إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الوطنية التي لا وطن لها 3

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1942-12-01

إقرأ ايضاً


لو كان السيد رزق الله حداد اكتفى بالقول، من هذه الناحية، ان السوريين النازلين في البرازيل يريدون، عملاً بأخلاق شعبهم ومناقبه ان يظهروا للشعب البرازيلي أنهم، في هذه الظروف القاسية، كما في جميع الظروف الأخرى، لم يتغير شيء من صداقتهم ومحبتهم للبرازيل أو من استعدادهم للاشتراك مع البرازيليين في أفراحهم وأحزانهم، لكان وفى الموقف حقه وحافظ على شعور السوريين والبرازيليين معاً. والبرازيليون لا يطلبون من الأقوام الأحنبية الحرة غير هذا الموقف. فهم بصفتهم شعباً حراً يعرفون كم هي عزيزة الوطنية عند الأحرار وأن الشعور القومي شيء مقدس ورباط نفسي لا يمكن قطعه بالانتقال من بلاد إلى بلاد. وهم يفهمون أن شعور السوريين النازلين في بلادهم نحوهم، في نفس الوقت الذي تتجه أبصارهم إلى أمتهم ويأخذهم الجزع على وطنهم سورية ومصير أمتهم السورية، هو شعور نبيل – أنبل كثيراً من شعور جماعة أنكرت أمتها وجنسها ووطنها وقوضت دعائم نفسيتها لتهتم بظرفها الحاضر أو جماعة جردت من جميع المزايا النفسية الانسانية والحيوانية ونزلت بها إلى درك النبات الذي لا يعي ولا يدرك.


لا نظن أن البرازيليين الواعين يحترمون السوريين المنكرين قوميتهم ووطنهم أكثر من احترامهم الانكليز أو الفرنسيين المحافظين على قوميتهم ووطنهم ولا نعتقد أن مركز السوريين على أساس خطاب السيد رزق الله حداد ، أعلى عند البرازيليين من مركز اليهود الذين أوجدوا قضيتهم في العالم وعملوا لها وأحدثوا صداقاتهم مع الأمم على أساسها. لكن فاقدي الثقة بأنفسهم وبأمتهم يظنون ذلك ويعتقدونه ويرون منزلتهم تعلو حين تهبط وترتقي حين تنحدر فكأنهم لا يرون الارتفاع إلا إلى أسفل ويريدون أن يوجدوا هذا النظر في شعبهم كله.


ليس صحيحاً قول السيد رزق الله حداد أن السوريين هم من البرازيل وللبرازيل. إنهم من سورية كلهم وهم لسورية إلا من ترك قوميته وأختار الجنسية البرازيلية. ولكنهم جميعاً يحبون البرازيل ويريدون خيرها ويرغبون في علائها يشاركون البرازيليين الشعور في حالات حزنهم وفرحهم. وليس صحيحاً ولا لائقاً بالنفسية السورية الكريمة قوله أن السوريين يعملون بمبدأ فاسد ينسبه الخطيب إلى سليمان اليهودي حيث يقول " حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك" وأن قلوبهم مع البرازيل لأن ثروتهم فيها. وليس صحيحاً هذا التهور في التأويل الشعري لقول شاعر – "فإنما أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض" وإنه بما أن أولاد السوريين في البرازيل هم قلوبهم فالسوريون هناك قد صاروا برازيليين بقلوب برازيلية، بحكم هذا الاستنتاج الفاسد. وليس صحيحاً أن "أولادنا وثروتنا وأعمالنا وجميع ما حققناه من تعاقب خمس وستين سنة تقريباً من الهجرة والعمل المستمر هي روابط تشدنا إلى هذه البرد المضيافة مبهدة إيانا إلى الأبد عن وطن آبائنا".


لو كان صحيحاً شيء من ذلك لما كانت الحفلة المذكورة آنفاً حفلة مشاركة مجموع آخر في الشعور بل كانت حفلة خاصة بمجموع نحو نفسه فاقدة معنى المشاركة الذي تمتاز به.


لا ندري إذا كان السيد رزق الله حداد تجنس بالجنسية البرازيلية. ان قوله "وطن آبائنا" يدل على أنه لا يعد نفسه سورياً (أو لبنانياً إذا كان انفصالي المذهب).


ولكننا نسأله هل جميع المجموع السوري في ريو دي جانيرو قد "طلق" قوميته وجنسيته وتجنس بالبرازيلية؟ واننا نؤكد أن الحقيقة ليست كذلك. فلماذا يطوي الخطيب كشحاً على شخصية الذين يتكلم بإسمهم ويرمي بشعورهم القومي في البحر ويحرم قوميتهم فخر عملهم وفوائد هذه الرابطة الشعورية بين السوريين والبرازيليين التي نتمنى أن تقوى وتصير روابط صداقة متينة في المستقبل بين الشعبين السوري والبرازيلي.


...


يتبع




مقالة في نيويورك و خطاب في ريو دي جانيرو. الزوبعة: نوفمبر - ديسمبر 1942


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024