مع اعترافنا التام أن خيار التفاوض يعتبر شكلاّ من أشكال النضال السياسي وهو أسلوب اتبعته العديد من حركات التحرر الوطني العربية منها أو الدولية ولكن للتفاوض قواعد وركائز أهمها تكافؤ القوى والمصداقية وتوافر الرغبة المشتركة في التوصل إلى حلول تلبي مصلحة الطرفين بشكل شبه متساوي.
لكي تكون قراءتنا للمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية واضحة وتحاكي الواقع لابد من الإشارة إلى نقطتان أساسيتان لايجوز إهمالهما أو التغافل عنهما .
1- النوايا الإسرائيلية وخاصة أنها معلنة وليست بحاجة للتفسير أو التأويل وعلى لسان كبار قادتها العسكريين والسياسيين وآخرها تصريح ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية بعد نشر بعض التفاصيل حول لقاءاتها السرية الخمسون مع أحمد قريع مفوضاّ عن السلطة الفلسطينية في رام الله بأن إسرائيل تعتزم تحديد الخطوط الحمراء في المفاوضات مع الفلسطينيين ولن تساوم عليها موضحة بأن تلك الخطوط الحمراء في شؤون الأمن واللاجئين والأماكن المقدسة أي بمعنى رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين ورفض التفاوض حول القدس الشرقية وتحديد الحدود ضمن حدود جدار الفصل العنصري(( يشار إلى أن جدار الفصل العنصري يبلغ طوله 790كم أقيم منه حتى الآن 490كم وينتظر الانتهاء منه في عام 2010م )) .
ولابد من التذكير أيضاّ بتصريح حاييم رامون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن حدود أي أتفاق مع الفلسطينيين سيكون ضمن جدار العزل وأن إسرائيل لن تفاوض حول الحرم القدسي والقدس القديمة .
وقد أشار تقرير صادر عن حركة ( السلام الآن ) الإسرائيلية إن إسرائيل تقوم ببناء 101مستوطنة في القدس والبؤر الاستيطانية العشوائية لافتاّ النظر بأن البناء استمر في 60بؤرة عشوائية من البؤر التي التزمت إسرائيل بتفكيكها قبل أربع سنوات وأن تصاريح البناء أعطيت حتى لمستوطنات شرقي الجدار العازل .
2- إدراك السلطة الفلسطينية في رام الله أن جميع أوراقها من النوع الأخلاقي والمعنوي والحقوقي بينما الأوراق الإسرائيلية من النوع العسكري والاستيطاني والاقتصادي وإن حصولها على الموافقة الإسرائيلية على الدولة الفلسطينية ستكون بعيدة كل البعد عن مرجعيات قرارات مجلس الأمن حول القضية الفلسطينية التي سقطت بمرور الزمن وغابت بقوة التسامح العربي وواقعيته وموضوعيته ومنوط فقط بموافقتها على التصور الإسرائيلي للحل النهائي وأن تلك المفاوضات لا ترى فيها إسرائيل إلا غطاء لها لمواصلة مخططاتها الاستيطانية وإجراءاتها التعقيدية على الأرض وستاراّ دخانياّ للتغطية على أجندتها الخاصة بشأن المصير النهائي للشعب الفلسطيني وقد جاء ذلك على لسان كبير مفاوضيها صائب عريقات بتصريحه الأخير :
أ-إن الوعد الإسرائيلي الذي قطعه اولمرت بإزالة 50حاجزاّ وساتراّ ليس سوى كذبة إسرائيلية .
أكدت وثيقة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن ما تروجه إسرائيل من معطيات حول إزالة الحواجز بعيدة عن الحقيقة وأن الحواجز التي أزيلت هي إما مؤقتة و مهملة وغير مهمة أو أزالتها أمام وسائل الأعلام وأعادت نصبها بعد ساعة
ب-هناك مخططاّ إسرائيليا معتمداّ ويجري تطبيقه على الأرض منذ سنوات لخنق ومحاصرة جميع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بشكل محكم وتحويلها إلى جزر ومعازل .
ج-إن الحكومة الإسرائيلية نشرت وتنشر عشرات المناقصات الرسمية لبناء مئات من الوحدات الاستيطانية في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية .
(( لابد من التنويه إن الحكومة الإسرائيلية وعدت كوندليزا رايس أثناء زيارتها الأخيرة بإعلان خطط لبناء 600وحدة سكنية في مستوطنة بسغات زئيف ))
ء-إن إسرائيل لم تف بأي من التزاماتها في خطة خارطة الطريق وتعتمد سياسية المماطلة والتهرب وإدارة حملة علاقات عامة لمخادعة وتضليل المجتمع الدولي .
وللموضوعية والواقع نقول أنه من الطبيعي أن الإسرائيليين يحاولون الاستفادة من الفرصة التاريخية المتاحة حالياّ أمامهم لتحقيق أقصى ما يمكن مستفيدين من وجود إدارة أمريكية داعمة بشكل مطلق للتصور الإسرائيلي للحل النهائي ومن وجود أسوأ وضع عربي يعاني من شبه انهيار أمام الضغوطات الأمريكية- الإسرائيلية وفي ظل انشقاق فلسطيني – فلسطيني لم يسبق له مثيل ولكن وبنفس الوقت من غير الطبيعي إصرار السلطة الفلسطينية في رام الله على الاستمرار في هذا العبث التفاوضي والجري وراء سراب تلو سراب فالرهان على النوايا الحسنة الأمريكية والإسرائيلية وعلى مفاوضات غير مدعومة بوحدة وطنية فلسطينية حقيقية لم تعد تخدم أي هدف وطني أو غرض سياسي وأقصى
ما يمكن أن تحصل عليه السلطة هو إعلان مبادئ فضفاض يفسره كل طرف كما يحلو له وتكون وظيفته الأساسية التغطية على الاتفاق الانتقالي الجديد الذي يحقق أساساّ أولويات إسرائيل واحتياجاتها ويحول السلطة الفلسطينية المقيدة إلى دولة مقيدة فاقدة للسيادة والوحدة والتواصل السياسي والجغرافي والبشري .
|