة وكيل عميد المالية في الحزب يومها الرفيق سعيد شهاب الدين(22). حضرت الرفيقة وداد ثم ألقت المال امامي، وقالت: "الان اصبح بإمكانك ان تسافر يا حسين!.. ".

" غير ان الحصول على "ورقة خروج" من الشام في ظلّ الوضع القائم كان محفوفاً بالمخاطر، ففكرتُ في الذهاب الى حلب للحصول عليها. كنتُ على معرفة من خلال تواجدي في مركز الحزب في دمشق، بأن غالبية الذين يعملون في عالم الكتب والمكتبات هم قوميون إجتماعيون. في احد شوارع حلب وقع نظري على إحدى المكتبات التي سألت صاحبها بلهجتي اللبنانية: "هل تعرف احد المنتمين الى الحزب السوري القومي الاجتماعي هنا في حلب". تأملني ملياً بشيء من الدهشة، وحين اطمأن الى لهجتي اللبنانية، قال: "نعم، هناك احدهم"، واشار بيده الى النزل المقابل ثم أضاف: "الياس صبري عبد المسيح(23)، انه ينزل في هذا الاوتيل، إسأل عنه عند مدخل النزل فهم يعرفونه حكماً ".

" دخلتُ وسألتُ عن الياس صبري. فأشاروا علي بضرورة انتظاره في الردهة قليلاً، وفعلاً حضر بعد قليل. عرّفته على نفسي بإسم: "صقر فاضل".

سألته: "هل أنت الرفيق الياس صبري. أومأ بالإيجاب. غير انه استمهلني قليلاً بحجة إحضار فنجان من القهوة، ثم همّ بمغادرة النزل، انتبهتُ الى انني موضع شك، ناديته وبادرت الى شرح قضيتي بشيء من التفصيل، ثم طلبتُ منه أن يحضر لي "تصريح خروج" من الشام. قال: " إفتكرتُك فعلاً من المكتب الثاني". حجز لي غرفة في الاوتيل على حسابه لمدة خمسة أيام، وفي أحد الأيام سألني هل تحمل أموالاً، قلتُ نعم احتفظ بها للسفر كما تعلم. قال: "إني بحاجة ماسّة لخمسمئة ليرة بهدف تهريب استاذ جامعي شامي (نوري الخالدي)(24) فهو من اساتذة حلب وهناك ضرورة لتهريبه خارج الشام لأنه مطلوب للمحاكمة فدفعتُ له المبلغ !...".

" لقد عرفتُ إنه قومي مخلص، ولذلك دفعتُ له دون مقابل. كما فوجئت بعد يومين بإحضاره إذن الخروج لي. بالاضافة الى سبعمئة ليرة سورية ثم قال لي: " قد تحتاج الى اكثر من هذا المبلغ. خذ المبلغ كلّه وانصرف". وهكذا توجهّت الى دمشق، فحصلت على فيزا الى باريس. حاولت توديع بنات الزعيم، في مدرستهنّ، فوجدتُ ديانا(25) شقيقة الامينة الاولى، التي كانت تنتظر لإحضارهنّ من المدرسة. سألتني عن سبب وجودي في دمشق فأعلمتها بضرورة سفري، وهكذا ودّعت بنات الزعيم. ولم ار الامينة الاولى، لانها كانت معتقلة، بعدها رجعتُ الى اللاذقية، حيث وصلتني رسالة حزبية من بيروت الى منزل الامين فؤاد شواف، اطلعتُ على الرسالة، فوجدت ان بعض مضمونها موجه الى احد مسؤولي الحزب في اللاذقية، كما تضمنّ سؤالاً يقول: ماذا يفعل "الرفيق أسعد" في دمشق، فعلمت ان ديانا شقيقة الأمينة الاولى هي مصدر المعلومة التي وصلت الى بيروت، على اعتبار أني مفصول الى اللاذقية فلماذا أنزل الى دمشق، فما كان مني إلا أن أخفيت ما تعلّق بي في الرسالة وشطبتُه، ثم سلّمتُ ما تبقى منها، اذ اعتبرت ان هذه مسألة أمنية، فهي تطالني مباشرة في ظلّ الوضع الدقيق التي تعيشه الشام.

" وصلتُ الى باريس، وفي جيبي عنوان احد الرفقاء من اللاذقية وهو مسؤول الحزب في فرنسا، الرفيق مصطفى الشيخ. إلتقينا، حيث عرّفني الى بعض الرفقاء وبينهم طبيب. في اليوم التالي قصدنا السفارة الليبيرية.

بسعي من منفذ عام ليبيريا الرفيق رشيد رسامني(26)، حصلتُ على فيزا الى ليبيريا، وكنتُ بحاجة الى أموال، لأن المال الذي في حوزتي لا يمكنني من السفر لا في طائرة ولا على متن باخرة. تعاون القوميون وهم في غالبيتهم من الرفقاء الطلاب، فجمعوا لي المبلغ المتبقّي، ثم قطعت تذكرة سفر الى ليبيريا، على وجه السرعة، وهكذا، وصلت الى المطار، الذي كانت ارضه رمليّة، على ما أذكر. كان معي عنوان الرفيق حسن ريدان(27). التقيتُ ببعض اللبنانيين الذين اقلّوني الى هناك حيث رحّب بي الرفقاء، كما آواني الرفيق ريدان في بيته.

هوامش:

(1)زكريا حنينة: من رفقاء المصيطبة (بيروت). نشط وشقيقه الرفيق عبد الحفيظ في خمسينات القرن الماضي.

(2)سجن النساء: كان يقع في جوار كنيسة مار ساوريوس للسريان الارثوذكس، شارع المصيطبة. تحوّل الى حديقة.

(3)سليم جمال الدين: اوردت عنه اكثر من مرة حين تحدثت عن الامين رضا كبريت والفرقة المسرحية. مراجعة قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(4)نقولا قباني: من الرفقاء المناضلين في الاشرفية، لمراجعة النبذة المنشورة عنه الدخول الى قسم "من تاريخنا" على الموقع المذكور آنفاً.

(5)اسعد المقدم: من طرابلس. تولى مسؤوليات حزبية ونشط في الصحافة والاعلام.

(6)محمود ابو كامل: هو محمود حسين ابو كام. ابن عم الرفيق المناضل ذوقان ابو كامل، وكان صديقاً للحزب.

(7)نسيب ذهبية: من بلودان (الشام). غادر الى غانا متولياً فيها المسؤوليات الحزبية، منها مسؤولية مدير مديرية اكرا.

(8)ايفون ذهبية: اقترنت من المواطن الصديق حبيب ابو جودة. كانا يملكان "مكتبة خياط"، في شارع بلس، مقابل الجامعة الاميركية.

(9)وداد ذهبية عيد: غادرت الى اكرا وكانت ناشطة حزبياً. عادت نهائياً الى الوطن. مقيمة في المتن الشمالي.

(10)يوسف روحانا: من "بيت مري". من الرفقاء الذين نشطوا جيداً في المتن الشمالي شاعر شعبي وله ديوان.

(11)سمير الريّس: من اوائل الرفقاء في المصيطبة، رجل اعمال ناجح. تولى في اوائل السبعينات مسؤولية عميدي مالية واقتصاد.

(12)ذوقان ابو كامل: من "بعقلين". من ابطال الحزب الذين يصح ان ننشر نبذة تعريفية غنية عنه

(13)ميشال فضول: (هو ميشال فضول الاشقر) من "بيت شباب". نشط حزبياً. من اصحاب مطابع فضول في منطقة الجميزة، وفيها كانت تطبع جريدة "الجيل الجديد". ساهم بإصدار مجلة "المنبر" الاغترابية مع الامين الراحل منصور عازار.

(14)فارس معلولي: نشط حزبياً في الاربعينات والخمسينات وتولى مسؤوليات في مركز الحزب. غادر الى اكرا حيث حقق نجاحاً في أعماله. نعمل لاعداد نبذة عنه بعد ان كنا ذكرناه في كثير من النبذات (مراجعة الموقع المشار إليه آنفاً.

(15)هي الرفيقة سوسن رفقة التي نشطت حزبيا وتفانت وكانت الى جانب الامين الياس جرجي في نضاله الحزبي الطويل.

(16)فاضل كنج: تولى مسؤوليات محلية ومركزية. اتتقل الى لبنان بعد احداث المالكي. انتخب عضواً في المجلس الاعلى. عاد الى الشام مستقراً فيها الى ان وافته المنيّة. نعمد على اعداد نبذة تعريفية عنه. ذكرته في عديد من النبذات. مراجعة الموقع المشار إليه آنفاً.

(17)قاسم شواف: مؤرخ معروف وله عدة مؤلفات.

(18)جميل مخلوف: تولى مسؤوليات محلية ومركزية. اتتقل الى لبنان بعد احداث المالكي. انتخب عضواً في المجلس الاعلى. عاد الى الشام مستقراً فيها الى ان وافته المنيّة. نعمد على اعداد نبذة تعريفية عنه. ذكرته في عديد من النبذات. مراجعة الموقع المشار إليه آنفاً.

(19)المقصود "بستان الباشا" الذي تقرر اطلاقاً تسمية "بستان سعادة" على القرية. مراجعة ما نشرت عنها في قسم "من تاريخنا" على الموقع المشار إليه آنفاً.

(20)وداد شواف: اقترنت من الرفيق محمد جميل يونس، الذي كان تولى مسؤولية منفذ عام عكا.

(21)لم يكن امراً هيناً ان تنطلق رفيقة في الفترة التي اعقبت اغتيال العقيد المالكي الى مركز الحزب في بيروت لجلب المبلغ المالي.

(22)سعيد شهاب الدين: مراجعة قسم "من تاريخنا" على الموقع المشار إليه آنفاً.

(23)الياس صبري عبد المسيح: مراجعة قسم "من تاريخنا" على الموقع المشار إليه آنفاً.

(24)نور الدين الخالدي: مراجعة قسم "من تاريخنا" على الموقع المشار إليه آنفاً.

(25)ديانا المير: للاطلاع على ما كنت كتبته عنها الدخول الى قسم "من تاريخنا" على الموقع المشار إليه آنفاً.

(26)رشيد رسامني: مراجعة قسم "من تاريخنا" على الموقع المشار إليه آنفاً.

(27)حسن ريدان: مراجعة قسم "من تاريخنا" على الموقع المشار إليه آنفاً.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024