إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

العهد «الطائفي»

روزانا رمّال - البناء

نسخة للطباعة 2019-06-28

إقرأ ايضاً


بعد الانتخابات النيابية الاخيرة كُرّس واقع جديد للمرة الأولى. هذه المرة ليس من بوابة قياس الأكثرية والأقلية لجهة الانتماء الى محور أميركي من هنا او إيراني من هناك إنما لجهة قياس موازين القوى الفعلية محلياً ضمن الطوائف. كل هذا بالتأكيد ضمن ما فرضه قانون الانتخاب على اساس الصوت التفضيلي. والنتيجة الاساسية هنا كانت ارتفاع مستوى التمثيل المسيحي لأكبر حزبين هما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وفرض معادلة القوة داخلة الطائفة.

سياسياً، لا بد من ترجمة هذا التفوق تماشياً مع عهد الرئيس ميشال عون باستكماله على الأصعدة كافة وتماشياً ايضاً كان لا بد من طرح معادلة العودة الى السلطة من الباب العريض على رئيس الحكومة سعد الحريري هذه المرة بتسميته رئيساً للوزراء بأكثرية نيابية ساحقة. الأمر الذي كان متفقاً عليه سلفا قبل قبول تيار المستقبل ترشيح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية مع علمه انه مرشح حزب الله.

تيار المستقبل الذي وجد في عودة الحريري مصلحة سياسية كبرى لم يتوقف عند شكليات هذا المرور بالقدر الذي توقف عنده البعض. الحريري الذي يرى في رئاسة الحكومة فرصة لعودة التوازن السياسي وتكريس حضوره في طائفته بعد التراجع الذي اصاب تياره في الانتخابات النيابية وجد مع العهد ثنائية قادرة على نسج فرص اقتصادية ايضاً قادرة على تعزيز العلاقة أكثر طيلة سنوات رئاسة العماد ميشال عون.

الظروف هذه وضعت التيار الوطني الحر الذي انتج اول رئيس للجمهورية بعد عقود من انتخاب وغياب بشير الجميل وبعده أمين وهما من رحم حزب الكتائب، وبعد عقود من الرؤساء التوافقيين امام حالة من التفوق والانتصار قوامها اولاً هذه الخلفية التي اوصلت مرشحها الى رئاسة الجمهورية، وثانيها التفوق النيابي المسيحي، وثالثها اتفاق قوي واستثنائي جمع ما بين رئيس التيار جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري، اما رابعها وهو للبعض الأهم كان دعماً سياسياً غير مسبوق من حزب الله الى تيار سياسي مسيحي وهو التيار الوطني الحر. وهنا يفيد البحث في تموضع حزب الله الإقليمي وإمكاناته ليتبين ان خياراته في سورية اصابت ولم يسقط حليفه الابرز الرئيس السوري بشار الاسد ما منحه قوة استثمرها محلياً في تعزيز خياراته وخيارات حلفائه.

كل هذه عوامل من القوة والانتصار تضع التيار الوطني الحر وجمهوره أمام مسؤولياته والمسؤولية هنا مضاعفة، لأن مراقبة المنتصر وخطابه هي محط نظر كل المعنيين في اي ساحة او معركة او شبهة.. نستذكر هنا موقف حزب الله بعد حرب تموز وتحرير عام 2000 الذي كان من المفترض فيه أن يستكمل حزب الله كمقاومة أنتجت تحريراً استثنائياً في المنطقة العربية وهزيمة هي الأولى منذ ولادة «إسرائيل» منجزاته عبر فرض شروطه حيال العملاء أولاً وحيال الدولة اللبنانية ثانياً. الأمر نفسه في عام 2006 وبعد انتصاره في حرب تموز وهو الامتحان الثاني الذي اكد فيه حزب الله ان انتصاراته لن يتم تجييرها محلياً بالسيطرة على الدولة ومقدراتها. اما بالنسبة للخطاب فقد تميز الامين العام لحزب الله بشهادة أشد خصومه تطرفاً بالقدرة على جذب واستماع ولفت انظار الافرقاء المحلبين بهدوء النبرة والحنكة التي كانت تخفي بخلفيتها فكرة وحيدة وهي «امتصاص الداخل» وعدم ارخاء شعور قد يؤثر سلباً على التعايش وهو فكرة التفوق والزهو بنشوة الانتصار، فازداد تقليلاً من حضوره السياسي في الحكومات حتى اللحظة التي قرر فيها ان يستلم للمرة الاولى حقيبة خدمية وهي حقيبة الصحة، مع العلم ان لحزب الله القدرة نيابياً وشعبياً على الحصول على حقيبة سيادية. وهنا تحضر مراعاة الحزب لشريكه الشيعي القوي ايضاً وهو حركة امل.

كل هذا يؤكد ان التيار الوطني الحر المنتصر امام المجهر ويؤكد ايضاً ضرورة التعاطي مع الافرقاء الآخرين بروح من التواضع وتصفير الخلافات بعد سلسلة معارك رابحة لاسترداد الحقوق في الدولة وما يتوقع مع ثنائية الحريري.

ما جرى في بلدية الحدث وغيرها من الأحداث المتتالية التي تعبئ الشارع تارة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية واخرى مع حركة أمل أرخى شعوراً من التفوق النفسي الذي سبق فيه المؤيد للتيار إخوانه بأشواط، فكيف بالحال ورئاسة الجمهورية ايضاً هي سنده المعنوي دائماً والرئيس عون الذي وعد جمهوره بالعودة والانتصار واذ به يحققه بعد الانسحاب السوري ويدخل قصر بعبدا من الباب العريض.

هذا التفوق يجعل البعض مصراً على موقف واحد تجاه التيار وهو الهجوم والاستهداف الذي قد يكون مفهوماً لجهة الغضب من بعض المحطات لكنه غير مفهوم لجهة وصف المرحلة او العهد بالعهد «الطائفي»، حتى وصلت نسبة الانتقادات لقول الناس عبر تعليقاتها «الاجتماعية» وبعد حادثة «الحدث» إن احداً لم يشعر بنسبة الطائفية التي صار يشعرها بعهد عون..

كل شيء مفهوم ووراد لجهة التفوق الذي يرخيه التيار نفسياً عليه وعلى جمهوره، لكن الغير ممكن التغاضي عنه والذي يبدو انه صارت ضرورية العودة اليه هو ان موضوعية الخلاف مع التيار الوطني الحر لا تسمح نهائياً بوضعه في خانة العنصرية او الطائفية تحديداً على أبناء بلده، لأن هذا التيار هو التيار المسيحي الوحيد الذي تجرأ على توقيع معاهدة او تفاهم بينه وبين فصيل سياسي «إسلامي» يحمل ما يحمل من عقيدة او ايديولوجيا تقاتل ويحمل ما يحمل من العادات والتقاليد التي تحمل بالشكل ما يختلف كثيراً عن مفهوم الحياة السياسية وحتى الاجتماعية للتيار وهو حزب الله «الشيعي».. هذا العهد أي ميشال عون هو العهد الوحيد الذي تجرأ على مثل هذا التحالف مشرقياً وصار وصفه بالطائفية أبعد ما يكون عن الواقع ومن غير المسموح اعتبار تلك المحطة عابرة، لأنها بالنسبة لحزب الله على الأقل رسمت مصير المسيحيين بالمنطقة وحمتهم.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024