قرار التقسيم (181) لعام 1947 كان الولادة الحقيقية لفكرة الدولة الفلسطينية المؤسسة على التسوية وتضمن تقسيم الأرض الفلسطينية بين المستعمرين الصهاينة وأصحاب الأرض الأصليين وبموجب هذا القرار الذي أقرته الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية منحت دولة المستعمرين الصهاينة (إسرائيل) غطاءاً دولياً وِشرعياً .
في عام 1971 تبنت منظمة التحرير الفلسطينية هدف الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني بعد التحرير وأقرته كهدف إستراتيجي واجب التحقيق بإستعمال كافة وسائل وأدوات النضال وفي مقدمتها الكفاح المسلح
في عام 1974 قامت القيادة السياسية الفلسطينية بالخطوة الأولى في طريق التنازلات عندما استطاعت إقرار برنامج النقاط العشر في الدورة (12) للمجلس الوطني الفلسطيني المتضمن إقامة سلطة فلسطينية على الأراضي التي ينسحب منها الاحتلال ولتمريره جرى حشوه بعبارات شعاراتيه كرفض القرار الدولي (242) و التمسك بالميثاق الوطني الفلسطيني وحق العودة وأطلق عليه آنذاك بالبرنامج المرحلي بمعنى يعقب مرحلة إقامة السلطة الفلسطينية مرحلة التحرير الكامل مستشهدين بتجارب الثورات العالمية ( الصينية والفيتنامية كمثال ) وأسقطوا من حساباتهم إشكالات الفارق بين الحالة الفلسطينية والحالات الأخرى .
في عام 1988 قامت القيادة السياسية الفلسطينية بالخطوة الثانية في طريق التنازلات عبر الإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار (242) وهنا لابد من التنويه أن القرار (242) المعتمد كمرجعية بديلاً عن الميثاق الوطني الفلسطيني لايعين بوضوح الخطوط التي يجب أن ينسحب الكيان الصهيوني منها ويقر للكيان الصهيوني توسعه في الأراضي التي أحتلها عام1967 عبر حذف " أل" التعريف من النص الانجليزي"the " ليصبح الانسحاب من أراض وليس من الأراضي ولا يتناول أيضاً جوهر الصراع الفلسطيني – الصهيوني إلا من زاوية اللاجئين ويرى الانسحاب الإسرائيلي مرهوناً بشروط أخرى .والمثير للعجب والاستغراب أنه في الفترة 9-12 ديسمبر أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من القرارات كان من ضمنها أن القرار(242) لايؤمن مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة.
في منتهى العبثية والاستهتار بكل المحرمات جرى في أيلول عام 1993 التوقيع على اتفاق أوسلو وتم سوق الكثير من المسوغات والمبررات من بينها أن الاتفاق ما هو إلا خطوة إجبارية اتخذتها القيادة السياسية الفلسطينية من أجل تهيئة الظروف السياسية والعسكرية بما فيها الظروف الديموغرافية ( عودة اللاجئين إلى داخل الأراضي الفلسطينية ) تمهيداً لإقامة الدولة ثنائية القومية أي أن اتفاقية أوسلو تأتي ضمن التكتيك السياسي ولا تلغي الأهداف الإستراتيجية الفلسطينية ,تحت تلك المسميات وسوق تلك التبريرات ارتكبت القيادة السياسية الفلسطينية الخطيئة الكبرى فهي من جهة ومجاناً منحت الشرعية الفلسطينية للمشروع الصهيوني بتنازلها عن مساحة مايعادل أربعة أخماس الأرض التاريخية الفلسطينية لصالح دولة إسرائيل ووفرت الغطاء الفلسطيني للهرولة العربية نحو الاعتراف بدولة إسرائيل والتطبيع معها ,ومن جهة أخرى أخرجت القضية الفلسطينية من أروقة المنظمات والتجمعات الدولية مثل الأمم المتحدة الذي قد تشكل قراراتها كابحاً ولو بحدوده الدنيا للأطماع الصهيونية و ليصبح الحل الفلسطيني احتكاراً بيد أمريكا وإسرائيل حصرياً .
أعتبر آنذاك أتفاق أوسلو نصراً فلسطينياً حققته القيادة السياسية الفلسطينية رغم عدم وجود وبملحقاته الخمس أي إشارة لاعترافه بالشعب الفلسطيني عبر إنكار حق عودته إلى أرضه والذين دخلوا حسب بنود أوسلو يقاربون الخمسين ألفا وهي عودة إدارية وليست سياسية بمعنى أنهم دخلوا على أنهم قوى أمنية مرافقة للقيادة التي ستتولى موضوع الأمن ولم يتضمن ايضاً أي إشارة لإزالة الاحتلال أو إنشاء دوله فلسطينية .
مما سبق نستنتج أن القيادة السياسية الفلسطينية منذ البدايات وتحت دعوى الواقعية وموازين القوى والظروف الإقليمية والدولية ومفردات عديدة تدور في نفس الفلك اعتبرت إقامة السلطة الفلسطينية هدفاً في حد ذاته وليس أداة من أدوات الصراع أو خطوة على طريق حله أي سعت وبكل قواها لتحويل صراعنا مع الحركة الصهيونية من صراع هوية ووجود إلى صراع على حدود قطعة ارض مختلف على ترسيمها وبذلك وضعوا وبتواقيعهم والتزاماتهم نهاية للمعضلة الصهيونية التاريخية ( وجود إسرائيل – تعريفها- علاقتها بالمحيط ) وحققوا نهاية للهواجس الوجودية والأمنية الإسرائيلية إلى مدى غير منظور.
لو ابتعدنا عن بديهيات العقل والمنطق وسلمنا جدلاً إن قيام الدولة الفلسطينية هي مصلحة فلسطينية وستضع حداً لمعاناة الشعب الفلسطيني بملايينه العشرة تجعلنا نطرح عدداً من الأسئلة المشروعة حول مكان الدولة وحدودها ومواصفاتها وحول تحقيق فعلي لحق العودة وهي أسئلة مصيرية بحاجة للإجابة والتوضيح .
1- الدولة وحدودها: من المعروف أن الدولة الفلسطينية لا تؤسس على أي قرار دولي واضح بل على تفاهمات ووعود حتى القرار (1515) لم يحدد مكان وحدود الدولة الفلسطينية بل يتحدث عن مرجعية قراري مجلس الأمن (242) و (338) ويتحدث عن منطقة تعيش فيها دولتان .
هذا الغموض في قرارات المرجعية الدولية والدعم الأمريكي اللامحدود المادي والعسكري لإسرائيل مع غياب وسائل وأدوات الضغط العربية أطلق العنان لإسرائيل لرسم ملامح وحدود هذه الدولة من خلال اقتطاع مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 لصالح توسعة وإقامة مستعمرات جديدة ولصالح الجدار العنصري الفاصل تصل إلى حدود 40% من المساحة الكلية للضفة الغربية أما القدس فقد جرى تهويدها بحيث لم يبقى من بقية القدس لإقامة ولو داراً للبلدية وليس عاصمة للدولة الموهومة.
إن السيناريو الأمريكي – الإسرائيلي المرشح ترجمته على الأرض حسب ماتخبره لنا الوقائع والمعطيات هو إقامة بقع متناثرة من المراكز السكانية الفلسطينية غير متصلة جغرافياً ومرتبطة امنياً واقتصادياً بدولة الكيان الصهيوني موجودة ضمن صورة لكيان وطني وليطلق عليه الفلسطينيين ما يشاؤون من تسميات ( دولة – مملكة – إمبراطورية ) ليس مهماً .
2- حق العودة : إن جوهر القومية اليهودية الصهيونية وان كانت في الحقيقة لا تمتلك مقومات قومية ذاتية بقدر ما هي أيدلوجية حصرية عنصرية صراعية طاردة وهذه القومية الصهيونية تنحصر أهدافها في اغتصاب الأرض والتخلص من السكان .
لذا كل من يتحدث بان إقامة الدولة الفلسطينية لا يعني التنازل عن الأرض وعن حق العودة يكون واهماً ويحاول ذر الرماد في العيون ونستند في ذلك إضافة إلى ماسبق إلى رزمة من الوقائع من بينها ربط موافقة قادة الكيان الصهيوني على إقامة تلك البقع السكانية الفلسطينية المتناثرة باعتراف فلسطيني وعربي لا لبس فيه بيهودية الكيان الصهيوني وليس اسرائيلتها فقط وهذا يعني ليس إسقاط حق العودة لفلسطيني الشتات بل إسقاط حقوق فلسطنيي48البالغ عددهم ما يقارب المليون ونصف تمهيداً لتهجيرهم إلى المستوعب الفلسطيني المبشر به .
نقطة أخيرة يجب التنويه لها وهو أن مبدأ حل الدولتين هو مشروع أمريكي- صهيوني ( بوش- شارون) وهو موافق عليه عملياً لأن كل ما عداه في غير مصلحة الكيان الصهيوني ولا بديل عنه وما نراه وما نسمعه اليوم من قادة الكيان الصهيوني ما هو إلا عملية استدراج لمزيد من التنازلات الفلسطينية والعربية ليس إلا .....
|