بين أصعب التحديات التي تواجهها الحكومة السورية، تبرز مشكلة المُسرّحين من الجيش السوري ومتطلبات حياتهم الجديدة في مقابل تعويض مادي زهيد، فيما آلاف عناصر «الجيش الشعبي» الرديف للجيش ينتظرون تسوية أوضاعهم بالتسريح أو حفظ الحقوق المادية
تمضي السنوات على المقاتلين في صفوف الجيش السوري والتشكيلات الرديفة له، من غير أفق واضح. الآلاف من عناصر تلك التشكيلات مِمَّن سُمح لهم بتسوية أوضاعهم لإلحاقهم في صفوف الجيش، ينتظرون بلا هدف. وعلى رغم أن جميع القوانين المعترف بها تسري عليهم، إلا أن «التسوية» بقيت مجمّدة إلى الآن. بالعودة إلى تاريخ القضية، فإن بدايتها كانت في وقت مبكر من عمر الحرب، مع بروز تشكيلات مقاتلة رديفة للجيش، وانضمام أعداد كبيرة من المتخلّفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية إلى صفوفها، لأسباب تتعلق بالرواتب المرتفعة لدى بعضها، ولا سيما في ظلّ وجود موازنات مالية مستقلة لها عن الجيش. مقارنة المردود المالي بين مقاتلي الجيش وقواته الرديفة بدت منطقية في حينها في نظر المنتسب.
*لا ينال المسرَّحون الموظفون تعويضاتهم حتى التقاعد*
ومع كثرة المشاكل التي ظهرت حول هذه التشكيلات، ومنها عدم اعتبار شهدائها «شهداء عسكريين»، أي لا حقوق لهم أسوةً بشهداء الجيش، أُصدِر قرار في عام 2017 بتسوية أوضاع أفرادها وإلحاقهم بصفوف الجيش، وتحديداً «الجيش الشعبي»، لتُطبَّق بحقهم القوانين النافذة، وبحكم الدستور. العديد من الشبان قدّموا الأوراق الثبوتية والبيانات اللازمة لإتمام هذه التسوية، ولكن الملف بقي معلقاً من غير أي تطور، ليصار إلى معاملتهم كما لو أنهم خارجون عن القانون، على الرغم من أن أعدادهم تصل إلى 80 ألفاً، فيما سُوِّيَت أوضاع ما لا يزيد على 3 آلاف عنصر منهم عند صدور القرار، وهم من مواليد عام 1981 وما بعد، ليُسرَّحوا لاحقاً من غير حقوق مادية.
«تسريع الإجراءات»!
تحضر تساؤلات عديدة عن إمكان وضع القطاع العسكري على أولويات الإصلاحات الإدارية، وتوفير جهد أفراده ووقتهم. العسكريون هُنا يطالبون بشيء واحد فقط، هو تسريع الإجراءات لِمَن هم «قيد دراسة التسوية». المضيّ إلى دوائر الدولة لاستصدار بيان عائلي أو إخراج قيد يبدو ضرباً من المستحيل، بالنسبة إلى كلّ من هو «قيد تسوية» التشكيلات الرديفة. يتحرك وسام على الحواجز متنقلاً بين المناطق، في حالة توجس دائمة. توقفت حياة الشاب تماماً، إذ لا يمكنه الحصول حتى على «بطاقة ذكية» لعائلته، فهو بحكم المتخلّف عن الجيش. يوضح الأمر قائلاً: «في مطلع آب الفائت سلّمنا أوراقنا. القضية تركزت في قسم الموارد البشرية في هيئة الأركان المكلفة إصدار لوائح الأسماء وإرسالها إلى الجهات المختصة للدراسة، في انتظار إحالتها مجدداً على شعب التجنيد. منذ ذلك الحين لا تسوية لأي كان». ويضيف: «يمكن عناصرَ الشرطة اقتيادنا إلى السجن في أي وقت، لإحالتنا على الجيش، مع أن الكثير منا يقاتلون في صفوف الجيش فعلياً، وهم لم يقبضوا ليرة منذ سنوات. كل ما لدينا بطاقات تقول إننا في الجيش الشعبي». وسام الذي تقدم إلى التسوية منذ أقل من عام، يعرف أن عليه «خدمة سنة ونصف سنة» فيما لو أُقرت التسوية، بينما الآن يمكن أن يخدم لسنوات. ولا بد هُنا من الإشارة إلى أن الكثير من هؤلاء المقاتلين لم يكونوا قد طُلبوا إلى الخدمة الإلزامية حين التحاقهم بالتشكيلات الرديفة، فقاتلوا على معظم الجبهات وما زالوا مستمرين، غير أنهم بحكم المتخلّفين، بعدما سلّموا هوياتهم العسكرية والمدنية، كلّ بحسب خدمته، فيما استشهد الكثيرون منهم، فاعتُبروا «شهداء مدنيين».
المسرّحون يعانون أيضاً!
حملت «الأخبار» أسئلة هؤلاء الشبان إلى عدد من أعضاء مجلس الشعب، وسط اهتمام بعضهم بملف القوات الرديفة. النائبان نبيل صالح وجانسيت قازان، أخذا على عاتقهما نقاش الملف تحت قبة المجلس، مع محاولة إحالته على «لجنة الأمن الوطني». ولا بد من الإشارة هُنا إلى أن واقع الحرب المستمرة قد لا يسمح بوضع ملف أفراد التشكيلات الرديفة كـ«همّ أول» في الجيش، حالهم حال المسرّحين. بعض هؤلاء تخلّوا عن تعويضاتهم في ظلّ الإجراءات المريرة التي قد تتطلب شهوراً من الجري بين الدوائر الرسمية لتحصيلها. وتتفاوت التعويضات بحسب وضع المسرّح ورتبته، إن كان ضابطاً أو صف ضابط أو موظفاً أو غير موظف. وإذا كان المسرّح موظفاً، فإن قيمة التأمينات الاجتماعية تضاف إلى تعويضه عند التقاعد. ويُقدّر تعويض الخدمة بما يسمى «بدل إجازات»، حسب سنوات الخدمة ومقتضيات كل حالة، وهو واحد لكل القطع العسكرية. يجري حساب التعويض كراتب شهرين لكل عام من خدمتَي الاحتياط أو الاحتفاظ. وعليه، فإن مسرّحي «الدورة 102» مثلاً نالوا مبلغاً بين 580 ألف و700 ألف ليرة (نحو 1500 دولار)، بحسب الرتب العسكرية. يذكر زياد، وهو مسرّح وموظّف، أن الدفعات تتأخر بحسب الحالة، حتى إن مُسرّحين من بعض القطع العسكرية لم يقبضوا تعويضاتهم حتى الآن. ويركز الشاب على الإجراء الروتيني الركيك المتمثل بحصول العنصر على إشعار أو إيصال من قطعته العسكرية يسلّمه لـ«الوحدة المالية 205»، لينال كشفاً مصرفياً يحصل بموجبه على تعويضه من مصرف سوريا المركزي. ويعلق على الأمر بقوله: «المبلغ زهيد أمام سنوات الخدمة وكثرة الإجراءات. الأسوأ أني أحتاج التعويض الآن وليس عند التقاعد. المبلغ ربما يتجاوز مليون ليرة، فماذا أفعل مبلغ كهذا عند التقاعد!».
وبفعل قرار الحكومة السورية صرف راتب شهري يُقدَّر بـ35 ألف ليرة للمسرّح غير الموظف لمدة عام، بما يكفل له الوقت للحصول على عمل، شعر المسرّحون بالقليل من الأمل. غير أن مسرّحي «الدورة 102» أنفسهم شعروا بغبن كبير، إثر صدور قرار بعد تسريحهم يقضي بتعويض بدل الإجازات بما يعادل رواتب أربعة أشهر بدلاً لكل عام من الخدمة. يعلّق محمد، أحد عناصر تلك الدورة المسرّحين على الأمر قائلاً: «نلتُ 600 ألف ليرة، بينما نال من تسرّح بعد شهر ما يقارب مليوناً و200 ألف. لم نفهم لماذا استُثنينا من الاستفادة من القرار».
|