إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مدرسة الانانية ومحبة الذات 2/ 1

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1947-12-01

إقرأ ايضاً


وعدنا الرفقاء قراء النشرة الرسمية، في العدد الماضي، بنشر شيء عن المذهب الاناني الفوضوي المنعوت "بالوجودية" التي أبدل فايز صايغ لفظ "الكيانية" بها، وإننا نفي بالوعد.

ليس ما نريد أن نقوله الآن دراسة تحليلية كاملة لجميع تفاصيل مذهب الأنانية الفوضوية، بل هو اظهار نقاط ارتكاز لها تدل دلالة واضحة على اتجاهها الفوضوي الاناني الهدّام للأمة والقومية وعلى مصدر الفكر الذي نقله إلى العربية فايز صايغ وأذاعه في أوساط الحزب القومي الاجتماعي، كما لو كان يذيع تعليماً خاصاً به.

إن الكاتب الذي اعتمده المطرود فايز ونقل أفكاره وبثها في أوساط الحزب القومي الاجتماعي هو نقولا بردياف. وأهم ما نقله عنه فايز صايغ كان من كتابه "العبودية والحرية" المطبوع في لندن 1944. وفي مكان آخر يرى القارىء مقابلة موجزة جداً بين أفكار بردياف، والعبارات التي نقل بها فايز صايغ تلك الأفكار. ولو أنه كان لنا وقت وكان موضوع فايز صايغ يستحق كل هذا العناء لعمدنا إلى قراءة كل كتب بردياف التي جمعها فايز وجعلها مع كتب أخرى زاده للكتابة. ولكننا سنكتفي بنقاط ارتكاز لمذهب الشخصية الفردية الانانية الفوضوية من كتاب بردياف المذكور وهي النقاط التي تسربت إلى أوساط القوميين الاجتماعيين عن طريق عمدة الثقافة وعمدة الاذاعة اللتين تولاهما فايز صايغ، بالاتفاق مع نعمة تابت على خيانة الزعيم والقضية القومية.

المرتكز الأول لمذهب الفردية

ان نقطة الارتكاز الأولى لمذهب الفردية القائل بأن كل فرد هو شخص وبالتالي هو شخصية هي دينية تجعل الفرد منبثقاً عن الله راساً من الله وليس من النوع الانساني او المجتمع الانساني، او بواسطة النوع الانساني او المجتمع الانساني. وإليك ما يقول بردياف في كتابه "العبودية والحرية" "لندن" 1944:

"الشخصية (الفردية) ليست جزءاً من المجتمع كما انها ليست جزءاً من السلالة" (ص.26).

"الشخصية (الفردية) لا تنشأ من العائلة والنظام الكوني، انها ليست مولودة من اب وام، انها تنشأ من الله، فهي تظهر من عالم آخر" (ص.36). ولتثبيت هذا المبدأ ضد الحقائق العلمية يحتاج بردياف، في فوضويته، إلى انكار قيمة العلم والنتائج الأكيدة التي توصل إليها العلماء وفلاسفة العلم فيقول تسرعاً (ص.26 من كتابه) "جميع تعاليم علم الاجتماع عن الإنسان هي غلط (!!!) انها لا تعرف غير الطبقة السطحية المأخوذة بمثابة وضع للانسان". ثم ينكر قيمة الفلسفة الاجتماعية وفلسفة الحياة (البيلوجية) لانها لا تعتبر كل شخص شخصية مستقلة منبثقة رأساً من الله؛ فيقول في نفس المكان المذكور فوق: "الفلسفة الوجودية فقط (اي فلسفة الشخصية المعدودة عنده مركز الوجود)، وليس الفلسفة الاجتماعية أو الفلسفة الحيوية، تقدر أن تبني تعاليم الانسان من حيث هو شخصية" وهذا يوازي قولنا انه: بما أن موضوع الإنسان، في نظر الفلسفة "الوجودية"، هو موضوع شخصي فكل فلسفة اخرى تخرج عن هذا الموضوع تكون فاسدة! ولذلك يقول بردياف ان العلم وحقائقه وكل فلسفة تبنى على حقائق العلم هي غلط من رأسها!

وهكذا تكون التطورات والافتراضات المتسلسلة بمعزل عن العلم، التي تعيد الانسان إلى أزمنة التكهنات والتخرصات، هي وحدها أساس الفلسفة الصحيح!

المرتكز الثاني

ولما كانت الشخصية (الفردية) منبثقة راساً من الله من غير واسطة النوع الإنساني ومن غير واسطة المجتمع كان اتحاد الفرد في المجتمع وروحيته ونظامه قضاء على شخصيته. ولذلك وجب ان يكون لهذا المذهب اللا وجودي، المنعوت خطأ بالوجودية نقطة ارتكاز ثان هو: رفض الاتحاد في المجتمع، والتمرد على واجبات المجتمع.

انظر ما يقول بردياف، في كتابه المذكور: (ص.28) "ان تحقيق الشخصية (الفردية) لذاتها (والشخصية هي شخصية كل شخص – كل فرد)، شيء يفترض اي يشترط المقاومة، انه يقتضي مصادمة مع قوة العالم الاستعبادية – انه يقتضي رفض التوافق مع العالم"!!

النزعة الفردية في أشد غلوها، والسلبية الاجتماعية في أشد عماوتها، هما المرتكز الثاني لمذهب الشخصية الفردية الفوضوية.

تبلغ هذه النزعة الفردية السلبية جداً بعيداً جداً، يصعب عنده التوفيق بين المجتمع والفرد، نفسياً إلا على اساس اخضاع المجتمع للفرد وجعله "جزءاً من شخصيته". إلى هذه النتيجة يصل قول بردياف المتقدم وقوله الآتي: "قد يقال ان المجتمع والطبيعة يقدمان المواد لتكوين الشخصية (الفردية). ولكن الشخصية هي تحرر من الاعتماد على الطبيعة ومن الاعتماد على المجتمع والدولة. حتى من الداخل هي تعيين ذاتي، حتى أن الله نفسه لا يقدر أن يحدثه. الشخصية (الفردية) هي المركز الوجودي المطلق فهي تقرر نفسها من الداخل، في معزل عن كل العالم الوضعي" (ص.26).

من كلام بردياف يتضح أن الفردية تقف موقفاً سلبياً نافراً من الطبيعة ومن المجتمع ومن الدولة ومن الله الذي تنبثق منه رأساً الشخصية الفردية!

إن مذهب الشخصية الفردية مذهب سلبية دائمة ومقاومة مستمرة تدفع الفرد دائماً إلى المخالفة والمقاومة من أجل تثبيت شخصيته وخشية أن يكون قبولها لأي فكر أو حكم أو تقليد ما يمكن أن يشتم منه إنه قبول لتقرير من المجتمع أو الدولة او الله! خالف تعرف وخالف دائماً تعرف دائماً! هذه هي القاعدة الذهبية لهذا المذهب الغريب.

ويصل الأمر إلى تفاصيل غريبة نضرب صفحاً عنها ولكننا نأخذ مثلاً منها: اذا قرأ احد القائلين بمذهب الفردية فكراً لمفكر وأعجبه واعتنقه، وجب أن يحرص كل الحرص على أن لايظهر بمظهر المقتبس والتابع فيمكنه أن يستولي على الفكر كله استيلاء ويدعيه لنفسه!

....

يتبع

النشرة الرسمية ديسمبر 1947.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024