تحت هذا العنوان نورد معلومات كانت نشرت في إعداد سابقة لمجلتيّ "البناء" و "صبا الخير" من اجل التذكير، كما وضع تلك المعلومات بتصرف فروع الحزب المعنية و او الرفقاء المهتمين بموضوع تاريخ الحزب، حتى اذا وردتنا معلومات إضافية، نشرناها لاحقاً لمزيد من فائدة إغناء تلك النبذات .
الامين لبيب ناصيف
*
هذه النبذات المتفرّقة وردت في عدد مجلة "صباح الخير" رقم 332 تاريخ 26-12-1981
افتتاح السوق الشعبي في عائشة بكار
افتتح في 18 كانون الأول الجاري السوق الشعبي لمنطقتَي عائشة بكار والزيدانية بحضور أعضاء اللجنة الأمنية العليا سمير صباغ، حكمت العيد، داود باز (الأمين)، سعيد القصار وبشير الحربلي.
وبعد قصّ الشريط والتجوّل في أرجاء السوق، ألقى سمير صباغ كلمة قال فيها إنّ إنشاء هذا السوق يأتي ضمن خطة كاملة لتنظيم الأحياء والشوارع كجزء من خطة أمنية – اجتماعية شاملة.
ثمّ ألقى عبد الرحمن بولاد كلمة بِاسم الأحزاب والقوى الوطنية والشعبية في المنطقة، قال فيها: " يأتي افتتاح هذه السوق الشعبية استكمالاً للخطة الأمنية والشعبية التي تقوم بها القوى الوطنية والشعبية في المنطقة الوطنية والهادفة إلى تنظيم الشارع الوطني وتأمين حاجاته الأساسية التي تدعم صموده في وجه أشرس مؤامرة مُحاكة على شعبنا وعلى أرضنا ووطننا. هذه المؤامرة التي تعمل على ضرب الصف الوطني عبر تفريغه من مستلزمات الصمود الشعبية ".
وأضاف: " إنّ افتتاح هذه السوق الشعبية لهو المعبّر عن إرادة الصمود الشعبية المتجددة في ساحتنا الوطنية، وعن قدرة التنظيم التي تتمتّع بها قوانا الوطنية والشعبية ".
وأكّد بولاد "أنّ هذه السوق ليست إلا بداية لسلسلة نشاطات ومشاريع سنقوم بها في منطقتنا لتعزيز صمودها الوطني ودعماً لنضالها المحقّ والمشروع". وأضاف "أننا إذ نحتفل بافتتاح هذه السوق، نضع أنفسنا في خدمة الجماهير الوطنية مصرّين على الاستمرار دائماً وأبداً على كسر القيود التي تعمل على تكبيل منطقتنا الوطنية وتقويضها".
وقال: "إننا نضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولياتها في تقديم المساعدات اللازمة لإنجاح مشاريعنا، لأننا إذا لم نتوصّل نحن أبناء الشعب إلى تنظيم أنفسنا، فإننا سنبقى أبداً ننتظر تنفيذ الوعود الواهية التي لا تُجدي نفعاً.
وفي ختام كلمته شكر بولاد اللجنة الأمنية العليا وجميع الذين ساهموا في بناء السوق الشعبي في المنطقة.
*
اللهمّ نجّهم من التجربة بقلم الرفيق مخايل الأشقر(1)
قبل عشرين عاماً من هذا اليوم أسعفتني الصدفة بأن فرضت نفسي، وأنا الصغير بين أعضاء الوفد الذاهب إلى استفقاد واحد من كبار أراخنة السياسة اللبنانية بمناسبة ضبط ولده الضابط واعتقاله.
ذهبنا يومها للوقوف على خاطره بمناسبة حلول الكارثة. في تلك الأمسية، كلنا جلسنا في الصالة الرحبة قُبَيل دخوله بقليل، وأفردنا لجنابه مكاناً في صدر القاعة، إلى أن تكرّم وأقبل.
يعتمر طربوشاً تركياً، متناسقاً مع فروع قامته، وجلس كبيراً يتحدى الصعوبة التي ألمّت بالبيت الكبير بابتسامة لم يكن لونها واضحاً. وقبل أن يُفسح لكبيرنا بأن يتقبل المجاملات المتعارف عليها في مؤاساة الأكابر افترض نفسه عارفاً بكل دقائق الزيارة وفرض نفسه علينا آمراً وناهياً ومستمعاً؛ أولاً لعددية الوفد، وثانياً لمظاهر التجهم التي كانت قد تبرقعت بها الوجوه تأدباً قُبيل إقباله على الصالة بلحظات قليلة، فبادرنا بالكلام التالي:
" الله يلعن تلك الساعة التي جعل فيها الفرنسيون لبنان كبيراً. إنّ تلك البادرة السياسية التي ربّحونا فيها جميلة عملهم، ها هي ترتدّ علينا نحن المسيحيين وبالاً اجتماعياً وقلقاً مصيرياً يهدّد أجيالنا بالغد الأسود. سقى الله يوم كان لبنان صغيراً بمن عليه وما له. ليتني استطعت أن أكون حاكم هذا الوطن لسنة واحدة فقط، فأعيده إلى ما كان عليه قبل الاستقلال المشؤوم ".
في ذلك الزمن كنت طرياً في النهضة ولم أكن أنطوي على أكثر من التذمّر، فبلعت وجعي لكي أحتفظ بمقعدي في الأوتوبيس الذي كان يشحن الوفد إلى بيته، وخشيت إن أنا فتحت فمي أن يبقى مفتوحاً، أو أن يكشّ رئيس الوفد فيتجهّم سائق البوسطة، ويغضب المعاون وتمتدّ عدوى الكشاشة والتجهّم والغضب إلى كل أعضاء الوفد فيرمون بي على عشر كيلومترات من بيتي، أنا لم أكن بعد قد ملكت أجرة سرفيس يحتملني إلى البلدة النائية.
منذ ذلك الحين اختزنت كلمات الأرخون في جوفي، فصارت تكبر حيناً وتصغر أحياناً بنسبة ما كنا نتأرجح نحن الصغار بين مدّ الإعلام الرسمي وجزره.
فتارة نسمع بأنّ العسكر لاحقوا مطلوباً في جرود الهرمل أو العاقورة وسحبوه، وسقط في حفلة الملاحقة محمد وحنا ومعروف ومتري... كذا، جرحى في معركة بين الفارين والسلطة، وطوراً نسمع بأنّ الدرك اللبناني اقتحم بيت العريس الفلاني وطوّقوه، وجدعوا الذي ابتهج بليلة الدخلة، وصودر منه المسدس، واقتيد إلى النيابة العامة، وحوكم وحكم، ونام في سجن الرمل ستة أشهر.
وتارة أخرى وأخيرة، وكنّا قد بدأنا نلاحظ بأعين مقلوبة، صرنا نرى أنّ توضيب الدوريات الدركية الأسبوعية من المخفر إلى قريتنا تأتي مظبطة على قاعدة 6 و 6 مكرر، فيُقبل علينا في كلّ دورية محمود إلى جانب إلياس، أو جريس وأنطون يرأسهما الشاويش أحمد.
أمام هذه الملاحظات كانت قناعتنا بكلام الأرخون السالف الذكر مهزوزة، فلا نحن استطعنا اقتلاعه من أذهاننا وتسفيه القائل، ولا الكلام قدر أن يؤكد طالعاً من قناعة "المعترين" حتى كان يوم أمس.
أمس بالذات سمعت رأساً من رؤوس الدولة يقول: "مصيبتنا ليست في عدة الجيش، بل هي في عدده. ويا طالما أعلنّا عن فتحنا باب التطوع دون جدوى تُذكر".
وفي اليوم التالي سمعت جندياً على أهبة الخروج من (الصفوف البديعة النظام) يقول: "بعدنا مطرح ما كنّا. واحد قبل واحد بيجي 400 من هونيك مقابيل 10 من هون، ما بيحل العقدي غير التجنيد الإجباري".
حيال هذين القولين الطازجين، واحد من أحد رؤوس السلطة وآخر من فرافيطها تمكّنت من الإمساك بالخيط المتين الذي ما زال يربط بين عقلية الأرخون السياسي الذي مات بخطاياه وممارسة الأرخون الجديد الذي يحكم ويعيش بخطاياه، خاصة بعد ابتلاء هذا اللبنان بمحنته الأكبر من قياس أكبر دولة في العالم الحديث المتمدّن.
منذ موقف يوسف العظمة في ميسلون وحتى إشعار آخر، مروراً بكافة المماحكات الكلامية والممارسات الحكمية، ستبقى المعالجة بالمخدرات تنقل الوباء من جيل إلى جيل، وتورث عدة الحكم من أرخون صدئ إلى أقله صدأ دون أن يريد أطباء العيلة اللبنانية الاقتداء بمنهجية منقذة.
فإذا كان ذلك الأرخون الذي ضبط ولده الضابط وحبس وجلد قد آثر العودة إلى حالة التشرنق في إطار التعتير الانعزالي منذ عشرين سنة، واحتفظنا بكلماته لنربطها بتذمّر الراس السلطوي وقناعة جندي ما بعد المحنة، فكم يجب أن يكون حريّ بالعقل الهادئ أن يتوقف عند المنهجية المنقذة.
وإذا كانت لقمة "فصل الدين عن الدولة" كبيرة على زلاعيمهم، فليجربوا لقمة فصل العسكر عن السياسة قبل أن تكتمل بعثرة هذا الإنسان وتبتهج عظام الأرخون أكثر من اللزوم... ولكنها تجربة الشيطان.
اللهمّ نجّهم من التجربة.. آمين.
*
هوامش:
(1) مخايل الأشقر: للاطلاع على النبذة المعممة عنه، الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
|