إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حقوق الجماعات ضمن النهضة

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1942-12-15

إقرأ ايضاً


باشرنا في العدد الثاني والخمسين من "الزوبعة"، العناية بناحية جديدة من الدروس القومية الاجتماعية وفاقاً للاسلوب المباشر. ولكننا اضطررنا لقطع الكتابة في هذا الموضوع التوجيهي الهام لنفسح المجال لمواضيع اخرى وللنظر في بعض الأعمال الجديدة العارضة. وإننا نعود الآن إلى النقاط الموضوعة تحت المعالجة.


قلنا في مقال العدد المذكور أن بعض الاقتراحات والانتقادات التي وردت ادارة "الزوبعة" من بعض القوميين الاجتماعيين المهتمين بشؤون الحركة القومية الاجتماعية كانت اقتراحات وانتقادات اعتباطية. ولايضاح هذا الوصف العام بدقة نقول أن الذين أوردوا تلك الاقتراحات والانتقادات لم يبنوها على درس عام لنفسية المجموع وحاجاته. وهذا ما عنيناه بقولنا أن المنتقدين ليسوا من أهل الاختصاص. فالذين اقترحوا أو أشاروا بعدم ذكر أسماء أشخاص حين درس حالة مجموعنا وصعوبات الحركة القومية الاجتماعية والسموم الفكرية التي يبثها أهل الفساد والرجعية والنفاق يريدون، على ما يظهر، أحد أمرين – اما أن "تترفع" "الزوبهة" عن تناولأشخاص لا قيمة ثابتة لعلمهم أو أدبهم ولا مكانة مكينة لهم عند الوجهاء أو عند فئة قليلة من الخاصة. واما أن تقتصر "الزوبعة" على ما تحتاجه الخاصة فقط وترك حاجة العامة الكبرى من دون عناية. فنتناول هذين الوجهين كليهما. الترفع في مثل هذه المواضيع والحالات التي عرضت لها "الزوبعة" قد يكون معناه أن نعصب عيوننا ونلتفت ذات اليمين وذات اليسار ونقول – "لا يوجد ايليا ابي ماضي، ولا يوجد عبد المسيح حداد، ولا يوجد رشيد الخوري الخ". والحقيقة أن هؤلاء الاشخاص ومئات من أمثالهم موجودون. والذي ساعدهم أن يوجدوا ويكونوا أحجار عثرة في سبيل الحركة القومية الاجتماعية ومفسدين لقسم كبير من علمة السوريين المغتربين وعدد غير قليل من شبه الخاصة هو تركهم وشأنهم وعدم الدلالة على اغلاطهم في حينها. فاكتسبوا مع الأيام صيتاً ما كان يكون لهم لولا الاهمال والفوضى اللذان استغلوهما إلى أقصى حد. فأبي ماضي مثلاً، صاحب جريدة يومية يقرأها مئات من الناس، على الأقل. فهل يريد صاحب اقتراح اغفال الأسماء أن نترك هؤلاء المئات في ظلمة أبي ماضي من أجل مبدأ "الترفع" العقيم؟ وإذا كان كثير من الذين اتصل بهم "القروي" في سان باولو وعاشرهم قد خبروه وعرفوا عجزه وضعفه فماذا نفعل بمئات الناس خارج سان باولو الذين صورت لهم صحافة التدجيل "القروي" بصورة "شاعر الوطنية"؟ هل نقول – هؤلاء ليسوا من الأمة أو ليسوا شيئاً وعليهم أن يتبعوا فئة سان ياولو "على العمياني"؟


ان الأشخاص الذين ذكرتهم "الزوبعة" كانوا موجودين وجوداً يؤثر على المعنى، قد أصبح قليل الشأن في المدة الأخيرة، فالفضل عائد إلى أن "الزوبعة" تطور الاعتقاد في أوساط هي جزء هام من مجموع الأمة. وإذا كان وجدهم، بهذا لم "تترفع" عن ذكر أسمائهم وشأنهم. ومئات الناس المنخدعين "بوطنية" أولئك الشخاص وأدبهم كانوا موجودين أيضاً. وإذا كان قد قل عددعم مؤخراً فالفضل عائد إلى أن "الزوبعة" لم تهمل حاجتهم إلى ايضاح المسائل وعلاقة الاشخاص بها ولم نقل "من هم هؤلاء المنخدعون حتى نلتفت إليهم، هم لا شيء".


أما أن تقتصر "الزوبهة" على المواضيع والأبحاث التي تهم الخاصة فقط، من أهل العلم والفكر والرأي فين\مكن الادارة القومية الاجتماعية أن تنظر فيه بشرط أن يكون هذا الاقتراح مصحوباً باتراح انشاء جريدة أخرى للمسائل الشعبية التي تحتاج العامة لإيضاحها من الغاز مبهم. فإذا أمكن، مادياً، انشاء جريدة أخرى اسبوعية أو يومية أو مرتين كل شهر وقام عليها كتاب يعنون بالمسائل والحوادث التي تشغل عقول العامة كثيراً من ادراكها، حينئذ يصير اسقاط بعض المواضيع من "الزوبعة" ممكناً من غير ضرر أو اجحاف بحقوق العامة على مؤسسات النهضة القومية الاجتماعية الاذاعية. وبدون هذا الشرط لا يمكن قبول اقتراح مقترحي ترك الاسماء إلا بالتنازل عن بعض أهداف الاذاعة القومية الاجتماعية الهامة.


هذا التحليل يشرح ما عنيناه سابقا. بقولنا أن "الزوبعة" هي لجميع الطبقات والعقول الموجودة ضمن شعبنا وفي جماعاتنا المغتربة. والقوميون الاجتماعيون الفاهمون والذكياء يجب ان تكون لهمروح الرفق بأبناء أمتهم الذين ليس لهم مثل ذكائهم وفهمهم. وأم يشعروا بوجوب انتظارهم قليلاً في معارفهم وادراكهم لكي لا يحدث انقطاع تام بين أهل العلم والرأي، وعامة الشعب الذين هم جسم الأمة.


وردنا، مؤخراً اقتراح من الأمين الدكتور فخري معلوف بتحويل "الزوبعة" إلى مجلة للابحاث الرئيسية الهامة. وقد كانت الادارة القومية الاجتماعية العليا فكرت بإنشاء مجلة حين كانت "سورية الجديدة" لا تزال في الوجود ولم يكن صدر قرار حكومة البرازيل بمنع الصحف الاجنبية اللسان، ولم يكن حدث مشكل ادارة انشاء "سورية الجديدة". ولو كانت تلك الصحيفة بقيت لكان الأرجح أن تكون "الزوبعة" نشأت بشكل مجلة للابحاث العلمية الهامة.


الحركة القوميةالاجتماعية تحتاج للابحاث الفكرية التوجيهية ولكنها تحتاج أيضاً لمحاربة الدعاوات الفاسدة وأصحابها في المعارك السياسية الجارية. ان مشروع ايجاد مطبعة كاملة العدة ورسمال كاف لتسيير المطبعة كان يضمن ايجاد مجلة وجريدة والفصل بين الابحاث التكنية والفكرية الراقية، والشؤون الشعبية العملية. ولو أن الاقتراحات والانتقادات المشار اليها آنفاً صرفوا كل همهم لتأمين المطبعة، لكان تحقيق هذا المشروع أغنى عن اقتراحاتهم غير المدروسة على ضوء الحقيقة. ولكنهم، بدلاً من أن ينصرفوا بكليتهم إلى درس تحقيق هذا المشروع الحيوي، الذي كان عرض عليهم والسعي لما فيه تقدم الحركة ورسوخ اعقيدة في بيتهم وحدود صلاحياتهم، أخذوا يتبادلون الآراء في صواب عرض "الزوبعة" لأسماء بعض الأشخاص أو عدم صوابه ثم في الكتابة إلى ادارة "الزوبعة" وإلى زعامة الحزب في هذه الانتقادات غير الدراسية وغير الاختصاصية. وهذه الكتابة تعني صرف وقت طويل وجهود كثيرة لا طائل تحتها غير اقناع هؤلاء الرفقاء بأن ما تنشره "الزوبعة" يكون دائماً مبنياً على أسباب موجبة لا لزوم لحمل الادارة في مثل هذه الأمور المبنية عندها على دروس نفسية وسياسية، وعلى معلومات ليس من اللازم توقيف العمل لشرحها لمن يجب أن تكون لهم الثقة بقدرة الادارة على تطبيق ما يلزم منها. وهم يجرون في ذلك على قاعدة ضارة روحياً وعملياً، وهي هذه – أن جهل الاشخاص أسباب بعض المسائل هو سبب كاف للظن أن الادارة أخطأت أو انها لم تصب الأفضل. وأضرار هذه القاعدة الروحية كائنة في عدم الثقة بمقدرة الادارة. وأضرارها العملية هي صرف جهود في مكاتبات تكلف الاشخاص والادارة وقتاً وتعباً لايضاح ما ليس واجباً ايضاحه لو كان كل فرد يتم واجباته بروح تاثقة ويترك للادارة مؤوليتها والوقت الكافي لتظهر نتائج خطتها.


في بعض هذه الظروف كتب الزعيم غلى احد المسؤولين عن بعض الفروع يلفت نظره إلى افضلية الانصراف بالكلية غلى المشاريع العملية التي هي ضمن دائرة لاحياته والتي ارسل غليه تكليف بها. وكانت عبارة الزعيم هكذا – "هذه الأمور تحتاج غلى عناية واهتمام وسعي ومثابرة وقدح زند الفكر واستنباط الحيل وهذه تتطلب الانصراف بالكلية غلى هذه النواحي". اما جواب المكلف المشار اليه فكان هكذا – "لكن، يا زعيمي، أين الشخص الذي بامكانه القيام بمثل هذا العمل؟".


الظاهر من جواب المكلف انه أساء فهم توجيهات الزعيم. فقد يكون أول "الانصراف بالكلية" بترك كل عمل آخر لتحصيل المعاش. وهذا غلط كبير في الاستنتاج. فالتوجيهات هي، كما يستدل بالقرينة وحدود الموضوع، الانصراف الفكري، بعد الفراغ من الأعمال المعاشية البحت، إلى المسائل العملية التيهي ضمن صلاحيات المسؤول، بدلاص من تجزئة القوى الفكرية والوقت الباقي من عمل الكسب في التدخل في مسؤوليات دوائر عليا، وتكليف هذه الدوائر شرح تفاصيل كل خطة تقررها.


أما العناية والاهتمام والسعي والمثابرة وقدح زناد الفكر واستنباط الحيل فيجب أن يكون في مقدور كل مكلف ومسؤول على نسبة اهمية وظيفته ومؤهلاته. واما مقدار ما يبذله كل مكلف منها ومبلغ نتائج هذا البذل فينظر فيهما ويمكن أن تجرى عليهما محاسبة. لأن من يترك واجباته ليهتم بواجبات غيره ليس مقصراً في العناية والاهتمام والسعي والمثابرة وقدح زناد الفكر واستنباط الحيل بل مسيئاً استعمال هذه الخصال والحركات وواضعاً اياها في غير مواضعها. وتوجيه الزعيم هو لحصرها دائماً ضمن الصلاحيات والمسؤوليات المعنية والمقيدة بالنظام.


غن ابداء الرأي بحرية هو من حقوق كل عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولكن ابداء الرأي يجب أن لا يكون معناه التدخل من الأدنى في صلاحيات العلى مسؤولياته. حتى ليكاد يشعر الأعلى أنه مسؤول تجاه الأدنى والعكس ما يجب أن يكون. وهذه نقطة اساسية جوهرية في طبيعة النظام مهما كان شكله. فيا ليت المسؤوليت ينصرفون بالكلية إلى اتمام شؤون مسؤولياتهم قبل النظر في مسؤوليات غيرهم، فتكون حركاتهم وأعمالهم أفيَد للقضية حتى ولو كانت انتقاداهم "للزوبعة" في محلها.


فمن الثابت انه لا يمكن منع الغلط بالكلية لا في الفرد ولا في المجموع. وانما تقل الأغلاط غلى أدنى حد ممكن بانصراف كل ذي شأن إلى العناية بشأن والسهر عليه واعطاء النتائج المطلوبة او المنتظرة منه.


ويجب أن لا ينسى بعض المهتمين، انه أحياناص يقترحون اقتراحات هي من باب استباق الامور او تعجيلها. فبعض المسائل تكون مقررة في الدوائر العليا، ويكون مقرراً ترتيب تنفيذها فتأتي بعض الاقتراحات مطالبة بها من غير خطة ولا قاعدة فهو التشويش الاداري والنظامي عينه.


لا يدخل في هذا النطاق باب المعلومات. فالمعلومات عن الحوادث الجارية، ورد الفعل لبعض الخطط الموضوعة في مجرى التنفيذ، هو أمر لازم واجب يسأل عنه المكلفون على نسبة صلاحياتهم ودائرة اعمالهم.


ان "الزوبعة" هي الجريدة القومية الاجتماعية لجميع الأوساط ولكافة الطبقات الفكرية. ولا يمكن الادارة أن تجعل طبقة من هذه الطبقات تستأثر بهذه الجريدة قبل أن توجد صحيفة أخرى تسد حاجات غير طبقة الخاصة. والذين يرغبون في هذا الارتقاء التكني عليهم الانصراف إلى تحقيق نصيبهم من المجهود العملي المنتج، بدلاً من امطار الادارة بالاقراحات الاعتباطية التي لا نتيجة لها غير ارهاق الادارة وتشويش أعمالها.



"الزوبعة" – العدد 58 في 15 ديسمبر 1942.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024