في زحمة تراكم الملفات والسجالات والتعاقدات في غفلة عن القانون والحكومة وجدل الصلاحيات يبرز ملف النازحين الذي كهرَب الجلسة الأولى لمجلس الوزراء وفرض أولويته على باقي الملفات.
إلا أنّ فخامة رئيس الجمهورية قال الكلمة الفصل وأبلغ الجميع أنه المؤتمن على الدستور وعلى حماية البلد، وأنّ النازحين السوريين بهذه الأعداد الضخمة، وبما يساوي تقريباً عدد اللبنانيين، لا يمكن ان يستمرّ دون حلّ ومعالجة، مكرّراً قوله على منبر الأمم المتحدة: ليس من حق أحد أن يفرض علينا رأيه في موضوع سيادي. وقد رفع فخامته الجلسة قطعاً للاستمرار في النقاشات.
والغريب أن يعترف فريق سياسي وازن بضرورة معالجة النزوح السوري دون التحدّث إلى الجهة المعنية مباشرة وهي الحكومة السورية المعنية والمسؤولة والمستعدّة لاستقبال مواطنيها، وهي التي استقبلت المقاتلين السوريين العائدين إلى حضن الوطن بأسلحتهم التي رفعوها في وجه الدولة، وسوّت أوضاعهم فعادوا إلى الحياة الطبيعية، فكيف بالعائلات السورية النازحة التي تعاني وجع التهجير والتشرّد وذلّ الإقامة التي لا تليق بالإنسان!
إلا أنّ الدول التي اخترعت الإرهاب ودرّبته وموّلته ورعته فشلت في مخططها في الحرب، فاتخذت النازحين السوريين أداة للابتزاز على حساب لبنان وشعبه!
وتدّعي هذه الدول ويردّد ما تقوله الأدوات، الغيرة على السوريين العائدين، والخشية من بطش الدولة ومحاكمتهم والتضييق عليهم لوقوفهم ضدّ النظام، وهؤلاء أنفسهم زحفوا جحافل على مدى ثلاثة أيام وحتى ساعات الليل للتصويت للرئيس بشار الأسد في السفارة السورية في اليرزة.
وقد غاب عن بال مدّعي السيادة والاستقلال انّ لبنان محاط عبر حدود تمتدّ 376 كلم ولا منفذ له إلا البحر وهو بحاجة للممرات السورية لتصريف منتجاته وصناعاته إلى الدول العربية، ولا يمكن إلا أن يكون بلدنا على أتمّ وفاق مع أشقائه وخاصة مع دولة قوية له معها حدود مشتركة ومتداخلة، ولا يستقيم المنطق أبداً بمعاداة دولة شقيقة مجاورة.
أما سياسة النأي بالنفس التي باتت شمّاعة للتستر على ارتباطات البعض، فلم تُمسّ ولم ينخرط لبنان في المحاور والتزم بمقرّرات ما يُسمّى «الجامعة العربية»، ومن حقه أن ينأى بنفسه عن النزوح السوري على صعيد الديموغرافيا والبنى التحتية وتوفير فرص العمل لأبنائه والانتباه إلى تكاثر الولادات السورية التي بلغت في العام 2017 وحده 42 ألف ولادة مقابل 62 ألف ولادة للبنانيين.
ونحن متأكدون أنّ الدول الغربية هي التي تحرّض النازحين على البقاء في لبنان وتضاعف مساعداتها لهم عبر المنظمات المدنية وليس عبر الدولة اللبنانية، وتحثهم على انتظار الحلّ السياسي السلمي الذي انتظره قبلهم الفلسطينيون 70 عاماً ولم يتحقق!
وأكثر ما نخشاه أن يكون مؤتمر «سيدر» مشروطاً بتوطين السوريين…؟!
|