نتيجة النكبة الفلسطينية عام 1948 التي أدت آلي هجرة فلسطينية للدول العربية المجاورة حالمين بالعودة السريعة آن لم يكن خلال أيام فخلال أسابيع على أبعد تقدير غافلين عن حجم المؤامرة الكبيرة التي كانت تحاك ضدهم عربياّ ودولياّ وأدت في النهاية آلي ترسيخ احتلال القسم الأكبر من وطنهم وتحولهم آلي مجرد لاجئين في مختلف أصقاع الأرض .
يتراوح عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا آلي لبنان عام 1948 مابين 100الف – 130الف لاجىْ فلسطيني (( وفقاّ لتقرير الاونروا وهي المنظمة الدولية المسؤولة عن رعاية اللاجئين الفلسطينيين فأنه يبلغ 369890 ألان )) قدموا من منطقة الجليل (( عكا- بيسان- الحولة- صفد- الناصرة- طبريا- حيفا )) ونزح قسم من مناطق يافا- اللد- الرملة مع أقلية نزحت من القدس وجوارها وقسم من الضفة الغربية (نابلس- جنين ) وان كانت نسبتهم قليلة .
والسببان الرئيسيان لتوجهم إلى لبنان هما 1- قرب الحدود اللبنانية من قراهم ومناطق سكناهم أملين أن الجيوش العربية لن تتلكأ في طرد العصابات الصهيونية خلال فترة قصيرة جداّ .
2-حالة التزاوج والمصاهرة بين سكان الجليل وشمال فلسطين عموماّ واللبنانيين كانت ظاهرة واضحة نجد خلفياتها في التواصل والتبادل التجاري بين عكا وصيدا في جنوب لبنان (( وللتذكير فقد كان ميناء حيفا وشركة النفط فيه وغيرها تشكل نقاط جذب للعمالة اللبنانية )) ومن هنا نستدل أن الهجرة الفلسطينية إلى لبنان لم تكن عشوائية .
المخيمات الفلسطينية في لبنان:
يوجد في لبنان 16 مخيماّ رسمياّ دمرت منها ثلاثة أثناء سنوات الحرب ولم تتم إعادة بنائها من جديد وهم مخيم النبطية ومخيما الدكوانة وجسر الباشا وهناك مخيم رابع ( مخيم جرود) في بعلبك تم إجلاء أهله ونقلهم إلي مخيم الرشيدية جنوب صور ,
لقد تبلورت أماكن توضع المخيمات والتجمعات الفلسطينية على أساس قروي وعائلي أو على أساس الإمكانيات العلمية والمادية أو الانتماء الديني (( تبرعت الأوقاف الأرثوذكسية بأرض أقيم عليها مخيم مار إلباس غرب بيروت في حين سمح للاجئين الكاثوليك بألاقامة في منطقة ضبية شرق بيروت على أرض للوقف الكاثوليكي )) ,
ويعيش اللاجئين الفلسطينيين داخل تلك المخيمات أوضاعاّ إنسانية صعبة للغاية مردها لعدة عوامل : 1- عدم تناسب عدد الساكنين مع مساحة الأرض المقام عليها المخيم (( مساحة مخيم شاتيلا 39567 متر مربع ويقدر عدد اللاجئين المقيمين ب 12335 نسمة )) مما أدى لانتشار البناء العشوائي , ومع غياب الرقابة المختصة فأن معظم الأبنية أقيمت على أساسان ضعيفة مما يجعلها مهددة بالانهيار , ولضيق مساحة الأرض فان معظم الأبنية متلاصقة بعضها ببعض .
2- غياب الرقابة البيئية والصحية أدت إلى ضعف بنية الصرف الصحي وإهمال صيانة شبكات المياه والمجاري رغم أهتراؤها مما أدى لاختلاط وتلوث مياه الشرب بالمياه الآسنة مؤدية إلى انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة في صفوف سكان المخيمات وبشكل خاص الأطفال .
3- غياب الخدمات البلدية أدت إلى انتشار النفايات بين المنازل وأمتلآت الطرقات الضيقة بالحفر وتحولت شوارع وأزقة المخيمات إلى بحيرات صغيرة تتجمع فيها المياه الآسنة ويدخل قسم كبير منها (( خصوصاّ في فصل الشتاء )) إلى المنازل والمحلات والمخازن .
4- الخدمات الطبية والصحية : آن غالبية اللاجئين يعانون من مشاكل العلاج وتامين المال اللازم له مما اضطرهم إلى طلب العون من الجمعيات الأهلية وحتى إلى التسول في بعض الأحيان (( أن الإجراءات التعسفية اللبنانية تمنع على الفلسطينيين الحصول على العناية الطبية في المستشفيات والعيادات الحكومية )) ومع خروج منظمة التحرير الفلسطينية وتقليص الاونروا لخدماتها أصبحت الخدمات والرعاية الصحية في أدنى مستوياتها ففي المخيمات لا توجد مراكز صحية كافية تتناسب مع عدد السكان (( مخيم عين الحلوة عدد سكانه 60000الف نسمة فيه عيادتان فقط وعدد الأطباء في العيادتان لا يتجاوز عشرة أطباء ))
5- التربية والتعليم : الطلاب مكدسون في الصفوف في مدارس لا توفر الحد الأدنى من مستلزمات التعليم , والنقص يتزايد باستمرار كالنقص في عدد الصفوف وفي عدد المدرسين وفي أدوات التوضيح وفي المختبرات , كل ذلك أدى إلى زيادة معدل التسرب من المدارس والتراجع العلمي للطلاب .
النشاط الاقتصادي :
آن مجموع الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 1948 وحتى اليوم لم تتوان يوماّ في اتخاذ أشد الإجراءات والقوانين التي تحد من التنقل والإقامة والعمل للفلسطينيين :
1- القرار رقم 319 عام 1962 صدر عن وزارة الداخلية اللبنانية يصف اللاجئين الفلسطينيين على أنهم فئة من الأجانب ويجب عليهم الحصول على آذن عمل قبل مزاولة أي مهنة .
2-قانون أمين الجميل رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك رقم 2891عام 1982 والذي منع الفلسطينيين من ممارسة 57 مهنة ووظيفة .
3- قانون عبد الله الأمين وزير الشوؤن الاجتماعية في حكومة رفيق الحريري الذي رفع عدد المهن والوظائف المحرمة على الفلسطينيين إلى 75مهنة ووظيفة .
وكنتيجة حتمية لتلك القوانين التعسفية والجائرة أتسم واقع العمل داخل المخيمات بالطابع الحرفي وتجارة بسيطة محدودة الدخل بالإضافة طبعاّ لاعمال أخرى مثل الأعمال الزراعية والبناء وشق الطرق ولقلة منهم وظائف محصورة فقط في نطاق وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ((اونروا)) وبعض المؤسسات الاجتماعية والإنسانية المستقلة والمتواجدة حصراّ ضمن المخيمات وليس خارجها ( موزعين في مجالات التعليم والصحة والنظافة وخدمات أخرى )
وقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية مجال واسع لاستيعاب اليد العاملة الفلسطينية في مختلف مؤسساتها سواء العسكرية أو المدنية أو الاجتماعية أو الاقتصادية , وبعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وخروج منظمة التحرير من لبنان فقد آلاف من الفلسطينيين لمصدر رزقهم الوحيد والمتاح وبذلك أصبح 60% من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر بخطين إذا لم يكن بثلاث خطوط (( أن أغلب أرباب العمل ألان هم جمعيات فلسطينية مثل الهلال الأحمر الفلسطيني أو جمعيات إنسانية كجمعية النجدة الشعبية – جمعية غوث الأطفال ))
نتيجة لكل ما سبق من اتساع دائرة الفقر وارتفاع معدل البطالة ارتفعت حالات الهجرة بين الشباب إلى مختلف أصقاع الأرض هروباّ من حالة الإحباط واليأس .
الحقوق المدنية :
تنطلق معظم القوانين اللبنانية والتي تنظم شؤون اللاجئين الفلسطينيين من مبدأ المعاملة بالمثل الساري بين الدول (( 319 –1962 )) وطالما لا توجد دولة فلسطينية تعامل اللبنانيين بالمثل فان اللاجئين المتواجدين في لبنان لا يحصلون على حقوقهم في التعليم والطبابة والعمل والضمان الاجتماعي والانتساب إلى النقابات اللبنانية وبالتالي فان الحكومة اللبنانية لا تتحمل التبعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين ولذلك لا تمارس أي دور في إدارة المخيمات والتجمعات الفلسطينية لذا ليس للوزارات آو المؤسسات آو البلديات اللبنانية أي دور تجاه الشؤون الحياتية اليومية للاجئين الفلسطينيين باستثناء تسجيل اللاجئين ومنحهم بطاقات هوية وسفر وخضوع الفلسطينيين للقوانين اللبنانية من أصول محاكمات وأحوال مدنية وتجارية .
وللتذكير هناك حوالي 20000الف لاجئ فلسطيني غير مسجلين لدى مديرية اللاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الخارجية اللبنانية هم من الفلسطينيين الذين حضروا مع المقاومة الفلسطينية إلى لبنان وتزوجوا من المخيمات أو من لبنانيات وليس لديهم أوراق ثبوتية مما يؤدي إلى حرمان أطفالهم حتى من الدراسة إلى نهاية المرحلة المتوسطة .
السلاح الفلسطيني :
اتفاق القاهرة عام 1969 أقر جزء من حقوق الفلسطينيين أهمها حق حمل السلاح والدفاع عن النفس أمام الهجمات الإسرائيلية المتوالية على المخيمات الفلسطينية .
يكثر الحديث عن السلاح الفلسطيني والبعض يربطه بالقرار 1559 الذي يدعو إلى تجريد الميليشيات من سلاحها والبعض الآخر يستعمله للتهييج على الفلسطينيين والتحريض على اقتحام المخيمات وإنهاءها كبؤر أمنية خارج السيادة اللبنانية وللرد لابد من توضيح عدد من النقاط :
1- نتيجة اللقاء الفلسطيني – اللبناني في منتصف أيار 1990 توصلت الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى تفاهم غير مكتوب ا- تم بموجبه جمع السلاح الفلسطيني الثقيل والمتوسط وتقديمه هدية إلى الجيش اللبناني وقد تم ذلك بكشوف موثقة ومدققة من قبل قيادة الجيش اللبناني وأعلن بعدها أن المهمة قد أنجزت بالكامل .
ب- ينطبق على السلاح الخفيف في المخيمات ما ينطبق عليه بيد اللبنانيين أي لا يتم جمعه ويترك للتنظيمات والفصائل الفلسطينية التعامل معه بالطريقة المناسبة .
ج- ينكفئ المقاتلون الفلسطينيون من المحيط اللبناني إلى داخل المخيمات وقد تم ذلك بدءاّ من أقلم التفاح وبيروت الكبرى والجبل وانتهاء في منطقتي صيدا وصور ومحيط المخيمات .
ورغم أن السلاح الخفيف المتواجد في مخيمين فقط من أصل 12 مخيماّ له ما يبرره ففي الذاكرة الفلسطينية إلى ألان مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 التي قامت فيها الميليشيات المتعاونة مع الجيش الإسرائيلي بذبح 3000فلسطيني بين طفل وامرأة وشيخ , والتجربة المرة التي عاشها الفلسطينيين في عام 1985 (( حرب المخيمات )) مما أدى إلى تهجير أكثر من 10000الاف من الشباب الفلسطيني إلى الدول الاسكندنافية ,
هذه المجازر السابقة بالإضافة إلى عدم نزع السلاح من الميليشيات اللبنانية والاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية المستمرة على المخيمات يبرر الرفض الفلسطيني لنزع سلاحه الخفيف .
الوضع السياسي :
من الناحية السياسية فهناك ألان ما يقارب من واحد وعشرين فصيلاّ فلسطينيا يمارسون العمل السياسي والإعلامي داخل المخيمات الفلسطينية وتتفاوت الرؤى السياسية والأيدلوجية لهذه الفصائل , ولا شك أن علاقة بعض الفصائل بالمحيط اللبناني علاقة سلبية بسبب تداعيات الحرب اللبنانية من جهة ومن جهة ثانية فهناك مشاعر مشتركة من الخوف والشكوك بين الفلسطينيين والسلطة اللبنانية من احتمال توطينهم في لبنان وخصوصاّ بوجود أكثر من مشروع وسيناريو مطروح لتمرير التوطين أهمها مشروع النائبة الأمريكية اليانا روس الذي أقره الكونجرس في 28-10-2003 وتصريح المدير العام لوزارة الخارجية الأمريكية رون بروسر في 14-12-2004 عن مشروع تعده وزارته لتوطين الفلسطينيين في لبنان .
أما الخوف الفلسطيني هو من اتفاق لبناني – دولي على ترحيل اللاجئين الفلسطينيين كبديل عن التوطين وهو خوف له ما يبرره .
رغم اختزان الذاكرة الفلسطينية كما أسلفنا للمجازر العديدة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على الأرض اللبنانية والمعاناة الشديدة التي يعانيها نتيجة القرارات الجائرة اللبنانية المتتالية فهناك دعوة فلسطينية لإطلاق حوار سياسي + اجتماعي بين الحكومة اللبنانية والفصائل الفلسطينية يغطي كل القضايا العالقة ويضع الحلول الجذرية لها , وهي مصلحة لبنانية بقدر ما هي فلسطينية وخصوصاّ أن لبنان يقف على عتبة مرحلة جديدة فيها مساحة واسعة للحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولا يجوز تجاهل الإنسان الفلسطيني وحرمانه من ابسط حقوقه التي تمكنه من العيش بكرامة انتظاراّ لعودته إلى أرضه .
|