لعلّ أطرف لقاء شهدته، هو الذي جمع الأمين عبدالله قبرصي، بالمؤرخ نقولا زيادة.
المكان: منزل الأمين عبدالله في تلّة الخياط.
الزمان: أواخر أيام عمره المديد.
كنت أتردّد إلى منزل الأمين عبدالله من وقت لآخر؛ أولاً، لواجب زيارته والاطمئنان عنه، ومثلي عدد من الرفقاء الأوفياء، وثانياً لسؤاله عن مواضيع حزبية وعن رفقاء مناضلين كان عرفهم.
ذات مساء، وكنت في زيارة للأمين عبدالله، رنّ جرس الهاتف ليدخل المؤرخ المعروف نقولا زيادة.
كان المؤرخ نقولا، كالأمين قبرصي، قد تجاوز التسعين من عمره، ومثله يتمتع بالذاكرة العجائبية والذهن الوقّاد، والروحية المرحة.
جلست معهما، فراح كلّ من الأمين عبدالله والمؤرخ نقولا، يتحدثان عن مشاريعهما المستقبلية، ماذا سينجزان العام المقبل أو الذي بعده، أي كتاب سيصدر، وكنت أتساءل وأنا مأخوذ بالحوار المشبع بالمشاريع المستقبلية ترى، أنا مع شابين في مقتبل العمر، أم مع شيخين تجاوز كلّ منهما التسعين من عمره!
يومئذ تأكدت أن الشيخوخة ليست في عمر الكائن الحيّ، إنما في سلوكيّته، فقد تصبح شيخاً وأنت شابٌّ في حال توقفت عن النشاط ، عن الحلم، عن العطاء الدائم.
لذلك وقد رافقت الأمين عبد الله قبرصي حتى أواخر أيامه، فقد بقي حضرة الأمين شاباً، بذاكرته، ومرحه، والكثير من الصفات الحلوة التي كان يتحلى بها.
|