إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الرفيق الاديب الياس مقدسي الياس

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2015-01-30

إقرأ ايضاً


الرفيق الياس مقدسي الياس هو من الرفقاء الأدباء الذين كان لهم حضورهم بدءاً من خمسينات القرن الماضي، تعريفاً عنه ننشر هذه النبذة، آملين من الذين عرفوه جيداً ان يكتبوا عنه، فلا يموت الأديب والفنان مرتين: أولى عندما يغيب بالجسد، وثانية عندما يغيب من ذاكرة حزبه، ومجتمعه.

*

في كتابه "من حواشي العمر" كتب الامين محمود غزالي عن صديقه ورفيقه الياس مقدسي الياس مقالة طريفة. يقول في الصفحات 60 – 64:

" فوجئت ذات يوم من أيام السنة 1955 بالرفيق الياس مقدسي يدعوني الى الغداء في مطعم العائلات الذي يشغله الامين عجاج المهتار. قبلت الدعوة وانا لا ادري ما الذي يقف وراءها إذ أنني لم يسبق ان اجتمعت والياس على غداء أو عشاء او حتى فطور قبل تلك الدعوة.

انطلقنا من مكتب الزوابع(1) في اتجاه ساحة الشهداء لنركب الترامواي الذاهب الى رأس بيروت، حيث يقع المطعم في مواجهة البوابة الثانية للجامعة الاميركية في مدخل شارع جان دارك.

في الطريق الى محطة الترامواي أكمل الياس في اتجاه سينما متروبول(2)، وإذ به يتناول اثنين من ساندويشات الطحال ومضينا نكمل الطريق باتجاه المحطة التي تقع تحت صيدلية بيار الجميل(3) حيث سيارات الاحدب(4)، وهناك التفت إلي الياس فإذا هو قد استهلك الساندويشتين وحوّل إلى مطعم القبرصلي يتناول منه ساندويشتين من النقانق كانتا زاده بين المحطة والمطعم المقصود.

عندما هممنا بالدخول الى مطعم العائلات، اعترضه الامين عجاج المهتار ليبلغه أنه لن يخضع معه لقاعدة المطعم، التي تقول ان الغداء الذي يقدم للزبائن على قاعدة ثلاثة صحون بليرتين، وان الياس سوف يتناول الطعام الذي يريد استثناءً بسعر نصف ليرة للصحن الواحد، عندها تبين لي ان وراء دعوة الياس إليّ للغداء كان محاولة إقناع إدارة المطعم، أنه يأكل أكثر قليلاً وآكل انا أقل قليلاً فخير ذا بشرّ ذا، لكن المحاولة لم تنجح وتمسك الامين عجاج بدعوتي الى الغداء على حساب المطعم، على ان يخضع الياس للإستثناء الذي ذكرت، وبالفعل تمّ ذلك وسدّد الياس ثمن الغداء ثماني ليرات عداً ونقداً، أي أنّه استهلك موجودات 16 صحناً إضافة الى الساندويشات الأربع السابقة الذكر.

عدنا الى مكتب الزوابع والياس لا يزال يشكو من هذا الإستثناء الذي لم يَطل سواه من زبائن المطعم.

ولم يمضِ بعض الساعة حتى أطلّت على المكتب إحدى الراهبات الشويريات، وهي تحمل بيدها وعاءً من المعدن، قال إنه كيلو من العسل الشويري أحضرته لابن أخيها أنطون غريب(5)، الذي كان غائباً آنذاك. وما ان استدارت الراهبة وتركت المكتب حتى التفت الياس إلى الرفيق منير النابلسي الذي كان يتمسك باسمه الجديد محمد مارون، فنقده ليرة لبنانية وكلّفه بشراء كيلو خبز ووقية زبدة، وأردف: " هلق بس يجي أنطوان مناكل من عسلاته لقمة ".

عاد محمد مارون بالخبز والزبدة وأقام الياس مقدسي في جوار سطل العسل ولم يفارقه في انتظار انطون لكن غيبة انطون طالت ولم يحضر، والياس لم يعد يستوعب اي حديث يجري على مسمعه، يروح ويجيء ويتسلى بقطعة خبز تغفر له أمام شهيته عذاب الانتظار.

لكن الوقوف أمام العسل من غير التعامل معه يضاعف العذاب ويجعل الانتظار عقوبة، لم يستطع الياس أن يصمد في وجهها فانهار وأمسك سطل العسل وفتحه ثم أمسك ربطة الخبز وفضها فقد انهزم أمام شهيته، فأخذ يمرغ الرغيف وراء الآخر بالزبدة ويغطيه بالعسل ويلتهم الجميع الى أن أجهز على العسل والزبدة والخبز، وبقي أنطون غريب حتى العام 2000 لا يدري أن عمته الراهبة حملت إليه عسلاً التهمه الياس مقدسي الياس.

*

وللياس تراث من الذكريات حول أمور رافقت نشاطه الأدبي وحركته الفكرية فهو حين أصدر روايته الأولى أمسك بسعيد تقي الدين وطالبه بكتابة مقدمة لقصته، فلبّى سعيد وكتب له المقدمة التي ملخصها ان الناس يدخلون الى بيت القصة من الباب او الشبّاك او من النافذة الصغيرة، أما الياس فلم يترك لبيت القصة باباً ولا شباكاً ولا سقفاً ولا جدراناً حين دخله.

في فترة امتدت سنوات في الخمسينيات حمل الياس مقدسي الياس إسم أحمد مهدي الإمام وأصدر سلسلة من الكتب يناقش فيها الفكر الشيوعي في ضوء ممارسات قادته من روسيا إلى سوريا وكان في بعض الأحيان يحتاج إلى تدقيق في لغة الكتابة فيستعين بي لهذه الغاية، وكنت أطمئن إلى أن أحمد مهدي الإمام في حالته الطبيعية ساعة أرى إلى جانبه كدسة من الأرغفة، وكمية من مكعبات الجبن، فكان يوزع اهتمامه بين الكتابة والأكل حتى إذا استهلك الخبز والجبن اعتذرت عائداً الى بيتي خشية أن يتناولني في لحظة جوع.

*

في مؤلفه المجزرة الكبرى "الصادر عن دار المشرق الجديد" عام 1988 يورد الرفيق مقدسي الياس النشاطات الأدبية السينمائية التي قام بها منذ العام 1953:

• الشوق البعيد: قصة إنسانية فازت بجائزة أدبية 1953

• ليته لم يعد: مجموعة قصص اجتماعية 54/1955

• نخب الهزيمة: مجموعة قصص اجتماعية 56/1957

• حتى يلوح الفجر: سيناريو فيلم سياسي إنساني الأبعاد 57/1958

• المواطنون المجهولون: (العم برنارد) ملحمة تاريخية تقدم شريحة من الحرب الأهلية الأميركية 58/1959

• اعصار في الظلام: قصة إنسانية فازت بجائزة أدبية 1960

• وأخيراً أطلَ القمر: مسرحية مثيولوجية كنعانية 1961

• جيف محنطة: دراما تاريخية بأجواء عبثية معاصرة 1963

• قصر الأحلام: سيناريو فيلم روائي/ وثائقي يمزج اماضي بالحاضر، وفاز بعدة جوائز تقديرية 1964

• انتصار المنهزم: سيناريو فيلم مثل لبنان بعدة مهرجانات 1965

• ضائع في الزحام: سيناريو فاز بجائزة المركز الوطني للسينما 1967

• لبنان ذات صيف: سيناريو شريط وثائقي روائي 1968

• فلسطين، فلسطين: ملحمة انسانية يتداخل الماضي بالحاضر 1969

• حاكم المدينة: مهزلة الحكم والحكام في زمان ما 70/1971

• جولان، جبل الشيخ: سيناريو حرب تشرين التحريرية 73/1974

• المطلوب رجل واحد: سيناريو فيلم ملحمي فاز بجوائز تقديرية 74/1975

• التلال الغائرة: دراما إنسانية مستقبلية الرؤية 75/1976

• أنشودة السماء: سيناريو فيلم وثائقي متوسط الطول 1976

• رحلة السندباد الثامنة: سيناريو ميوزيكال تاريخي غنائي راقص 78/1983

• الجلاد والضحية: دراما إنسانية تجري أحداثها في الصحراء الليبية عام 1941 إبان الحرب العالمية 79/1984

• الصفقة الاخيرة: بوليسية يمتزج فيها الحاضر بالماضي، نشرت على حلقات في مجلة "الاسبوع العربي" 1984

• ملاك الموت يعود ثانية: دراما تروي بعض إفرازات الحرب اللبنانية نشرت على حلقات في " الاسبوع العربي " 1985

• صرخة الحرية: ملحمة بطولية فازت بالجائزة التقديرية الكبرى من المركز الوطني للسينما اللبنانية 1986


وفي "المجزرة الكبرى" يورد عن المؤلفات التي اعدها للصدور:


• صراع الأنكو والآلهة: ملحمة شعرية تختصر أربعة ملايين سنة من عمر الكواكب والمجرات من خلال الأنكو الطائر الأسطوري وصراعه الدامي مع الآلهة.

• سيراميا والاسكندر: ملحمة تاريخية تتناول فترة من تاريخ البابليين أيام الإسكندر المكدوني وعشقه للأميرة البابلية سيراميا ودفنه في أرض بابل المقدسة.

• الضفة الثانية: ميلوديا درامية تجسد الصراع الإنساني من خلال فتى يجابه مصيره وحيداً عام 1941 في القامشلي على جسر نهر الجقجق العتيق، يوم فاضت مياه النهر، وجبن الآخرون عن اجتياز الجسر المهدد بجرف النهر له بين لحظة وأخرى.

• كنوز الملكة زنوبيا: بوليسية عصرية يمتزج فيها الحاضر بالماضي، ومن خلال عملية مثيرة للإستيلاء عن أثمن كنوز الدنيا وأندرها، كنوز الملكة زنوبيا.

• لتنفتح بوابات العبور: ميلوديا درامية ودعوة لفتح بوابات العبور بين شعوب الدنيا وأممها تجري أحداثها في القدس.

• البحث عن المجهول: رحلة عصرية مثيرة في مجاهل الأغوار بحثاً عن "كنوز أسرار الكون الكبرى" للوصول الى المعرفة وإدراك الحكمة والنور.

• الصرخة الخرساء: ميلوديا درامية تقدم شريحة دامية من إفرازات "الحرب على لبنان" وموجة الخطف على الهوية وتوزيع الجثث على الأحياء لبذر الأحقاد والكراهية وإضرام نار الحرب لتبقى وتستمر.

• همسات الضياء: رحلة من انطلاقة الشعر والموسيقى والخطوة الراقصة من بلاد الرافدين عبر ثلاثين ألف سنة من عمر الحضارة الإنسانية.

*

قالوا فيه:

الرفيق سعيد تقي الدين ا آذار 1955

حين انت تطوف ببيت القصة وتجد الياس مقدسي الياس من ساكنيه، لا تسله كيف وصل الى هناك، إنه لم يثب إليه من النافذة، ولم يتسلل عبر الباب، ولم يخلعه، لقد هدّم حيطان البيت الاربعة ودخل!

وذلك لا يضيره، لم يدخل الناس البيوت من ابوابها إن كان في وسعهم ان يقحموا حيطانها ؟

... الحيوية الزخّارة المتفجرة شيء ينتزع الاحترام، وجوهر النجاح في كل نشاط، وهي في الياس مقدسي الياس عامرة تخلق وتؤلف، تجمع وتكدّس، وتُبدع ما بقي حلماً في ظن النخبة.

*

الرفيق الدكتور ذو الفقار قبيسي 17 أيار 1985

يا لنبوغ الكاتب الكبير سعيد تقي الدين وبُعد رؤاه، عندما استنشق من نتاجك، منذ ثلاثين سنة، شذا العبقرية المبكرة، وكنت يومها فتى، بالكاد جاوز العشرين، فكتب ما كتب عنك:

تقتحم بيت القصة عنوة، لا تعبر إليه من الباب، ولا تسللاً من الكوى والنوافذ، بل تهدم الجدران، جدران بيت القصة وتدخل. ذلك لانك إنتويت، والأدق، إنتدبت لتحقيق رسالة كبرى تساوي حقيقة وجودك!.

... إن ما تهدف إليه ليس ترفاً فكرياً فنياً، ولا رد التحدي الى عمالقة الدراما من قدامى ومعاصرين، وقذف قفازك في وجوههم، إمعاناً في تحديهم، بل كما تسوّغ ذلك بقولك: "إنسجاماً وحياتنا المعاصرة ونحن نقف على اعتاب القرن الحادي والعشرين، حيث كل ما يحيط بنا يعدو لاهثاً، وإن لم نواكب العصر، فنحن نعاني من التقصير الإبداعي ونعيش في كهوف الماضي ومغائره، ونسافر برفقة القوافل في عصر اختراق الطائرات النفاثة لجدار الصوت وعبور الصواريخ للقارات في دقائق".

... ألم يكن سعيد تقي الدين مُحقاً، وذا رؤية مستقبلية تستشف حجب المستقبل، عندما كتب عن موهبتك الزخارة المتفجرة التي تكتب وتكدس وتبدع ما بقي حُلماً في ظن النخبة، فـ"تهدم بيت القصة" لتشيده من جديد، برؤية جديدة وبمفاهيم حياتية ودرامية لم تمر حتى للعمالقة ببال ؟

*

الدكتور جورج المر

(رئيس المركز التربوي للبحوث والانماء)

هل اقول عن "المجزرة الكبرى" انها معجزة درامية، وأن مؤلفها الروائي الطليعي الياس مقدسي الياس قد بلغ فيها ما درج كتّاب الغرب وصحفيوها على تسميته بـ"الإعجاز الدرامي" ؟

بلى إنها لكذلك ففي رحلة تقع في حيز زمني انحصر ضمن ساعتين فقط، يصطحبنا الكاتب الى "واقعة" واقعية من إفرازات الحرب اللبنانية، هي الاغرب والاكثر دينمية في تدافع احداثها المذهلة بين سائر ما قرأت من روائع درامية، محلية وعالمية، وتتناول الإنسان ووجوده الإنساني في العمق، وهو إزاء مصيره ومجابهته لمستقبله.

ومن "قضية فولفو ملغومة" أجبر اربعة مسلحين الدكتور هرمز، بعدما اقتحموا دارته المنعزلة في الجبل واتخذوا من أسرته رهينة، وخيّروه: إما ان يُفجّر الفولفو في مكان عام ومزدحم من بيروت ويحصد عشرات الضحايا البريئة، وإما ان يعدم القتلة الرهائن في الساعة العاشرة ؟.

ويتنقل بنا الكاتب عبر هذه الدراما الى رؤية جديدة عن "حرب الآخرين بحق لبنان" وعلى امتداد ثلاثة عشر عاما، كاشفاً عن عمق معاناة اللبناني عامة، وأطفال لبنان بخاصة، حتى لتخال، في كثير من المواقف، ان هذه الدراما قد اتخذت من إطارها العام وسيلة لإظهار ما اصاب الاطفال من جور وظلم.

ولا يتوقف كاتبنا عند هذا كله، بل يوغل بنا الى ابعد فأبعد، الى مأساة الانسان المعاصر في كل مكان من كوكبنا هذا، وما يعاني 70% من الجنس البشري من صلافة العيش والفاقة والتخلف العلمي والحياتي، فيما انحصر هم قادة العالم لا بإسعاد الإنسان ومنحه "فسحة ليلتقط فيها انفاسه المتعبة" بل في التسلح وتطوير آلة الحرب والدمار، دمار كوكبنا هذا بما يختزلونه من قدرات نووية هائلة بإمكانها تدميره 86 مرة وتحويله الى ذرات صغيرة تضيع في الفضاء اللامتناهي بين الكواكب والمجرات.

جميع هذه الطروحات المصيرية يسوقها الياس مقدسي الياس ضمن إطار درامي تنحصر وقائعه في ساعتين من الزمان وتبدأ في الثامنة من صباح 9 آب 1976، وتنتهي في العاشرة من الصباح ذاته. وتطبق خلالها الاحداث على أنفاس القارىء، بمواقفها الدرامية المتصاعدة، الى حد الاختناق. وفي الوقت ذاته تثير لقطات اخرى القشعريرة في أعماقنا لما تحتويه من مشاهد طافحة بالشاعرية واللمسات الإنسانية الحاذقة.

معجزة هذه "الميلوديا الدرامية" انها تبدأ من الجزء، جزء من الزمان، وجزء من الحياة، وجزء من المجتمع اللبناني. وتوغل في الكل، في كل لبنان، وفي مصير الإنسان في كل مكان وزمان.

ويقيناً مني أن هذا الأثر الدرامي يجب الا يكتفي بدراسته كمرجع أساسي لطلاب الجامعة والتعليم العالي، بل سيكون مفيداً، وعلى اكثر من صعيد، للروائي والمسرحي وللاستاذ المحاضر في الادب والدراما ليهتدي ويهدي الآخرين الى كيفية التخلص من المدارس الكلاسيكية البالية، والأساليب الروائية المترهلة.

وبقدر ما تتجذر "المجزرة الكبرى" في افرازات "الحرب على لبنان" بقدر ما تهم الانسان في كل مكان وزمان. وإن "جائزة نوبل للأدب" صغيرة صغيرة إزاء هذا الأثر الدرامي الطامح ومضامينه الإنسانية الكبيرة وبنائه المذهل الذي بلغ فيه الياس مقدسي الياس الإعجاز الدرامي!

هوامش

(1) جريدة قومية اجتماعية كانت تصدر اسبوعياً في خمسينات وستينات القرن الماضي.

(2) كانت تقع في مواجهة سينما امبير، اول شارع غورو (الجميزة).

(3) كانت صيدليته تقع في شرق ساحة الشهداء قرب مخفر الشرطة.

(4) متعهد الباصات الى، ومن مدينة طرابلس.

(5) عميد الاذاعة، مدير عام "البناء" الى مسؤوليات مركزية اخرى. خسره الحزب منذ ما يقارب السنتين .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024