إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ندوة "ذكريات محمد بعلبكي مع انطون سعادة " مداخلة الأمين فاروق أبو جودة

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2024-08-30

إقرأ ايضاً


نقلنا بتاريخ 20 آب مداخلة الأمين الدكتور جهاد العقل في الندوة التي أقامها منتدى شملان الادبي حول الكتاب الذي أنجزه الدكتور سليمان بختي بعنوان " ذكريات محمد بعلبكي مع انطون سعادة "، والتي أقيمت دارة الرفيق الأستاذ نبيل المقدّم في 9 آب 2024.

إشترك في مداخلات مختلفة كل من نائب رئيس نقابة المحررين الأستاذ صلاح تقي الدين والصحافي الأمين الدكتور جهاد نصري العقل اللذين تناولا موضوع الكتاب.

رحّبت المحامية الأستاذة اليسا صليبا بالحضور وتركت إدارة الندوة للأستاذة زينا حمزه،

ل. ن.

*

أما في ما يختص مداخلة الأمين فاروق، فقد جاءت كالتالي :

في البدء تحية الى شملان وإلى أهلها الصناديد، شملان التي ورد اسمها في قصيدة للشاعر القومي "ابو فاروق" نظمها منذ أكثر من ستين سنة، يقول في أحد ابياتها :

نحنا المنسمع نحن منلبي النفير وعا بريق سيوفنا يطل السحر

والموت عنًا طعمتو شهد القفير والحرب من أفعالنا بياخد عبر

نحنا المنحمي حدود لبنان الكبير روحوا اسألوا شملان عن صدق الخبر "

كما أوجّه تحية وثناءً على نشاط النبيل الذي قدّم دارته التراثية مكاناً لتلاقي الأدباء والشعراء والفلاسفة والمؤرخين والصحافيين أيضاً، كما هو موضوع الندوة هذه .

لعلّ مداخلتي تحمل نكهة خاصة وأسلوباً مختلفاً، إذ إنها تنحو نحو العلاقة الشخصية التي جمعت البعلبكي مع أبي وأمي: "أبو فاروق وأم فاروق"، منذ الأشهر الأخيرة من ذلك العام بعد استشهاد سعادة عندما كان يأتي بيتنا وحيداً، تارة، وبصحبة محمد آخر، هو شاعر النهضة محمد يوسف حمّود، يلتقون بمجموعة من شباب وصبايا الزلقا، ويتحدثون بأشياء كثيرة، لم أعرف كنهها، كوني فتى وممنوع علينا حضور تلك الخلوات، لكنّ ما علق في ذاكرتي يبقى معي أبداً، إذ بعد ارفضاض الإجتماع وعند ذهاب المحمدين، أو البعلبكي عندما يكون لوحده، يُطلّ والدي على شرفة منزلنا لناحية الطريق العام ويصرخ: تحيا صيدا .... يا !!! فيجيب البعلبكي:

" تحيا صور... يا " .

في تلك الفترة وحتى الربع الأول من خمسينات القرن الماضي، كان القوميون يقبعون في السجون أو في البراري، ممنوع عليهم ممارسة حقوقهم المدنية وحريتهم السياسية، مما حدا بالشاعر أبو فاروق أن ينظم قصيدة مقتبسة من تلك التحية، سلّمها للصحافي محمد البعلبكي فنشرها هذا في أكثر من صحيفة، تحت عنوان: " جولة في ربوع الوطن "

 يبدأ في مدينة جبيل مع قدموس والشراع والأبجدية والشرائع، ويصل إلى حلب :

مشي معي تَ شوّفك قلعة حلب وشوف كيف الدهر عا صدرا انصلب

ويعود بنا إلى تدمر :

مشي معي عا تدمر ولا تكون جبان وشوفها راكع ع إجريها الزمان !!!

ويمرّ بقلعة بعلبك :

قلعة بعلبك كلها عظمه وفنون ما قدرت سنين الدهور تبيدها

ما وقفت عواميدها لو ما يكون جدودنا أعظم من عواميدها

وينتقل بالسائح إلى ضهور الشوير :

مشي معي مشي معي وبمشي معك قلعة عظيمة كتير حتى قشّعك

عرزال بضهور الشوير بيسبعك

عرزال مبني عا تلات صنوبرات عرزال منّو شعّ للعالم حياة

عرزال كوّن مجتمع بعد الشتات عرزال منّو عرفت إشيا ناسيا

ثم يذهب بنا إلى عكاّ وحصونها، وإلى صيدا :

مشّي معي وصيدا العظيمه نزورها وشوف قلعتها وفخامة دورها

وينتهي المطاف ببيت القصيد، عمود المنظومة وغاية نظمها :

مشّي معا تا شوّفك أبراج صور هازئة بالبرّ بمواج البحور

أوقف معي وقفة جبابرة العصور وكّد بصور

وقول :تحيا صور ... يا .

*

وافت المنيّة شيخ الأدباء سعيد تقي الدين بتاريخ 10 شباط 1960 في جزيرة سانت اندروس جمهورية كولومبيا اللاتينية .

عزم رفقاؤه وزملاؤه والأدباء والشعراء والصحافيون وجمعية متخرّجي الجامعة الأميركية، عزموا على إقامة إحتفال تكريميّ له في قاعة قصر الأونيسكو في بيروت، لكنّ السلطات آنذاك، تمنّعت عن إعطاء السماح للقيام بهذا الإحتفال ؟،

صدرت الصحف في اليوم التالي دون الإتيان على هذا الموضوع بأي تعليق أو تلميح،

وأطلّ أوّل آذار تلك السنة، ودعت منفذية المتن الشمالي الى حضور مهرجان بالمناسبة، برعاية رئيس المجلس الأعلى، الأمين محمد البعلبكي، ومن بين الخطباء الشاعر ابو فاروق، قال :

طلّ الربيع وطلّت البسمه معو طلّة أمل بليلة السودا شَرَقْ

وكل العناصر حول منّو تجمعوا وما عاد في عنصر عن التاني افترق

هونيك جماعه لخنق هالفكره سعوا بتحيا البلاد بتموت بتشرف عالغرق

ما همّهُنْ هالأمر همّن يسمعوا هيدا قتل هيدا انشنق هيدا انسرق

في ناس بيموتوا تَ غيرُن يقشعوا وناس تقضّي عمرها بلعب الورق

ثم عتِبَ على صاحب أول آذار :

لولاك شو بدّي تَ كون معجوق وإزعل عَ بالشام محبوسين

لولاك شو دعوة ابو فاروق إنسان ماروني من الزلقا

بيبكي على درزي من بعقلين ؟؟؟

وتوجّه إلى صاحب "صدى لبنان" مشيراً بيده :

يا صحف لبنان كيف تَ ساكتين يا مبرطلين بمال يا متآمرين ؟

وفي ردّه على الشاعر، أجاب الصحافي الكبير :

الصحافة رسالة وليست سوق نخاسة، أما الصحافيون فهم موالون فقط لقلمهم ومهنتهم، لأن كرامتهم لا تُباعُ ولا تُشترى !!!

وربما يكون البعلبكي قد استقى العبارة من بيت للدكتور الشاعر نذير العظمه يقول فيه :

"وطني وإن آذتني الآلام والجرح افترى

وطويتُ أجنحتي ممزّقة بأفياء الذُرى

أحسستُ ما تشعر به فرأيت جرحك أكبرا

فمضيت من صدري أنتّف كي أضمّد ما اهترى

فإذا بصدر لي جديد للحياة اخضوضرا

تهتزّ فيه جوقة الإيمان تُنشد للورى

إن الكرامة في بلادي لا تباع وتُشترى !!!

وفشلت الحركة الثورية الانقلابية ليلة 1961- 1962، واعتُقل رئيس المجلس الأعلى، من بين الألوف من القوميين، وتعرّض إسوة بالآخرين، إلى التعذيب والتنكيل والضرب، لكن محمداً الآخر، لم يتعرّض لما لاقاه البعلبكي، فكتب في جريدة النهار البيروتية مقالا جاء فيه :

ربّما يكون هو في ضمير سجنه أسعد مني في سجن ضميري؟

لكنّ شاعر النهضة، لم يعرف السعادة التي كان عليها الأسير في مضافة المير بشير، إلى أن التقى الأسير الشاعر محمد العريضي بالبعلبكي في إحدى ردهات الثكنة ورآه مخلعاً من جلسات التعذيب، ولما عاد الى القاووش رقم 14، دامع العين وحزين القلب، وعندما استنطقناه أعلمنا عما شاهد وعقّب :

" لبنان يا بلد الضباع بنابها القطّاع خسىء الألى وصفوك بالإشعاع "

ومرّت السنوات، وبعد هجرة إثنتين وثلاثين عاماً 1962 – 1994، عدت والتقيت بنقيب الصحافة ثلاث مرات :

• محاضرة البعلبكي عند منصور عازار، عن الصحافة الرسالة ناعتاً إياها أنها كل السلطات، وليست السلطة الرابعة فقط !!! وعندما ذكّرته بما قاله في مهرجان أول آذار 1960 سائلا إياه: أين نحن اليوم من أوضاع الصحافة والصحفيين؟ أجاب :

تغيّرت الأحوال وتبدّلت الظروف، فعندما تعرف اسم الجريدة وكاتب مقالا فيها، تعرف من يدفع ويموّل !!! في الماضي كانت الصحافة تُسقِطُ رئيساً وترفع رئيساً، أما اليوم فلا ...

• احتفال توقيع وتوزيع "الديوان الكامل" للشاعر ابو فاروق، قال البعلبكي :

الناس في الدنيا صنفان: صنف لا حياةَ لهم، وآخرون بِبطن الأرض أحياء !!!

• وفي مهرجان توزيع مذكرات الأمين مسعد حجل :

"لم أبدّل ...ولن" تحدّث البعلبكي عن حكايته مع الحزب منذ تعرّف على زعيمه فترة قصيرة قبل استشهاده،

وكأنه يرفع يده تحية الوداع الأخير ؟؟؟

وفي آخر مقابلة صحفية، جاء فيها: "قد يبجّل الخطباء رجالا يحبونهم حتى المغالاة ليسوا جديرين، لكن سعادة كان أهلا لأنه عبقري بكل المقاييس ..".

ثم سقطت ورقته الصفراء من شجرة الحياة، لكنّ الأمين محمد البعلبكي لم ينتهِ بمأتم وترنيمة وصلاة ...





 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024