في سلوك يناقض دستورها وكل ما تدعيه الولايات المتحدة من حرية الفكر والتعبير والاعتقاد، يحضر الكونغــرس الأميركي قانوناً لمعاقبة الأقــمار الصــناعية التي تحمل موجات
القنوات الفضائية المقاومة من لبنان الى فلسطين والعراق بحجة بث الكراهية ضد الشعب الأميركي والتحريض عليه، ما يعرض بزعمهم أمن الأميركيين وسلامتهم للخطر، وحقيقة الأمر وباطــنه يعاكــسان ظاهره حتى التناقض، معه فالفضائيات المتهمة بأنــها «إرهابية» لم تذكر الشعب الأمـيركي بكلمة أو موقف أو عبارة يستدل منها ما ينسب اليها من بث كراهية، وان هذه الفــضائيات وبميزان الرصد الأروبي من قبل المنظمات المهنية المحايدة (على قلتـها) تقوم بدور تعبوي لمقاومة المحتل والمعتدي على حقوق شعوبها في البلدان المذكورة، مع فضح سلوك جنود الاحتلال وفظاعاتهم في ممارستهم الأعمال العدائية العســكرية في الميدان، والتي يتجاوزون فيـها كل ما هو مــكرس حظــره في القانون الــدولي الإنــساني شاملاً المعاهدات الدولية من اتفــاقيات جنيف الى النظام الأسـاسي للمحكــمة الجنائية الدولية. وليـس أدل على صــدق هذا الأمر مؤخرا أفضل من تقرير غولدســتون وما ورد في الصحافة الغـربية عن فــظائع سجــن أبو غريـب ومعــتقل غوانــتانامو. إذاً حــقيقة دور الفــضائيات المشكـو منها أمران، شحن معنوي للمقاومة وجمهورها، وفضح واقعي وموضوعي لجرائم المحتل وسياساته، وليس في الأمر ما يمس أصلا الشعب الأميركي الذي يغفله أصحاب الفضائيات في أعمالهم ليركزوا على إسرائيل والإدارة الأميركية وسلوكهما الذاتي المنتهك للحقوق.
ومع أن أميركا تدرك جيدا أن ما نذكره أعلاه هو الواقع الذي يعرفه الجميع، فإنها على عادتها في اختلاق ما يناسبها من ظروف تبرر بها قرارات استعمارية عدوانية تريد تنفيذها، كما كانت قصة سلاح الدمار الشامل المزيفة التي اتخذت ذريعة لاحتلال العراق، فإنها اليوم تدعي أن عمل الفضائيات يسيء الى الأمن الأميركي، وتحضر لإسكاتها. والمؤلم في الأمر هو الاستعداد العربي للاستجابة، حيث إن الأقمار الصناعية التي سيوجه إليها الإنذار وتلزم بالتنفيذ هي أقمار عربية ملكية وإدارة، وان هذه الأقمار تستطيع أن تعرض عن الاستجابة لتلك الإنذارات من غير أن تمس خاصة أن كل احتياجاتها التقنية واللوجستية ذات مصدر أوروبي، وأوروبا غير معنية بالقرار الأميركي أقله حتى الآن، ورغم ذلك فإن ما تسرب عن اللقاءات المقفلة في مجلس وزراء الإعلام العرب المنعقد في القاهرة في كانون الثاني الماضي، يشــير بوضوح الى استعداد عربي من قبل القــوى المالـكة للأقمار تلك، للاستجابة للطلب الأميركي، عندما يصبح القانون نافذا، وتجري الإدارة الأميركية تقييماً للقنوات الفضائية، تطلب بموجبه من تلك الأقمار وقف نقل موجات هذه الفضائيات المعادية لسياستها والسياسة الصهيونية.
إننا أمام خطر حقيقي يتمثل في وقف البث الفضائي لقنوات المقاومة وان المسألة قد لا تكون إلا مسألة وقت لا يتعدى الأشهر الثمانية وهي الفترة اللازمة للأميركيين من أجل وضع قانونهم موضع التنفيذ.
لماذا استفاقت أميركا على «حرب الفضائيات الآن وما الذي تستهدفه منه؟» والثاني «هل هناك بديل يعطل الأهداف الأميركية من العدوان على الفكر والتعبير عن الرأي الآخر؟».
في الإجابة الاولى نقول، ان أميركا كما اسرائيل وقفت على حقيقة مرة بالنسبة لها، وهي أن ما كانت تهدف اليه من عمليات عسكرية وحشية، متمثلة بالتدمير والمجازر والتهجير والتشريد بقصد فك جمهور المقاومة عن مقاومته، أو زرع الرعب فيه ودفعه مع المقاومة نحو الانهيار الإدراكي الذي يحقق للمهاجم المعتدي النصر من غير القتال والمواجهة. كل ذلك كان يتعطل بفعل من الخطة الإعلامية المقاومة البديلة التي نجحت في خوض حرب نفسية أفشلت حرب الخصم. ها نحن نقرأ في أكثر ما كتب عن حرب تموز 2006، ان إعلام المقاومة، خاصة المنار والنور، كان شريكاً أساسيا في صنع هزيمة العدو، ومن جهة اخرى فإن للإعلام المقاوم نفسه من التأثير على صنع الرأي العام في المنطقة عامة, وفي إسرائيل خاصة، كما التحكم بالمشاعر وردات الفعل، له الدور الكبير، ويكفي هنا أن نذكر بالقول السائد في اسرائيل بأن مصداقية الــسيد حسن نصر الله لديهم تفوق بكثير مصداقية مسؤوليهم، وانهم اذا أرادوا أن يعرفوا الحقيقة فإنهم يتابعون ما يبثه تلفزيون المنار. لقد وقف الصهاينة والأميركيون على أهمية الإعلام المقاوم في المعركة كما قبلها وبعدها، ولأنهم يعدون لحرب جديدة فإنهم يريدون خنق هذا الإعلام قبل الدخول فيها، واننا نرى ان القانون الأميركي القمعي، هو فعل من سلوكيات الإعداد والتهيئة للظروف الاستراتيجية والميدانية التي تتطلبــها حرب جديدة يعد لها وتأمل أميـركا وإسرائيل كسبها سواء في لبنان أو غزة أو ما تبقى من مســارح العمليات في منطقة الشرق الاوسط. وقد لا نفاجأ بمستقبل تسكت فيه كل الفضائيات المعادية للعدوان الإسرائيلي والأميركي، تسكت مع انطلاق الرصاصة الأولى في الحرب المستقبلية الآتية، التي وإن كان بدؤها ما زال غير منظور في الأشهر المقبلة أو قل مستبعدا الآن، فإنها تبقى قراراً إسرائيلياً لا بد انه سينفذ عندما تطمئن إسرائيل الى الانتصار فيها، ويكون خنق الإعلام ضرورة لكسب الحرب النفسية التي تعتبر جزءاً هاما من الحرب كلها، كما لتغطية جرائم العدو أثناء الحرب.
أما البديل للفـضائيات اذا أسكتت، فينبغي ان يكون في أشكال متعددة يصعب النيل منها، ويتدرج برأينا من الشبكة العنكبوتية ـ الانترنت ـ الى توسيع في بث القنوات الأرضية مع تعاقد مع الدول المجاورة التي تسمح بإقامة محطات الاتصال وتقوية الإرسال أو إعادة الإرسال، وصولاً الى التعاقد مع محطات فضائية صديقة ينتقل اليها معدو بعض البرامج السياسية والعسكرية والاستراتيجية وتزود بالمادة الإعلامية المناسبة، وقد يكون امتلاك فضائيات بديلة على سبيل الاحتياط وبأسماء اخرى وبإدارة أشخاص غير معروفين، قد يكون حلاً يستفاد منه لأيام أو أسابيع تستلزمها الحرب النفسية والإعلامية خلال الحرب المقبلة.
إننا مع قولنا ببــعد الحــرب الآن، فإننا نرى أن الحـرب النـفسية والإعلامية (وفيـها حرب الفــضائيات الآن) هي الحرب البـديلة. وان ربحها أو خسارتها يخط الطريق الى خسارة الحرب كلها أو ربحها.
|