القوات اللبنانية جزء من تحالف يضمّ أيضاً تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في إطار ولاء إقليمي ودولي للأميركيين والسعوديين، من المفترض إذاً أن تكون سياسات هذا المحور موحدة وشديدة التنسيق بقيادة الفريق الحريري إلى جانب عزفٍ تويتري شبه منظم من الوزير السابق وليد جنبلاط.
لكن ما جرى من مشاحنات في الجلسة الأولى لحكومة الحريري يشي بأنّ فريق التغطية الخارجية لهذا المحور أوكل للقوات اللبنانية مهمة استيعاب دينامية الفئات الحكومية الأخرى الراغبة بتطوير العمل الحكومي وتحسين الإنتاجية مع النأي بالنفس عن صراعات الإقليم إنما في إطار حماية لبنان وليس عزله عن معالجة النقاط المشتركة مع سورية.
لقد لاحظ المشاركون في الجلسة الأولى ان وزراء القوات هاجموا بشراسة زيارة وزير النازحين صالح الغريب إلى سورية بمعرفة من رئيس الحكومة للتنسيق في عودة آمنة للنازحين السوريين من لبنان الى بلدهم، علماً أنّ عددهم يبلغ مليوناً ونصف مليون نسمة في بلد كلبنان يشارف مرحلة الانهيار الاقتصادي.
كما انّ المساعدات التي تصله لهذه الغاية غير كافية وقسم كبير منها يجري سرقته قبل توزيعه على النازحين.
لم يكتف وزراء القوات برفض عودة النازحين متوغلين أكثر في رفض أيّ علاقات مع سورية تحت أيّ عنوان، معتبرين أنها غير آمنة ويديرها نظام «يقتل شعبه».
أما النقطة الأخطر التي شنّ وزراء القوات من خلالها هجوماً شرساً على وزير الدفاع الياس بو صعب فتتعلق بالمنطقة الآمنة بين سورية وتركيا.
وكان الوزير بو صعب رفض هذه المنطقة الآمنة في مؤتمر ميونيخ الأخير، معتبراً انّ الموافقة عليها قد تؤدّي الى ولادة منطقة آمنة بين لبنان وسورية ما استدعى عراكاً حاداً مع القوات التي اعتبرت موقف الوزير «عملاً شيطانياً».
هذه النقاشات أدّت الى عدم خوض الحكومة في ايّ من مواضيع الموازنة والإنتاج والقرارات الأخرى فبدت وكأنها وسيلة قابلة للاعتماد من قبل القوات لتعطيل العمل الحكومي المنتج، وتحويله حواراً عنيفاً لا يستطيع معالجة الخلل الكبير الذي يصيب لبنان.
لذلك يبدو انّ اختيار القوات لقيادة المرحلة الجديدة في الحلف السعودي الأميركي في لبنان عملية مدروسة بعمق.
فرئيس الحكومة مرتبط باتفاقات مع وزير الخارجية جبران باسيل منها آني وبعضها مستقبلي، لذلك يُفضل عدم المبادرة الى طرح قضايا لا يوافق عليها التيار الوطني الحر.
بالإضافة الى انّ الوزير وليد جنبلاط يُحبّذُ وسائل الاتصال الجمعي لعرض القضايا لا سيما انّ وضع حزبه الاشتراكي ليس سليماً على مستوى تحالفاته، ويشهد توتراً مع فئات درزية أخرى مناوئة له فيشعر بضعف يمنعه من الاعتراض على زيارة الوزير الغريب إلى سورية، متقبّلاً تنسيقاً اضطرارياً معها تقوم به حكومة الحريري، أقصى ما قاله انه لن يذهب الى سورية ولن يعترض على الذاهبين إليها.
لذلك وجد فريق التغطية الأميركي السعودي نفسه مكرهاً على إيلاء قيادة فريقه اللبناني إلى القوات واضعاً خطة لإجهاض عمل حكومي مزدهر لهدفين كبيرين: إفشال مخطط حزب الله بضرب الفساد وتوفير إنتاجية وطنية تمنع الانهيار والثاني يتعلق بالضغط على الدولة السورية بمنع النازحين من العودة إليها، ومنع التطبيع معها.
فهل هي مصادفة ان تكون السعودية و»إسرائيل» والولايات المتحدة وأوروبا وتركيا من المصرّين على عدم عودة النازحين السوريين إلى مدنهمة وبلداتهم وقراهم، بالطبع لا فهناك خطة دولية إقليمية لمواصلة الهجوم على سورية يُشكل محور القوات المستقبل والاشتراكي آلية من وسائلها.
وهذا يدلّ على انّ هذا الفريق الداخلي يهتمّ بتأمين خدمات لمصلحة القوى الإقليمية والدولية التي تحميه على حساب المصلحة الحقيقية للشعب البناني.
للاشارة فإنّ القوات سليلة مدرسة تاريخية «تحتقر» العالم العربي وتكرهه وتعمل على قطع ايّ علاقات بالسوريين فما الذي استجدّ حتى انقلبت على ما كانت تؤمن به وتعمل له.
أما لجهة انتقادهم العنيف لرفض الوزير أبي صعب تأسيس «منطقة آمنة» افتراضية داخل حدود سورية مع تركيا فهو الدليل الأبرز على انّ القوات اللبنانية مكلفة بمنع حكومة لبنان من ايّ اتفاقات مع الدولة السورية حتى ولو كانت هامشية. وتلبية ما تريده واشنطن في لبنان وسورية وتركيا.
وهناك من يرى أنّ تفويض القوات لهذه الأعمال له أهدافه اللبنانية أيضاً، ويتعلق باستيعاب محاولات حزب الله الهادفة الى مسألتين: ضرب الفساد وتوسيع إطار الإنتاج بما يخدم منع الانهيار الاقتصادي، وهذا يتطلب من القوات نصب محاور متناقضة بين فئات الحكومة تبتدئ بفتح صراع على المسائل الخارجية لتصل الى تعطيل الحركة الداخلية، ما يؤدّي الى فشل مشروع حزب الله بضرب الفساد.
فمَن تحمي القوات في حركتيها الداخلية والخارجية؟
لا شك أنها تجسّد السياسات الأميركية السعودية في ممارسة ضغط خانق على الدولة السورية من جهة وحزب الله من جهة ثانية.
وبذلك تحمي القوات قيادة الحريري للحكومة وزعامة جنبلاط المهدّدة من داخل طائفته وخارجها، كما تؤمّن صعود القوات مسيحياً بتضخيم ظاهرة الصعود الشيعي الذي يريد التهام كلّ شيء والخوف من السوريين.
لذلك فإنّ حكومة الحريري مهدّدة بالتحوّل إلى أكثر بقليل من حكومة تصريف أعمال وبتفاهمات محدودة.
فهل تنجح خطة القوات وحلفائها؟
لن يعجز فريق حزب الله والتيار الوطني الحر عن إيجاد حلول تجهض خطة تعطيل لبنان بوسائل برلمانية وحكومية تردع محاولات التدمير وتعيد المسار الحكومي إلى خط الإنتاج الرشيد مع ضرب الفساد المعشعش في كلّ الإدارات والوزارات بقطع الصلة بين السياسة والإدارة.
|