النهضة القومية
قامت النهضة "الوطنية" (الرجعية) على المبادىء الآتية:
1- أنه ليس في سورية أمة.
2- سورية بلاد صغيرة لا تتمكن من الصمود لعدو ولا تقدر على الحياة مستقلة.
3- عدم التعرض للنظام الاجتماعي الاقتصادي الداخلي.
4- الدين أساس الدولة.
5- الاعتراف بصلاحية رجال الدين للتدخل في شؤون البلاد السياسية والإدارية والقضائية.
6- توفيق الرغبات لمجرى الإرادة الأجنبية.
7- عدم التعرض لمسألة مستوى الحياة.
8- المصلحة الفردية أساس كل مصلحة.
وقد توفقت هذه النهضة إلى إيجاد مؤسسة واحدة هي مؤسسة الشركة السياسية المحدودة التي وضعت يدها بيد الرأسمال خصوصاً الرأسمال الأجنبي. وتوفقت إلى دويلة في الشام دين رئيسها الإسلام. وتأسيس دويلة في لبنان يتنازعها نفوذ البطريركية المارونية والمؤسسات الإسلامية، وجعل مفتي فلسطين مرجع الحركات السياسية في هذه المنطقة.
أخيراً انبثق فجر النهضة القومية التي جاءت تنقض تعاليم "النهضة الوطنية" الفاسدة وتحل محلها تعاليم قومية تظهر الشخصية والنفسية السوريتين وتوقظ الوجدان القومي، أول خطوة نحو التحرر من الخمول والقضاء على خرافة "الوطنيين" القائلة أن لا أمة في سورية.
كان انبثاق هذه النهضة المحيية في خريف 1932 حين أثمرت المحادثات مع بعض الطلبة في الجامعة الاميركانية عن اعتناق المبادىء التي تأسس عليها الحزب السوري القومي ومنذ ذلك الوقت وحركة الحزب السوري القومي تعمل في طول سورية وعرضها جاذبة ألوف الشبان والشابات إلى الإيمان القومي المحرر النفوس من عبودية الاستسلام للحال الراهنة ومضاربات الشركات السياسية مكونة منهم، لأول مرة في التاريخ الحديث، إرادة قومية واحدة ومصلحة قومية واحدة.
إن إيقاظ فكرة الأمة غيّر كل مقاييس القوة الكامنة في الشعب السوري الغني بمواهبه الفطرية وفتح أمام الأمة السورية مجالا لعدد لا يحصى من الممكنات العملية لقتل الدعاوات الأجنبية الفاسدة وتغيير التاريخ ونقض الحال الراهنة التي تضع سورية في عداد الأمم الميتة وتحسبها مغنماً من مغانم تركة "الرجل الذي احتضر" في حين أنها ليست سوى حادث من حوادث التاريخ.
إن النهضة السورية القومية تضع تجاه التسليم بالحال الراهنة نظرية تقول أنه إذا كان التاريخ قد تغير مرة ففي الإمكان أن يتغير مرة أخرى. وإذا كانت حوادث تاريخية معينة قد أفقدت سورية إمبراطورية الهكسوس وإمبراطورية صور وقرطاجة والإمبراطورية السورية (السلوقية) وزعامة الإمبراطورية الإسلامية. فإن حوادث تاريخية معينة جديدة ترفع سورية مرة أخرى إلى مرتبة أمة حية وقوة سياسية يجب أن يراعى حقها في الحياة. هذه الحوادث التاريخية المعينة الجديدة هي حوادث النهضة السورية القومية.
شقت النهضة السورية القومية أمام سورية طريق القومية، وهي الطريق التي تخرج قوى الأمة الجديدة من مكامنها لتسير عليها في تقدم مطرد، نحو المستوى الأعلى والحياة المثلى.
تمكن الحزب السوري القومي من شق الطريق لتحيا سورية بفضل مبادئه التي توجد الوحدة القومية على أسس راسخة وروحية نهضته المولدة إرادة في الحياة لن تحول دون نفاذها كل شعوذات الإرادات المعادية، الرامية إلى إقرار الحال الراهنة على أساس تثبيت سلام مجحف بحقنا في الحياة ومصلحتنا.
"إن النهضة القومية تعترف بأنه ليس أفضل من تنازل بعض الأمم عن حقهن في الحياة لتوطيد سلام دائم وبأن سورية ليست ولا تريد أن تكون من هذا البعض. وهي ترفض التسليم بإخضاع الأمة لحوادث التاريخ.
إن وضع العصبية القومية موضع العصبيات الدينية والعشائرية أنقذ الحيوية السورية من فوضى التجزئة وأطلق قوة روحية عظيمة لا حد لممكناتها وأقام في المجتمع السوري نظام التعاون بدلاً من نظام التصادم الذي أسسته النهضة الرجعية، التي أطلق عليها خطأ نعت "الوطنية" وأحلّ مصلحة الأمة محل مصلحة الفرد، التي يقول بها النفعيون والرسماليون، ومحل مصلحة الطبقة التي ينادي بها الشيوعيون.
1- سورية للسوريين والسوريون أمة تامة.
2- الأمة السورية هيأة اجتماعية واحدة.
3- مصلحة سورية فوق كل مصلحة.
هذه مبادئ أساسية للنهضة القومية التي بعثت الأمة السورية حية.
وهي ذات معنوية عظيمة في هذه النهضة ففي الأول ينقض السوريون القوميون حكم الحقوق المكتسبة من عوارض التاريخ. وفي المبدأ السادس يضع السوريون القوميون فكرة المجتمع السوري مكان فكرة الطائفة أو العشيرة وهو مبدأ ذو فاعلية عظيمة في توحيد الأمة توحيداً ثابتاً راسخاً. وفي المبدأ الثامن يعلن السوريون القوميون صراحة أنه متى بلغت الأمة مفترق طريقين تؤدي الواحدة منهما إلى الفناء وتؤدي الأخرى إلى الحياة والارتقاء فليس هنا الزمان والمكان لتبشيرها بالسلام الإنساني والاخاء البشري وتنازع الطبقات في مذهب اللاقومية.
...
يتبع
نشر هذا المقال في مجلة "الجمهور" تاريخ 12 تموز 1937.
|