إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مآثر من سعاده " لا أبيع تضحيات القوميين وآلامهم بكنوز الارض كلها "

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2014-11-18

إقرأ ايضاً


هذا العنوان هو للامين الياس جرجي قنيزح، وقد تضمن كتابه، المطبوع مرة ثانية في آذار 2013 الكثير من المآثر التي سجلها عن سعاده، بحكم مسؤوليته كعميد للداخلية، فمديرٍ لمكتب الزعيم، ومرافقته سعاده في الكثير من جولاته الحزبية بعد عودته من مغتربه القسري عام 1947.

وهو كتاب يحمل الكثير من الشواهد على كيف كان سعاده يعالج المواضيع الحزبية، ويوجه القوميين الاجتماعيين الى اعتماد الاصول والقواعد والمثل التي يجب ان تُعتمد في الحياة الحزبية.

اما هذه المآثر، فنقلاً عن الامين نواف حردان.

*

يشرح الامين نواف في الصفحة 183 من كتابه "على دروب النهضة" كيف التقى رفيقاً، لطفي طرابلسي، كان يرغب ان يرشح نفسه للمقعد الكاثوليكي في الجنوب. وكان علم من الامين عبد الله محسن ان لطفي عضو قديم في الحزب يملك ثروة طائلة، ولكنه لم ينشط حزبياً، لا ماضياً ولا حاضراً.

يتابع:

" لقيته في مركز الحزب، فأسرع نحوي بلهفة عندما عرفني، وراح يلاطفني ويتحبب الي.. ثم اخبرني بأنه سيرشح نفسه للمقعد الكاثوليكي في الجنوب، وانه يعتمد في ذلك على اصوات القوميين.

اجبته بأنه لا يقدر ان يعتمد على ذلك، لان الحزب لم يتبنّ ترشيحه بعد.. وان عليه ان يذهب اولاً ويقابل الزعيم ويعرض الامر عليه. فأجابني:

- انا مستعد ان اقدم للحزب أية قيمة من المال يطلبها.

• أنصحك يا رفيقي بأن لا تعيد كلاماً من هذا النوع أمام الزعيم لأني أعرف سلفاً ما سيكون جوابه لك. واذا كنت تصرّ على ان تشتري المقعد النيابي بالمال. فاقصد احمد الاسعد او كاظم خليل، وادفع لاحدهما اكثر مما يدفع سواك من المرشحين فتصبح نائباً.

- سأرى ذلك فيما بعد. أما الان فأريد ان تأخذ لي موعداً من الزعيم لاقابله.

• سأسافر الى مرجعيون غداً لأقوم بتوزيع بيان انتخابي أصدرناه، وأعود بعد ثلاثة ايام. فإذا انتظرتني الى حين عودتي، أرافقك الى مقر الزعيم.

عرّجت في طريقي الى مرجعيون على النبطيه، فسلمت كمية من نُسَخ البيان للرفيق محمد امين الصباح مدير مديرية النبطية المستقلة، لكي يوزعها. وتابعت طريقي الى مرجعيون، حيث سلّمت كمية الى ناموس المنفذية الرفيق اسعد رحال (الامين لاحقاً) كي يوزعها في المنطقة الغربية من المنفذية: مرجعيون، دبين، بلاط، ابل السقي، دير ميماس، الخربة، القليعة، الخيام. وتابعت الى راشيا الفخار حيث ارسلت بعض الرفقاء، يوزعون البيان في المنطقة الشرقية.

اخبرني الرفقاء عند عودتهم بأن البيان احدث تنبهاً بين القوميين واهتماماً كبيراً بين المواطنين.

*

" عدت الى بيروت بعد ثلاثة ايام فوجدت الرفيق طرابلسي ينتظرني في المركز على احرّ من الجمر. وقد استغربت كثيراً إقدام ذلك الرفيق على ترشيح نفسه للنيابة واستماتته في سبيل ذلك. وبلغ استغرابي حد الاستهجان لتهافته على المركز، طالباً اصوات القوميين، هو الذي لم يكن له في صفوفهم مكان، ولم يشاركهم جهادهم وآلامهم وتضحياتهم بل كان بعيداً عنها في " نعيم الراحة ".

توجهت وإياه في سيارته الى ضهور الشوير، وقصدنا البيت الذي كان الزعيم يستقبل فيه زائريه. وما ان وضع الرفيق المكلف اسمينا في لائحة طالبي مقابلته، وكانوا يزيدون على العشرة اشخاص، بينهم الرفيق يوسف الخال، حتى دخل فقدمها له ثم عاد وقال لي: سيستقبلك الزعيم منفرداً يا رفيق نواف، ثم انت ورفيقك.

جلسنا ننتظر دورنا، الى ان استدعاني الرفيق المكلف فدخلت وحييت الزعيم الذي بادرني:

- ما وراءك يا رفيق نواف؟ -وتابع بلهجة شويرية – أيش عملتلنا من جديد؟

• لقد وزعنا البيان الانتخابي التمهيدي في الجنوب. وكان له وقع حسن في اوساط القوميين. كما قوبل باهتمام من قبل المواطنين. ومعي الان الرفيق الطرابلسي، آت يطلب موافقة الزعيم على ترشيح نفسه للنيابة عن المقعد الكاثوليكي في الجنوب. وهو يستميت في سبيل ذلك.

- ما هو وضعه الحزبي؟

• لقد انتمى للحزب سابقاً ومرّ به مرور الكرام، دون ان يترك أثراً على الاطلاق.

- وما هي اوضاعه الخاصة؟

•يظهر انه يملك ثروة طائلة، يعتقد انه بواسطتها يستطيع الحصول على النيابة، ولقد قال لي بأنه يقدم للحزب أية كمية يطلبها إذا تبنى ترشيحه.

فهز الزعيم رأسه ممتعضاً وقطب جبينه وعاد يسألني:

-وكيف برأيك يجب ان يكون موقف الحزب منه؟

-اني اكاد لا أصدق ما اراه منه، كما استغرب واستنكر تهافته وتراميه على الحزب، في هذه الايام فقط قبل الانتخابات، بينما لم يذكر ابداً انه قومي من قبل، عندما كان رفقاؤه يناضلون ويجابهون سلطات الاستعمار ويدخلون السجون، كما ان الكثيرين بينهم لا يزالون الى اليوم يكافحون ويتألمون ويعانون الشقاء والحرمان. اني اتعجب يا حضرة الزعيم من هذا الرفيق وامثاله، الذين بلغ بهم التهور حد التوهم أنه يجوز لهم استغلال تضحيات القوميين، لمجرد انهم سجلوا اسماءهم كأعضاء في الحزب، دون ان يعطوا البرهان على استحقاقهم شرف العضوية على الاطلاق.

•بالصواب نطقت، حضرة المنفذ العام. بالصواب نطقت. دعني الان انتهي من مقابلة الرفقاء والمواطنين الذين ينتظرون خارجاً. وبعد ذلك آتني بالرفيق طرابلسي لكي أتعلم منه السحر وأعرف الاساليب العجيبة المبتكرة، التي يلجأ اليها للحصول على اصوات القوميين، والصعود على ظهورهم وآلامهم الى مقعد النيابة.

حييته وخرجت أخبر الرفيق طرابلسي ان الزعيم سينتهي سريعاً من مقابلة الاشخاص الذين ينتظرون دورهم لكي يتفرغ لنا، وجلست أتشاغل بالحديث مع الرفقاء في أمور خارجة عن الموضوع.

وصل في هذه الاثناء الرفيق جبران جريج، قادماً من الشمال يريد مقابلة الزعيم لأمور انتخابية وجلس ينتظر دوره. فقدمت له الرفيق طرابلسي كراغب بترشيح نفسه عن الجنوب، فراح جبران يحدثه عن قوة الحزب في مرجعيون وراشيا الفخار وابل السقي وميمس وحاصبيا وجويا والنبطية وصور وقانا الخ.. وحكى قصة طريفة حدثت في راشيا الفخار، أثناء جولة حزبية قام بها في المنطقة. وكيف ان القوميين كانوا يقرعون جرس الكنيسة ليلاً ونهاراً، في اية ساعة تعرض احدهم للاعتداء عليه من قبل الشيوعيين، كإشارة متفق عليها، لكي يتجمعوا بسرعة، ويردوا على الاعتداء فوراً بهجوم صاعق رادع.

فكان ما سمعه الرفيق طرابلسي من جبران، حافزاً لاستزادة رغبته بترشيح نفسه. فبدا كثير الحماس فارغ الصبر لمقابلة الزعيم.

بعد مدة قليلة استدعينا للمثول امام الزعيم، وسمح للرفيق جبران بالدخول معنا.

قدمت الرفيق طرابلسي للزعيم، الذي سأله عن تاريخ انتمائه للحزب بعد ان جلسنا، فأجاب بأنه انتمى بأواخر الثلاثينات، ثم قال انه قادم للسلام على الزعيم، وإطلاعه بانه عازم على ترشيح نفسه للانتخابات عن المقعد الكاثوليكي في الجنوب، ولهذا يأمل ان يقرر الزعيم تبني ترشيحه ويوعز للقوميين في الجنوب بانتخابه.

سأله الزعيم عند ذاك فيما اذا كان تحمل مسؤولية ما في الحزب، وظل محافظاً على قسمه، فلم يتخل عن القيام بواجبه طيلة الاعوام الماضية، فارتبك الطرابلسي وبدا حائراً لا يدري ما يجيب. وأخيراً تشجع وقال:

-انا قومي. احتفظت بعقيدتي لنفسي وبقيت مؤمناً بها، دون ان امارس اي نشاط في الحزب او اتحمل مسؤوليات، لأن سلطات الاحتلال كانت تلاحق القوميين ولم يكن دخول السجن مجدياً نفعاً.

فأجاب الزعيم:

•ألا يرى حضرة الرفيق بأنه اذا ظل القوميون محتفظين بعقيدتهم لنفوسهم فقط، دون ان ينشطوا في أوساط الشعب، ويقوموا بالصراع اللازم من أجلها، الا يرى بأن الحزب يتجمد ويتراجع ويتوقف نموه فينحل، بدلاً من ان ينتشر ويتقدم ويسير الى امام لتحقيق اهدافه؟ لو ان كل قومي احتفظ بعقيدته لنفسه فقط، وتخلى عن العمل لأجلها. هل كان بقي هناك حزب قومي، وبقيت الرابطة موجودة بين القوميين تشدهم وتجمعهم، وبقي الايمان حياً فاعلاً في نفوسهم، يدفعهم لمجابهة الصعوبات وتحمل التضحيات؟ كلا يا رفيقي. ان ذلك لم يكن جائزاً لك. كما لا يجوز لأي قومي اقسم يمين الولاء، وعلى ممارسة واجباته في الايام الهينة والصعبة وتحت كل الظروف.

وأطرق الرفيق طرابلسي برأسه خجلاً. إلا انه عاد وتشجع فقال:

-أنا نادم على ما كان من اهمالي حضرة الزعيم، واني اعد بأن أقوم بواجباتي كاملة من الان وصاعداً، واعوض عن قصوري السابق.

•حسناً، سأنتظر اخبار نشاطك، فعسى ان تكون جيدة وسارة.

-سوف ابدأ نشاطي بترشيح نفسي للنيابة عن الجنوب، فأرجو ان يتخذ الزعيم قراراً بتبني ترشيحي.

•ان القوميين ينتخبون من يعرفونه جيداً، ويثقون بانه يؤمن ايمانهم ويكافح كفاحهم، فكيف تنتظر منهم ان ينتخوك، وهم لا يعرفون شيئاً عن نضالك الحزبي، ولم يسمعوا باسمك من قبل.

-انهم ينتخبونني إذا اوعز الزعيم لهم بذلك.

•ان المراكز الامامية في الحزب، يجب ان تكون للذين برهنوا قولاً وعملاً، بأنهم يكافحون من أجل عقيدتهم ويحاربون حربها، وانت لم تقم بشيء من ذلك. فلذلك لا يجوز مطلقاً ان تكون نائباً عن القوميين وان تمثل الحزب.

-انني مستعد ان ادفع للحزب اي مبلغ من المال، تفرضونه علي حضرة الزعيم، لقاء تبني ترشيحي.

فقطب الزعيم جبينه وأجاب بلهجة حاسمة حازمة:

•ان الكثيرين من القوميين لوحقوا وسجنوا وعذبوا وتحملوا كل انواع الاضطهاد، ولا يزال الكثيرون منهم الى اليوم يتعذبون ويتحملون كل انواع الشقاء والحرمان والالام، فلذلك يا رفيقي يجب ان تعلم ولا يغرب عن بالك قط، بأني لا ابيع آلام القوميين وتضحياتهم بكنوز الارض كلها. اذهب وادرس العقيدة أولاً، وكن قومياً صحيحاً. وعندما تصبح قومياً، تعرف كيف تناضل من أجل مبادئ الحزب، وتقدم من اجل ذلك التضحيات، يمكن ان يدرس الحزب امر ترشيحك في انتخابات قادمة، حتى ولو كنت فقيراً، لا تملك اموالاً وعقارات ولا مصانع.

-سأكون قومياً صحيحاً، ولن اتخلى مطلقاً عن عقيدتي، فاسمح لي بترشيح نفسي رجاء.

•انك تضيع وقتك ووقتي، اعلم جيداً اننا في هذا الحزب تعاهدنا على تحقيق امر خطير يساوي وجودنا، ان للحزب قواعد يسير عليها دائماً في اختيار مسؤوليه وممثليه، لا يمكن ان يحيد عنها ابداً.

وصمت الرفيق طرابلسي، وقد علم بأنه لن يتمكن من حمل الزعيم على تغيير رأيه.

*

" اني اخجل من رفقة اشخاص يتركون تحمل الضيم لسواهم

ويريدون حمل فخار جهاد لم ينالوا منه ولم ينل منهم "

سعاده

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024