نجح الضغط الأميركي الغامض على تركيا في وقف إطلاق النار بشمال سورية، وفي هزيمة العثماني، رجب طيب أردوغان، رغم هذيانه منذ بداية العدوان على سورية، بأن عمليات بلاده لن تتوقف مهما كانت الضغوط حنى تحقيق المنطقة الآمنة!
أردوغان الذي بدا للوهلة الأولى أنه لا يبالي، بقرارات العديد من الدول، تراجع حينما لوحت الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على تركيا، وإعلان البيت الأبيض عن رسالة الرئيس ترامب إلى أردوغان في 9 أكتوبر الماضي، والتي وصفه فيها بالأحمق، رضخ أردوغان على الفور وتراجع.
مَن يتابع تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان المتوترة، لا بدّ أن يُصاب بالحيرة من تهديداته ضد دمشق في الوقت الذي يستمرّ فيه الجيش السوري بتمدده في الشمال والشمال الشرقي من سورية، وإعادة مساحات جديدة من الأراضي كانت «قسد» تسيطر عليها.
كان اللافت ما قاله مايك بنس نائب الرئيس الأميركي في مؤتمره الصحافي، بأنه اتفق مع أردوغان على إيجاد حل للمنطقة الآمنة، ولكن سرعان ما أعلنت واشنطن تنصلها أمس، وقالت أنها لن تشارك في إقامة المنطقة الآمنة، في حين أعلن أردوغان أن تركيا تعتزم فتح 12 نقطة مراقبة فيها.
لا يترك أردوغان، مناسبة تمر دون أن يتطرق إلى عزم بلاده على إنشاء ما يسمّى بـ«المنطقة الآمنة» في الشمال السوري، ولطالما هدّد بتنفيذ ما أسماه «خططاً خاصة»، وهو كشف أن بلاده تهدف لإسكان مليوني لاجئ سوري في المنطقة الآمنة المزمع تشكيلها على عمق 30 كيلومتراً في شمال شرق سورية لتغيير الديموغرافية السكانية في تلك المناطق، غير أنه في الحقيقة يسعى لإقامتها بهدف احتلال تلك المناطق الغنية بالنفط والغاز وزراعة القمح، ولكن هذا الهدف الاحتلالي يتلطى بوجود «وحدات الحماية الكردية»، المدعومين من قبل الاحتلال الأميركي الذي تركهم في العراء بليل لا قمر فيه. ولعلنا هنا نتذكر تصريحات أردوغان غير المسبوقة في 28 ايلول/ سبتمبر 2016، التي أعاد فيها التذكير باتفاقية لوزان 1923 والغمز من قناتها من خلال قوله «البعض يريد أن يقنعنا بأن معاهدة لوزان انتصار.. أين الانتصار فيها؟». وهي الاتفاقية التي أبطلت معاهدة سيفر 1920 وثبتت الاعتراف الدولي بالجمهورية التركية وريثة الإمبراطورية العثمانية وصاغت حدودها مع مختلف الدول، فأكسبتها مناطق جديدة في الجنوب احتلال أكثر من 180 ألف كم2 من أراضي سورية الطبيعية .
و»غمزة» أردوغان هذه أحدثت استنفاراً في سورية لما يستنبطه استذكار «لوزان» من استعدادات تركية لتغيير خرائط المنطقة والاستيلاء على أراضٍ جديدة من سورية تحت عناوين المنطقة الآمنة، كما جاء في الخريطة التي نشرتها صحيفة «ديليليش» التركية المناصرة لأردوغان ذلك الوقت، وتضمّ الخريطة المزعومة تحت عنوان «هل هذه الأراضي مقتطعة من تركيا؟»، كركوك والموصل وأربيل وحلب وإدلب والحسكة، مذكّرةً بالقَسَم الوطني ملي ميساك . وهو اتفاق مختوم من قبل البرلمان العثماني يرجع للعام 1920، ويدّعي أن هذه الأراضي أجزاء من تركيا. غير أن ما يستدعي الانتباه وقتها هو خطورة إسقاط اسم فلسطين من هذه الخريطة المزعومة واستبداله بـ «إسرائيل».
إذاً، فالبعد الاحتلالي للحديث عن المنطقة الآمنة تزامن مع 3 أحداث:
تمديد البرلمان التركي في الثامن من الشهر، لمذكرة تفويض الجيش للقيام بعمليات عسكرية خارج الحدود سورية لسنة إضافية.
إعلانه اعادة اللاجئين السوريين الى تلك المناطق رغم أنهم من محافظات أخرى، وهو كما ذكرنا يهدف من هذه الحركة إعادة تغيير الديموغرافية في شمال شرق الفرات من جهة، وخلق فتنة كردية عربية دائمة من جهة أخرى داخل سورية.
قيام أنقرة باستباق الأمور وعينت محمد سعيد سليمان، كردي عميل لها، وزيرا للإدارة المحلية بحيث يتولى مهاما في المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها شمال شرق سورية!
هي دبلوماسية الطبل التي يتّبعها أردوغان، رغم صوته العالي، إلا أنه يبقى فارغاً من الداخل، ولطالما كُتب في تركيا عن السلطان الذي اختلط عليه الأمر بين عمامة سليمان القانوني وقبعة مكيافيلي!
|