سنوات من العداء السياسي الممنهج لسورية خلال الحرب عليها منذ العام 2011، وقد تجلّت سياسياً عبر مناهضة القيادة السورية والدولة السورية إما إعلامياً أو ميدانياً، فالسعودية تُعتبر من الدول الخليجية الأولى التي كرَّست الحرب على سورية عبر احتضان ما يسمّى الائتلاف السوري المعارض ، وما ينضوي تحته من مجموعات إرهابية مدعومة بالمال والسلاح.
فالموقف السعودي تجاه الدولة السورية برز في عام 2012، بإغلاق سفارتها في دمشق وطرد السفير السوري من الرياض، وتصريحاتها ضدّ الرئيس الأسد، وحتى إيقاف منح تأشيرة للسوريين لأداء مناسك الحج، خاصة السوريين الموالين للدولة السورية وجيشها.
أحداث ومواقف كثيرة تولّدت من موقف السعودية المعارض في العلن وفي الخفاء، لكن الجيش السوري استطاع بانتصاراته المتعاقبة والقيادة الحكيمة للدولة السورية، قلب موازين القوى سياسياً وعسكرياً، الأمر الذي حتّم على البلدان المعادية والفاعلة في الحرب على سورية، إعادة حساباتها السياسية وتغيير استراتيجيتها السابقة نحو دمشق، فالإمارات والبحرين أعادتا فتح سفارتيهما في دمشق بداية العام الحالي، وبدأت فعلياً مشاركة الوفود الخليجية بمعرض دمشق الدولي كتعبير عن إعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية، تمهيداً لتحسين العلاقات الأخرى، الأمر الذي يشي بإعادة التمثيل الدبلوماسي إلى دمشق.
والأبرز في هذا السياق، أنّ السعودية أوعزت لوزير خارجيتها بإعداد الترتيبات لعودة السفارة السعودية إلى دمشق، وذلك وفق نشطاء سعوديين، وضمن مفارقة تتجلى بأنّ السعودية كانت الطرف الأبرز في الحرب على سورية إعلامياً وسياسياً، وعبر دعم الفصائل الإرهابية التي تساقطت تباعاً.
السعودية مُجبرة على تغيير سياساتها الخارجية، وخصوصاً مع الدولة السورية، فالإمارات والبحرين صعدوا على متن السفينة السياسية واستطاعوا إيجاد مقعد لهم قبل فوات الأوان، والمملكة السعودية لمست الانهزام الكبير لقوى المعارضة وللفصائل التي تدعمها، فقد قلصت من دعمها لهذه الأدوات، وأنزلت أعلام المعارضة عن ساحات مؤيديهم، فسارعت لطرق أبواب دمشق عبر وسطاء يمهّدون لها الطريق سياسياً ودبلوماسياً.
خطوات سبقت إعلان السعودية للعودة الى دمشق ، هي إجراءات وتحركات كثيرة فرضها الانتصار السوري سياسياً وعسكرياً، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وأصبحت المباحثات والوساطات جارية لعودة سورية الى مقعدها في الجامعة العربية، وبموافقة سعودية.
إلا انّ مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري أكدَّ أنّ شروط عودة العلاقات بين دمشق والرياض انّ الشعب السوري ينتظر ممن سفك دماء أبنائه ان يعتذر، وانّ الأموال التي صرفها على الإرهاب عليه ان يدفع مقابلها أموالاً لإعادة البناء من دون شروط مسبقة .
في سياق آخر ويمكن ربطه بالتحوّلات السعودية تجاه سورية، أنّ المملكة السعودية وبركوبها موجة الغرب الأميركي، واتباع مخططاته، أضحت من الدول العربية الإسلامية الغازية لأشقائها العرب، فحربها على اليمن ستُسجل ضمن النشاطات العسكرية والسياسية الخاطئة، كما في سورية، والضغوط الدولية باتت تتحرك باتجاه المملكة السعودية لرفع يدها عن اليمن، وباتت تدرك جيداً ورغم وقوف الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان، أنّ زمام الأمور بدأت بالانزلاق شيئا فشيئا عبر التصادم الحادّ الذي تلقته من الدول الأوروبية، خاصة بعد مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي.
هذه التخبّطات السياسية أجبرت السعودية على البحث عن منافذ سياسية تُجنّبها نزاعاً سياسياً عربياً في أوساط منطقة الشرق الاوسط ، خاصة أنّ الرياض تُدرك بأنّ دمشق صمام أمان سياسي لكافة القضايا الإقليمية، من هنا بات واضحاً انّ الالتفاف السياسي فرضه الميدان السوري، فسورية اليوم وإنْ كان الحراك العربي الخليجي الظاهر سابقاً عمد على حرمانها من مقعد في الجامعة العربية وإبقاء الفراغ السياسي قائماً وبشكل متعمّد، إلا انّ سنوات الحرب على سورية أثبتت لهم ان الجمهورية العربية السورية هي القوة الحقيقية لأيّ قضية محورية عربية، فما سطرته القيادة السورية والجيش السوري من تفوّق في مواجهة هذه الحرب الكونية سياسياً وعسكرياً داخلياً وخارجياً، وما سيحصل في ما تبقى على أرضها سيُثبت للعالم أجمع خاصة للمحور المُعادي، انّ سورية كانت وما زالت بوصلة المشرق ، والعالم العربي بأسره، ولا بدّ من عودة سورية الى مكانها الإقليمي الهام، والذي بتركها لهُ ستشكل فراغاً حيوياً ومركزياً، فجميع مشاكل المنطقة العربية لا يُمكن ان تحلّ إلا بوجود الدولة السورية.
|