على رغم عودة المشاريع الزراعية والصناعية إلى الغوطة تدريجياً، إلا أن عملية إعادة الإعمار لا تزال تسير ببطء يثير استياء الأهالي الذين يريدون العودة إلى مناطقهم، والاستقرار فيها، بما من شأنه أيضاً تخفيف أعباء الضغط المعيشي الذي تعيشه العاصمة جرّاء النزوح إليها من أريافها
دمشق | لم يبتعد بعد شبح الحرب عن سماء دمشق. لا يزال بإمكانك أن ترقب أعمدة الدخان الصاعدة من حيّ القابون الدمشقي على أطراف العاصمة، وأن تستشعر ضغط الصوت الناجم عن تفجير أحد الأنفاق تحت المباني المتهالكة والمتضرّرة. مشاهدُ تستثير تساؤلات تلقائية حول إمكانية عودة أهالي الغوطة. مع ذلك، وعلى رغم المأساوية الممتدة بدءاً من الأحياء الواقعة على أطراف العاصمة والتي لطالما شكّلت امتداداً لشريط ناري أحاط بدمشق، فإن إعادة الإعمار والخدمات تمثل مطلباً مشتركاً لجميع أبناء هذا الشريط المدمّر.
الحكومة السورية، وعلى طريق إثبات جدّيتها في المضيّ قدماً في مشاريع إعادة إعمار ما دمرته الحرب هناك، وجدت من الضروري تشجيع عودة الأهالي من خلال تقديم الخدمات اللازمة لهم، وتسهيل حصولهم على موارد زراعية أو صناعية، وتمويل مشاريع صغيرة لهم تساهم في تخفيف أعباء الضغط المعيشي وغلاء الأسعار في العاصمة. وعلى الرغم من حالة التململ التي يُبديها الأهالي من التباطؤ في إعادة الخدمات إلى المناطق المنكوبة، إلا أن إصلاح الطرق وتمديد الكهرباء وتأهيل البلديات قد حصلت واقعاً في المناطق الممتدة من القدم حتى صحنايا. تذكر مروة أيتوني، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها، أن الصناعيين الذين عادوا إلى عجلة الإنتاج تمكّنوا من تأهيل منشآتهم بأنفسهم، أمّا «مَن لم يستطع أخذ زمام المبادرة المادية واحتاج إلى قرض، فقد لجأ إلى غرفة الصناعة التي بادرت إلى التوسّط بين الصناعيين والحكومة لمنحهم قروضاً بفوائد ميسّرة وبفترات سماح، وطول مدة الاسترداد»، إضافة إلى «دعم شراء المواد الأولية». وتلفت أيتوني، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنها التقت رئيس هيئة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في ما يخص المناطق التي تحتوي على ورش صناعية ومنشآت صغيرة، بهدف دعم الهيئة للصناعيين عبر دفع نصف الفوائد للمصرف. أما في ما يتعلق بالصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر، فتشير إلى «تأمين قروض ميسّرة جداً لأصحابها، إضافة إلى إيفادهم لحضور معارض صناعية داخلية بتغطية من الهيئة نفسها، كمساعدة لتوسيع مشاريعهم». وباعتبار مناطق كثيرة قد أضحت خارج الخدمة إثر الدمار الكبير، كالقدم مثلاً، فقد جرى إيقاف عودة الصناعيين حتى يتم إصلاح ما يمكن إصلاحه. لكن، بحسب أيتوني، لا يزال «تأسيس ورش صغيرة أمراً وارداً لتشغيل اليد العاملة الموجودة في هذه المناطق». وتضع أيتوني الصناعات الغذائية على رأس قائمة الصناعات التي عادت إلى العمل على أطراف العاصمة، تليها صناعات البيتروكيماويات والبلاستيك التي يجري تصديرها أيضاً، فيما لم تتوقف صناعة المنظفات والألبسة خلال الحرب، بل تطوّرت بحسبها. وتضيف أن «من يريد استيراد مواد للصناعة تساهم الدولة السورية في دعمه من خلال تأمينها بالعملة الصعبة المدعومة من المركزي».
*تواجه محافظة دمشق اتهامات بـ«التقاعس» عن العمل في ملف إعادة إعمار مخيم اليرموك*
يشكّل التركيز على استعادة الزراعة كمورد أساسي للعيش في ريف دمشق إشارة مهمة إلى عودة الحياة تدريجياً إلى ما كانت عليه، وخصوصاً أن الغوطة لطالما مثّلت سلّة دمشق الغذائية. وفي مواجهة اتهامات التقصير في دعم الإنتاج الزراعي، يشرح عضو اتحاد غرف الزراعة السورية، عمر الشالط، مدى التركيز على استعادة زراعة منتجات، مثل الوردة الشامية والمشمش الذي اشتهرت به الغوطة بهدف تحسين الزراعة ونوعيتها. ويقول الشالط، في حديث إلى «الأخبار»، «(إننا) نستهدف الأسر الفقيرة من أبناء الشهداء والجرحى (...) وقد وزّعنا 2800 حديقة منزلية خلال الموسمين الشتوي والصيفي». ويضيف أن «البرنامج التالي سيكون لـ1500 أسرة من الأشدّ فقراً في الغوطة خلال موسمين أيضاً، وبمساحة حديقة أسرية تصل إلى 500 متر». ويتابع الرجل الذي يشغل منصب رئيس جمعية مصدّري المنتجات النباتية أيضاً، شرحه عن وحدات التصنيع التي تندمج فيها الأسر في إطار تصنيع منتجات غذائية ريفية كرُبّ البندورة والأجبان، بينما يكون دور الدولة السورية هو تقديم آلات بقيمة مليونَي ليرة لشراء مستلزمات التصنيع.
مخيم اليرموك: هل الإعمار قريب؟
على رغم ما تقدّمه الحكومة من مساعدات لدعم القطاعين الزراعي والصناعي في الغوطة الشرقية، إلا أن كلّ هذه الجهود لا يبدو أنها تندرج في إطار استراتيجيات بعيدة المدى. وفي هذا الإطار، تواجه محافظة دمشق اتهامات بـ«التقاعس» عن العمل في ملف إعادة إعمار مخيم اليرموك أيضاً. المخيم الغني، الذي لا يشبه المخيمات في أيّ مكان آخر، والذي شكّل سوقاً اقتصادية حيوية للدمشقيين والفلسطينيين على حدّ سواء، أضحى اليوم عاجزاً وخارجاً عن الحسابات الاقتصادية والاجتماعية. ويعلّق مصدر في محافظة دمشق على هذه الاتهامات بـ«تأكيد التعاقد مع الشبكة العامة للدراسات الهندسية، والتي قدّمت 3 حلول لتنظيم المنطقة». ويشير المصدر إلى «خصوصية ملكية منطقة اليرموك التي تُعتبر في أجزاء منها أملاك مؤسسة، أي غير خاصة، وبشرح أدقّ فإن الشاري يملك ما بني على العقار ولا يملك العقار، ما يعني عدم إمكان تطبيق المرسوم 10 الذي يتيح استملاكاً قانونياً يحوّل الملكية العقارية إلى أسهم تنظيمية». ويَعِد المصدر بـ«انتقاء الحلّ الأمثل بما يتوافق مع طبيعة المنطقة بعد الانتهاء من دراسة الملف». كما يلفت إلى أن «القابون منطقة تنظيمية يُطبَّق عليها المرسوم رقم 10، وهذا ما يتم العمل عليه حالياً (...)». أما «التضامن»، فقد جرت، بحسبه، «إعادة 800 عائلة إليه، فيما تجري معالجة وتفجير بعض الأنفاق». ويوضح المصدر أن «العقارات القابلة للسكن هي المترابطة إنشائياً وغير المتصدّعة، والعودة إليها تتطلّب فقط شرط الحصول على الموافقات اللازمة».
|