إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حرستا: مقبرة القناصين خارج الخرائط العسكرية

مرح ماشي - الاخبار

نسخة للطباعة 2018-03-24

إقرأ ايضاً


مع العام الثامن للحرب السورية تتدفق مدينة حرستا في وجدان السوريين، على شكل ذكريات بعيدة. 5 كيلومترات فقط إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق، تفصل المسافرين عن مدخل المدينة الأساسي. بوابة الغوطة الشرسة، التي سمحت بإغلاق الأوتوستراد الدولي نهائياً، في وجه المسافرين، بإمطاره بالرصاص والقذائف، تعود أخيراً جزءاً من البلاد. غير أن ذكريات الماضي لا تشبه مشاهد الحاضر. على دفعات، خلال اليومين الماضيين، خرج مسلحو حرستا، وأغلق الجيش الباب على مرحلة مريرة خسر خلالها الكثير من الجنود والضباط والمدنيين المسافرين، ليبدأ بتمشيط المدينة بعد سنوات من خروجها عن السيطرة. من شروط المسلحين الغريبة أن لا يخرجوا من حرستا في باصات خضراء، فاختارت الدولة إرسالهم شمالاً عبر عشرات الحافلات البيضاء. لعلّ اللون الأخضر أضحى غريباً فعلاً وسط السواد المحيط، والركام المسيطر على المشهد، فضلاً عن أنه بات رمزاً لذلّ للخارجين شمالاً من «الثوار» المستسلمين. المسلحون الذين أوسعوا المسافرين موتاً فجّروا أحد مستودعات ذخيرتهم، قبيل رحيلهم، فيما تمكن الجيش من ضبط أكبر خنادقهم الممتدة بين حرستا ودوما ومديرا، يكفي عرضها لعبور سيارات. وهُنا لا بد من الإشارة إلى الأنفاق كأحد أسباب عناد مسلحي هذه المنطقة وتحصينهم مواقعهم في وجه أي تقدم للجيش. وهو أيضاً من أسباب اعتبار السفر عبر الأوتوستراد الدولي الذي يشطر حرستا إلى شرقية في أيدي المسلحين، وغربية في يد الجيش، رمزاً للمخاطرة والتهور، طوال سنوات الحرب، حتى إغلاقه نهائياً عام 2014. وكان أن تحول مدخل العاصمة السورية، الذي يربطها بالشمال، إلى طريق التل، الذي يزيد قرابة ساعة من الزمن على طول أي رحلة إلى دمشق.

لقّب السوريون المدينة أيام الرخاء بـ«حرستا البصل»

وحتى إغلاق الأوتوستراد، فإن طريق حرستا كان مقبرة المسافرين اليومية، إذ بدا من البديهي سماع دعاء المسافرين المضطرين أن ينشغل القناص عنهم، فيما يحاول السائقون تحييد طريقهم عن الآليات المنقلبة على أعقابها، والجثث المتدلية منها. وريثما يصل الناجون إلى حاجز الموارد المائية الشهير، ويخاطبهم عناصره بعبارة يعنونها فعلاً: «الحمدلله عالسلامة»، كان يمكن استراق النظر نحو مراكز متوقعة للقناصين. على تلك المفارق المتهالكة وبين المباني المتهدمة لم يكن يمكن توقع وجود أي مدنيين. موت مجهول المصدر، متربص بالعابرين، وفجوات في الجدران العالية، وشُرف الشقق المهجورة توحي بأنها مأوى الأشباح.

«حرستا البصل» ومعارض السيارات

وإذ أصبحت حرستا مدينة أشباح، خلال عمر الحرب، فإن السوريين لقبوها أيام الرخاء بـ«حرستا البصل». لم تخلُ جنائن بيوتها من شتل البصل، بوصفه أحد أهم مزروعاتها، الذي تعيش أسر عديدة على مردود بيعه لأسواق العاصمة. ويرفض بعض أبنائها التسمية، على اعتبار أنها أرض الزيتون العتيق، حيث يصل عمر بعض أشجار زيتونها إلى مئات السنين. وهي التي تزرع الخُضَر المتنوعة، لطالما اشتهرت بصناعة الألبسة. أما العنب، فكان المحصول الأبرز على طول الطريق إلى مدينة دوما، التي تتبع لها إدارياً. وكما أصبحت معاصر الزيتون نصف الآلية فيها ذكريات، بما في ذلك معصرتها التاريخية الشهيرة، التي تعود إلى ما قبل 150 عاماً، خلال فترة الوجود العثماني، فقد أضحت ورش الخياطة فيها من الماضي أيضاً. فيما 200 صالة عرض لأحدث وكالات السيارات تتناثر على جانبي الأوتوستراد الدولي، خرجت عن الخدمة منذ سنوات، واستحالت خراباً مهولاً وزجاجاً مكسّراً وذكريات موجعة لأصحابها. ولعلّ هذا المصير المحزن للمدينة الحيوية، يأتي من معنى اسمها المشتق من الآرامية: «الأرض الخشنة»، وهي كذلك ببساتينها وافرة الصخور. ومع هذه الخشونة، فقد تمكن الجيش من تطويقها خلال الأيام الماضية ليصل إلى نقاط متقدمة من بساتينها، قبل التسوية الأخيرة، التي سمحت بإخراجها تماماً من خرائط المدفعية وسلاح الجو، كمدينة «خالية من الإرهاب». أحد العسكريين السوريين في المدينة يرى أن صمود إدارة المركبات شكّل دفعاً للعمليات العسكرية، وصدمة للمسلحين، ما سرّع استسلامهم. وهو ما يجمع عليه كثر، إذ تعتبر إدارة المركبات أكبر مراكز الجيش في المنطقة، ممتدة على مساحات واسعة بين المدينة وعربين ومديرا. وشكلت «الإدارة» مع القوات المتمركزة في الأمن الجنائي، حجر عثرة في وجه محاولات التقدم المستمرة للمسلحين. يعتبر العسكريون في المنطقة أن استعادة حرستا من شأنها تسريع إعادة تأهيل الأوتوستراد الدولي للعمل، بعد السيطرة على بقية البلدات القريبة. يقول أحد العسكريين: «سيعود سكان دمشق إلى اختصار وقتهم، بعدما زادت الصعوبات وضاع الوقت من جملة ما ضاع، خلال الحرب».

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024