عرفتُ الأمين احمد اصفهاني مع مطلع شبابه، وكانت لي معه الكثير من اللقاءات، والمناسبات الحزبية مما يصح ان اكتب عنها،
دائماً هو صديق، وقومي اجتماعي مميّز، ثقافةً ووعياً وتفانياً وتجسيداً واعياً لفضائل الالتزام القومي الجتماعي.
هذه الكلمة خرجت من قلبه ووجدانه.
انشرها موافقاً الأمين احمد على الكثير، ليتنا نتوقف عن نشر البشاعات ونبرز كل ما هو جميل في تاريخ حزبنا وهو كثير.
تحية لك يا أمين احمد. انت الصديق المستمر .
ل. ن.
*
كيف لنا أن نقارب مناسبة تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، بينما المؤسسات الحزبية تعصف بها رياح غريبة شاذة عن جوهر العقيدة القومية الاجتماعية؟
ما الذي يعنيه أن يلتقي رفقاء هنا ورفقاء هناك، في متحدات صغرى أو كبرى، متجاورة أو متباعدة، للاحتفال بعيد التأسيس ... وفي الحلق علقم، وفي القلب نزيف، وفي الوجدان قلق؟
ألا يدفعنا الواقع المُحزن إلى التساؤل عندما نرى أن احتفالات عدة تجري في المتحد الواحد، حيث رفقاء باعدت بينهم اعتبارات لا علاقة لها بتاتاً بإيمانهم القومي الاجتماعي؟
المؤسسات الحزبية التي أرادها سعاده حاضناً ومختبراً لبناء الإنسان السوري الجديد، الإنسان المجتمع، هل تقوم حالياً بهذا الدور النهضوي الحيوي؟
أسئلة تختلج في عقل كل واحد منا، نطرحها كل ساعة وكل يوم... وأكثر ما تلح علينا حينما نقترب بخجل من موعد حلول مناسبة تأسيس الحزب.
عملية التأسيس لا تُقاس بالسنوات ولا تُحد بالزمن. صحيح أنه تم التوافق على تاريخ 16 تشرين الثاني سنة 1932، إلا أن الواقع العملي غير ذلك. الحزب لم يتأسس في لحظة معيّنة، وفي مكان معيّن، ومع أشخاص معيّنين. كان الحزب صيرورة يومية في عقل سعاده ووجدانه، منذ أن عايش مآسي المجاعة في الوطن خلال الحرب الكبرى. يقول في رسالته إلى المحامي حميد فرنجيه وعنوانها "في ما دفعني إلى انشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي": "كنت حدثاً عندما نشبت الحرب الكبرى سنة 1914، ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك. وكان أول ما تبادر إلى ذهني، وقد شاهدت ما شاهدت وشعرت بما شعرت وذقت ما ذقت مما مني به شعبي، هذا السؤال: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل".
يمكننا اعتبار هذا السؤال بداية تمهيدية للتأسيس. وعلى مدى سنوات، أخذت الأجوبة تتبلور في ذهن سعاده، ومعها أسئلة جديدة تؤدي إلى أجوبة جديدة... وهكذا في حركة دائمة تتطلع إلى الأمام وترنو إلى الأعلى والأسمى.
إن عبارة "ذكرى تأسيس الحزب" لا تنطبق حرفياً على الحزب السوري القومي الاجتماعي. ذلك أن مفردة "ذكرى" تحيلنا إلى الماضي، إلى حدث وقع في مرحلة ما... مرحلة أصبحت خلفنا أو بعيدة عنا. أبداً!! التأسيس في مفهومنا واعتقادنا هو فعل نهضوي متواصل، نمارسه في كل لحظة من حياتنا. إننا لا نتذكره، لأنه لم يغادرنا بتاتاً. نحن لا نحبسه في أدراج موصدة طيلة العام، ثم نسترجعه للذكرى في السادس عشر من تشرين الثاني كل عام.
التأسيس بالنسبة لنا وجود كليّ، إنه وجودنا الناصع في متحداتنا الاجتماعية ومع رفقائنا. ولأننا "حركة الشعب العامة"، كما يقول سعاده، فإن عيد التأسيس يصبح مناسبة للاحتفال بقدر ما نحقّق وجودنا في مجتمعنا.
المؤسسات والإدارات وُجدت لتصون النهضة، وقد أرادها سعاده مخبراً حياتياً حاسماً. فالحزب وسيلة وليس غاية بحد ذاته. إنه "يعني تغيير النظرة إلى الحياة، وتغيير الأساس النفسي الخلقي القائم عليه بناء اجتماعي متفسخ متزعزع". ولا يمكننا إحداث التغيير المطلوب إلا بـ"إيقاظ الوجدان القومي وتأسيس الأخلاق القومية".
إن احتفاءنا بالسادس عشر من تشرين الثاني أعمق بكثير من عبارات تتردد حسب العادة: "ذكرى التأسيس"، "إعادة التأسيس"، "التأسيس الجديد"... وما شابه ذلك. الحقيقة إننا في وضعية "التأسيس المستمر"، أي غير المحدود بزمن وأشخاص وأماكن ومؤسسات.
كل واحد منا يختزن إمكانية أن يكون "مؤسِساً" بطريقة ما، و"مسؤولاً" بطريقة ما. فنحن نحمل في ذواتنا الخميرة المباركة التي سرت في أرواحنا يوم تعاقدنا مع سعاده. مسؤوليتنا أن نعبّر عن العقيدة في السنوات العجاف كما في السنوات السِمان. في مواسم الخير نحن طلائع هذه الأمة، وفي مواسم الجفاف نحن غيث هذه الأمة، وفي لحظات الخطر نحن سيوف هذه الأمة ودروعها... ونحن ـ دائماً وأبداً ـ بوصلة هذه الأمة.
البوصلة القومية الاجتماعية لا تخطئ غايتها الطبيعية المعلنة، مَنْ يخطئ هو الذي يقرأها بعقلية مشوّهة. وفي زمن القراءات الخاطئة تشتد الحاجة إلى دورنا التأسيسي. فالأمة في وضعها الراهن تترنح على حافة هاوية سحيقة. وشتان بين من يقف متفرجاً على دمائها النازفة، وبين من يبلسم جراحها بلمسات المحبة والإيمان والعطاء.
أمام هذا الواقع الخطير، فإن حاجة الأمة والقوميين اليوم تتمثل في شد العصب القومي، وإظهار كل خيّر وجميل في نفوسنا وفي مسيرتنا. وهذا لا يعني السكوت التام على الأخطاء، بل من الضروري تناولها بشفافية مطلقة... لكن ليس على قاعدة تدمير ما تبقى من عناصر الثقة بين القوميين الاجتماعيين. فالثقة الواعية والمنظمة هي خط الدفاع الأخير عن الحركة السورية القومية الاجتماعية.
لقد حذّر سعاده السوريين سنة 1938 بقوله: "قد جاء الوقت الذي إذا فات ولم نفعل شيئاً في سبيل حريتنا، فإنا ساقطون في عبودية شديدة طويلة". إنه التحذير المستمر، وتقع على عاتقنا نحن مهمة التصدي الشامل بعقلية "التأسيس المستمر".
*شكر خاص للرفيقين علياء ونقولا نصر (الولايات المتحدة الأميركية) لمشاركتهما في مضمون هذا المقال.
***
فعل الموت... وفعل الحياة
(كنت قد اكتفيت بالنص أعلاه لعيد التأسيس. غير أن ما قرأته على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة أثار غضبي وحزني... فكانت هذه الكلمات التي ألحقتها بالمقال الأساسي).
غريبٌ كيف تلحّ صورة عنترة بن شداد على ذهني كلما قرأت أو تابعت ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي حول الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحول القوميين الاجتماعيين إلى أية مؤسسة انتموا!
وغريبٌ كذلك أن أستعيد بيتاً من الشعر أنشده عنترة قبل حوالي 1500 سنة في صحراء جزيرة العرب، فكأنه يصف اليوم حالة مفجعة تلبّست بعض الأقلام القومية الاجتماعية فما عاد أصحابها يحسنون سوى البكاء على الأطلال والندب الكربلائي الأبدي!
يُقال إن عنترة وضع قصيدته المشهورة رداً على شاعر منافس عاب عليه سواد بشرته وعبودية أمه. والشطر الأول من مطلع القصيدة هو الذي يلحّ عليّ: "هل غادر الشعراء من متردم؟". والمقصود بهذا التعبير أن الشعراء "لم يتركوا شيئاً يُصاغ فيه شعر إلا وصاغوا فيه".
الكتّاب القوميون الاجتماعيون، المحترفون والهواة وما بين المنزلتين، اهتموا منذ سنوات بتشريح أوضاع الحزب، خصوصاً بعد أزمة التعديل اللاشرعي لدستور الحزب سنة 2016. وكنا معهم في رفع الصوت عالياً لأن الخطوة التي أقدم عليها المجلس الأعلى حينها ترقى إلى مستوى الجريمة بحق الحزب والأمة، وتتطلب مواجهة حاسمة.
نحن نتحدث عن ست سنوات على الأقل، إذ يمكننا إرجاع جذور الأزمة الحزبية إلى عقود عدة سابقة. وطيلة هذه الفترة لم يُبقِ الكتّاب والكتبة أي جانب من الأمور الحزبية إلا وعرضوه وشرّحوه وانتقدوه. وهذا شأن ممتاز، ومطلوب دائماً... لكن في سياق كان من المفروض أن يؤدي إلى نتائج إيجابية.
ما نشهده حالياً هو تكرارٌ مملٌ ومؤلمٌ لكل ما عُولج سابقاً. لذلك من حقنا أن نسأل: ماذا بعد؟ هل تركنا شيئاً لم نشرّحه حتى النخاع؟ هل بقيت أزمة لم ينصب "الكاتبون" ـ الهواة والمحترفون ـ خيامهم في عقر دارها واستوطنوها على علاتها، بل وجعلوها مزاراً ومحجّة؟
أيُوجد ما هو أفظع من أن ينعى بعضهم الحزب والحركة والنهضة... ثم يعود يومياً إلى نكأ الجراح لمجرد التلذذ بملوحة الدم؟ إذا كان هذا حالنا، وإذا كان "الكاتبون" لم يتركوا ستراً إلا وكشفوه، أوليس من المعيب أن يواصل هؤلاء اللطم والتعذيب دون أن تلوح من أي واحد منهم بارقة أمل ولو ضئيلة جداً؟
"أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟"
عبارة ألم وكبرياء أطلقتها أسماء بنت أبي بكر بوجه الحجاج الثقفي بعد أن قتل ابنها عبدالله بن الزبير وصلبه ورفض السماح بدفنه!
"أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟" صرخة أم مكلومة أخجلت الحجاج السفاح، فتراجع وأمر بإنزال جثة الفارس القتيل وتسليمها لذويه!
أليس من حقنا كقوميين اجتماعيين، وكمواطنين سوريين، أن نقول لأولئك "الكتّاب" و"الكتبة": أما آن لكم أن تنتقلوا إلى فعل الحياة والمستقبل بعدما ملأتم الفضاء الإلكتروني بأفعال الموت والماضي؟
|