ماذا علينا أن نفعل حتى نعيد ألوان نسيجنا وغنائنا إلى سابق عهدها من الحياة والحيوية، وتكون قيامة وطننا متلازمة مع قيامة يسوع؟
منذ ثماني سنوات وسوريانا مصلوبة على مذبح الغرائز والمصالح.. فالحزن لا يليقُ بها، مثلما الأسى ليس من صفاتها، والانكسار ليس من طبيعتها، وكل ما تعيشه اليوم لم يكن إلا طارئاً عليها.
ليست سوريانا التي تستكين لضعف، وليس شعبها الحر الكريم العزيز الذي يرتضي الذل والعودة إلى العصور السحيقة الموغلة في العتمة والتيه والتخلّف، فلا يستحق هذا الشعب المميّز بحبّه للحياة سوى التقدّم إلى شُمِّ الذرى ومنابع الضياء لا النكوص إلى ما قبل قبل الجاهلية!
ففي كل ورقة من وريقات ياسمينة نائمة على ضفاف الألم يوجد اسم سوريانا.. اليوم قد يغفو الاسم برتابة الكبرياء الواسعة والفضفاضة على نواعير حماة التي تدلق عطورها برذاذ مياهها المقدّسة.
اليوم تتساقط ألوان قوس قزح الموشحة بالوجوه الغائبة عن الكلام، فإذا بها تزهر كهوفاً بلا أبواب وحراس متأهبين لصدّ «انعزاليات» العناصر المنبثقة بجنوحها على حديقة الياسمين.
«انعزالياتنا» كألواننا ستذهب مع قطرات الدموع إلى غير رجعة حتى لو عاد الماموث والديناصور إلى الحياة فلا محيص من حروف خطت حدود وطننا بحبر الدم.
ووحدتنا الضائعة كدروب ملتوية لا تزال مثقلة بدماء أسلافنا العنصرية على أكتافنا كالأردية السيئة الصيت… هي أشبه بالغيوم التي تأكل قطرات الغيث المائرة في لجج الغياهب المتوثبة للموت والانفجار.
الانعزالية التي ترتادنا ونرتادها، كما نذهب إلى المقاهي العامرة بالدخان لم نسأمها نحن، بل هي جاءت بعدما ضجرت من تصرفاتنا، لأننا بلا وجوه ومن غير شفاه وبدون هوية فكنّا ضائعين تائهين خائفين جائعين إلى النور بلهفة العيون المتسرّبة كخيوط الفراشات من ثقوب الزمن الحافي..
المرمى خاب سعيه وذهبت كرة وطننا نحو شبابيك السلاحف المنتَحِبة على حجم معاناتنا الصارخة في الظلمة. ففي هذه البلاد لا يوجد ضوء واحد مستقيم إلا وانكسر في الانعزاليات التي نبتت كالفطر السام على جوانب الأرصفة.
يقيناً أن الأشجار الساكتة عن رعونة العصافير ستبقى على رفضها للتحالف الأغبى ريثما تكون القيامة.
من هنا، كما يقول بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي: «من دمشق، من بوابة الحاضر إلى التاريخ، ونافذة الأوابد إلى دنيا اليوم، من جارة الأبدية التي تستظلّ كنائسها بفيء الأموي وتغفو مساجدها على رائحة بخور الكنائس»، ستكون القيامة في سبيل الوطن خير تعبير عن ماهية الحياة الواحدة في ثرى سورية وفي أديمها.
المسيح حقاً قام، وسورية حقاً تقوم.. حقاً ستقوم.
|