لنبدأ بما قاله مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري : «التركي والأميركي يتفاوضان وكأنّ جزءاً من سورية هو ملك لهما وهما لا يملكان حق التفاوض».
هذا ما دأبت عليه كِلا الدولتين الغازيتين للأراضي السورية الأميركية والتركية، في محاولة كلّ دولة منهما أن تُحقق لها مكسباً او حلماً خططت له منذ عقود، وشرعت تستغلّ الأوراق المبعثرة على الأرض السورية خلال الحرب عليها.
فالطرف الأميركي استغلّ ورقة الكرد السوريين، واستطاعت واشنطن وفق توجهاتهم التي تعاكس الدولة السورية في فكرة الانفصال، ان تجرّهم الى محيطها السياسي في لعبة الحرب على سورية، ليكونوا أداة ضغط في الملف السوري، خاصة أنّ الكرد السوريين جزء لا يتجزأ من الدولة السورية.
أما تركيا ففي المقلب الآخر من الخطة وضع في البند الذي يعاكس واشنطن في مسألة الكرد السوريين، ليدخلوا على الخط المواجه لهم كجهة مناوئة في حال فشلت خططتهم في الاستيلاء على مناطق تبدأ من حلب، وبدأت المناورات السياسية والعسكرية في عفرين ومنبج، وما زالت مستمرة حتى الآن في مسألة منبج، وتعدّتها بعد الانتصار الذي حققه الجيش السوري في المناطق التي تحيط بإدلب، والذي بدأ يعلن اقتراب حلّ الملف فيها، والانتهاء من أدوات تركيا الإرهابية على مشارفها، وبالتالي أُجبرت تركيا على تحريك الملف الكردي وبدء تنفيذ الأجندات المتبقية، وهي الانتقال لشنّ معركة في شرق الفرات حسب تصريح رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، ممهّداً لإقامة اتفاق، أو إعلان حرب بوجود الضامن الأميركي للكرد.
الكرد السوريون المتمثلون بالحزب الكردستاني، او حزب سورية الديمقراطي، استسلموا للرئيس ترامب آملين في تحقيق حلم الانفصال، فكانت العاقبة بفتح الجبهة للقوات التركية في مواجهة الكرد السوريين سياسياً، واحتمال اقتراب المواجهة العسكرية، وهذا بدا في تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيث قال «المحادثات مع الأميركيين كانت ناجحة وتمّ الاتفاق على المرحلة الأولى من إنشاء المنطقة الآمنة شمال سورية».
وهنا السؤال الذي لا بدّ من طرحه، هل يوافق الكرد السوريون على التراجع ما يقارب 30 الى 40 كم من الحدود لإنشاء هذه المنطقة الآمنة من أجل ان يتمّ تحقيق الانفصال عن سورية؟
والسؤال الأهمّ:
كيف يأتمن الكرد السوريون لـ أردوغان الذي يجمع بينهم العداء التاريخي، ولا يأتمنون لوطنهم سورية الذي يحملهم على أرضه؟!
إذاً مسألة المنطقة الآمنة قد تمّ الاتفاق عليها بين الطرفين الحميمين الأميركي والتركي، ولكن ما هو موقف الكرد السوريين، هنا لا بدّ من الإضاءة على تصريح عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني والمسجون الذي قال: «الكرد لا يريدون دولة منفصلة».
رغم انّ ما يُقرأ من مجريات الأمور على الساحة السياسية، ووفقاً للمعلن عن أطراف النزاع، انّ الكرد السوريين يوافقون على إقامة المنطقة الآمنة ولكن بحدود أقلّ مما صرح به أردوغان، وهذا ما طالبت به واشنطن بأن يكون عمق المنطقة الأمنة 15 كم، وهنا ما يدعو للتأكيد انّ الأكراد قد سلموا بالأمر لتركيا، وذلك بأمر من واشنطن، والخلاف على الكيلومترات لا أهمية له.
وإذا ما أردنا أن نأمل بأنّ الكرد السوريين لن يوافقوا على المنطقة الآمنة، فالواجب هو التحرك باتجاه دمشق، وإعادة أبواب الحوار ليتمكن الكرد السوريون من تسليم ورقتهم للقيادة السورية، وبالتالي الجيش السوري، ويكونون بذلك قد كسبوا ما كانوا سيخسرونه في حال تمّ توقيع الاتفاق الأميركي التركي، الذي سيشكل غزواً آخر لشرق سورية، ولكن بما يسمّى السياسة الناعمة.
الوقت يمرّ على الكرد السوريين وحدهم، وهم بذلك ولأنهم من النسيج السوري يساعدون أعداء سورية على إطالة أمد الحرب الإرهابية.
في المحصلة يبدو انّ الكباش السياسي الذي صوّرته واشنطن وأنقرة لدى الراي العام لجهة الاختلاف على الورقة الكردية، يبدو أنه مزيّف، وانّ المسألة هي اللعب في الوقت الضائع، وانّ الكرد السوريين وأميركا وتركيا يتماشون في نفس الخط الذي يحلمون به لتقسيم سورية، كلّ حسب مصالحه، مع العلم انّ القيادة السورية حتى اللحظة لا تعتبر الكرد السوريين بجميعهم خارجين عن الدولة، ولكنها تعتبر كلاً من أميركا وتركيا غازيتين للأراضي السورية، ووجودهما غير شرعي، لذلك تبقى مسألة الحلّ للكرد السوريين في يدهم اولاً، وفي يد الدولة السورية التي تحتضنهم، وما يجري من مناورات وتفاهمات سياسية بين الأطراف المتنازعة، لن يغيّر في مسألة ان الحرب لن تنتهي إلا بعودة كلّ شبر من سورية الى الحضن الأمّ، وكلمة الفصل هي أولاً واخيراً بتوقيت دمشق وتوقيع الجيش السوري.
|