إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ليس على إرادة الشعب قدر

نضال حمد

نسخة للطباعة 2011-01-21

إقرأ ايضاً


تونس الخضراء ترفع راياتها الحمراء ، تمرغ أنف النظام القمعي بالوحل ، ترد الروح لجسد العروبة المستباح .. ترتدي زي عبد الناصر القومي ، تحمل راية القسام السوري العربي في فلسطين ، وتحلق عالياً كما بطلها العربي الكبير ، الطيار الشراعي الشهيد ميلود بن الناجح نومة، بطل عملية شهداء قبية الاستشهادية الفدائية في الجليل الفلسطيني المحتل يوم 25-11-1987 ..

تونس تحمل رايات الشهداء التونسيين والعرب من المحيط الى الخليج .. تعلم العرب أبجدية الثورة الجديدة ، بأسلوب حضاري ، متمدن ، استطاع أن يهزم النظام الأمني القوي للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في غضون أيام قليلة..

تونس تعلم الآخرين ما لم يعلموا، توقد نار العروبة، تشعل شعلة التغيير، تبرز إرادة الشعوب التي ليس عليها قدر

تونس تمد جسور الوصل بين المحيط والخليج وتركب عربة الشهيد محمد بوعزيزي وتمضي نحو التغيير بخطوات واثقة ..

شعب تونس المتحضر والمتمدن، الملتزم بالعروبة وبالانتماء للشرق العربي الذي له مغربه، من حيث أشرقت مؤخراً شمس العروبة..

شعب تونس هو الشعب الذي يحب الحياة والذي يستجيب له ولشاعره العظيم (الشابي) قدر الحياة..

لولا خرجت جموع التونسيين من مدن وبلدات القصرين وسيدي بوزيد وقفصة وتوزر ودوك وباجس والقيروان وسوسة والمنستير والحمامات وتونس العاصمة وصفاقس وبنزرت والمهدية والقيروان وكل مكان في تونس الخضراء ، التي عمد الشعب ترابها بالدماء الحمراء ، لولا ذلك لما سقط النظام ولما تبدلت أحوال البلد. فالحرية تنتزع بالتضحيات وتتأتى بالنضال والوعي والحس العالي ، لا بقرارات مستوردة ، ولا على ظهور الدبابات أو على ظهور أساطيل الغرب أو سفن الصحراء المحملة بعار العروبة ..

هب الشعب التونسي في كل مكان وقدم الشهداء والجرحى وتابع مسيرته المظفرة حتى حقق ما عجزت شعوب المنطقة كلها عن تحقيقه منذ زمن طويل. لم تكن عملية قيام الشهيد الأول محمد بوعزيزي بحرق نفسه حتى الموت ، سوى شرارة النار التي امتدت لتطيح ببن علي ونظامه وجهازه الأمني القوي.

نجحت جماهير تونس في فرض إيقاعها على مجريات الانتفاضة التونسية أو المقدمة الثورية الشعبية التونسية ، التي ستكون لها انعكاسات وامتدادات مغاربية ومشرقية. إذ ظهر واضحاً حجم الهلع الذي سببته ثورة تونس وهبة السكان في أحياء الجزائر العاصمة عند الجيران القريبين والاشقاء البعيدين. فسارعت الدول والحكومات من المحيط إلى الخليج وفي المشرق والمغرب العربيين إلى خفض الأسعار ودعم السلع الأساسية. لم تقم تلك الحكومات التي تتاجر بمصير الأمة بذلك إلا بسبب الخوف والهلع من امتداد شرارة الثورة التونسية اليها.

كتب الصديق والزميل د. عبد الرحيم كتانة يوم الخميس الموافق 20-1-2011 وتساءل : "هل يحرق الفلسطيني نفسه احتجاجاً على الظلم؟"..

أقول للصديق العزيز، لا، أبداً لا... فليحرق الفلسطيني المستبدين والظالمين والفاسدين والمفسدين والمحتلين، ولتكن ثورة شعبية على العملاء ووكلاء الاحتلال أولاً. ومن ثم على المشاركين في سلطتهم، وعلى الصامتين عن سطوتهم وفشلهم وتنسيقهم الأمني مع الاحتلال ووقوفهم بقوة ووقاحة، وسراً وعلانية ضد مقاومة الشعب الفلسطيني. ليبدأ الشعب الفلسطيني بتطهير نفسه وأرضه من رجس عصابة الوكلاء الأمنيين التي تحكم الضفة الغربية المحتلة بقبضة من حديد. ولتكن ثورة ضد الاحتلال والمستوطنين، تعيد البهاء والنقاء والعطاء لشعبنا هناك ، هذا الشعب المجرب في ساحات المقاومة والنضال والفداء.. فليس هناك من سبيل آخر غير سبيل الثورة والانتفاض والمقاومة الشعبية المستمرة والمسلحة لأجل نيل الحرية والاستقلال.

وليقم الفلسطيني في غزة أيضا بوضع النقاط على الحروف وتبيان الصحيح من الغلط للذين يمارسون أعمالا مرفوضة وغير مقبولة ويقومون منذ عدة سنوات بمخالفات لا يمكن الاستمرار في السكوت عنها بحجة افتقاد الخبرة وانعدام التجربة لعناصر وكوادر وقادة السلطة الجديدة في القطاع. فقد آن الأوان كي يتعلم هؤلاء ويستفيدوا من تجارب الآخرين، وكي يأخذوا العبرة من الأولين.

تحضرني الآن أحلام صديقي ورفيقي التونسي المناضل اليساري الصلب" أبو رفيق " ، هذا المناضل الميداني الذي عرفته ساحات وميادين لبنان المقاومة ، والذي كان أول من أسعفني و حملني إلى سيارة الإسعاف يوم إصابتي بصاروخ دبابة صهيونية في بيروت سنة 1982 . حيث قاتلنا في الاجتياح والحصار نحو ثلاثة شهور ، وعدنا لنقاتل ونحن عدد قليل من الفدائيين العرب المجهولين في الاجتياح الثاني لبيروت يوم 14-09-1982 ، قاتلنا وصمدنا واستطاع أبو رفيق بعد عناء ومشقة وملاحقة أن ينجو من الأسر الصهيوني ومن ملاحقة المخابرات اللبنانية المتصهينة في ذلك الزمان الشاروني الذي جاء ببشير الجميل رئيساً للبنان المحتل على ظهر دبابة صهيونية. ها هي الأحلام الحقيقية تتحقق يا أبا رفيق .. وها هو وطنك الأول تونس يتحرر ليقدم المثال والأمل إلى شعب فلسطين كي يواصل عملية المقاومة لأجل الحرية والنصر والتغيير.

كما تحضرني اليوم كلمات الشهيد التونسي البطل ، الطيار الشراعي ميلود بن الناجح نومة.. تحضرني كلماته التي خطها الى شعبه التونسي وإلى الأمة العربية من المحيط الى الخليج. ففي يوم تحرر شعب تونس من النظام الأمني لا بد من التذكير بكلمات أبطال تونس القوميين .. لذا لنقرأ معاً ماذا قال ميلود في رسالته:

... اخترت الشهادة رفعة لشأن إرادة المواجهة "

إلى شعب تونس العظيم ، إلى أبناء شعبنا في المغرب العربي ..

نحن في تونس ، في المغرب الأمة العربية ، نحن جزء من هذه الأرض الطاهرة الممتدة من المحيط إلى الخليج ، ونحن نفخر بأن أبطالا منا سقطوا في ساحة المواجهة ضد الاستعماريين الفرنسيين الذين حاولوا القضاء على تاريخنا ولغتنا ومعتقداتنا لقد تعلمنا من آبائنا وأجدادنا أن تحقيق الانتصار على القوى الظالمة والباغية لا يمكن أن يكون إلا بلغة النضال والكفاح المسلح .

لقد حاول المستعمرون وأدواتهم في تونس الخضراء تشويه ثقافتنا الوطنية والسياسية ، حاولوا أن نكون بعيدين عن الهموم الكبيرة التي حلت بأشقائنا في الشرق العربي وخاصة ما تعرض له أبناء شعبنا في فلسطين ...

لقد عزمت وأنا تونسي ، عربي ، مقاتل في صفوف الثورة الفلسطينية ، في صفوف الجبهة الشعبية – القيادة العامة ، على تأكيد أن هم أخوتنا في مشرق الأمة هو همنا جميعا في مغربها وأن وحدة التاريخ واللغة والمعتقد والدم هي وحدة متكاملة ، وأن محاربة الصهاينة واجب قومي لا يفوقه أي واجب آخر .. و أنا في طريقي إلى فلسطين تغمرني عواطف صادقة و غزيرة ، عواطف كلها شوق لأهلي في تونس ، لوالدي و والدتي لأخوتي و أخواتي ، لكل الأقارب و الأصدقاء ، لكن هذه العواطف تزداد قداسة و تعمقاً في الذات لأنها تتمازج مع أسمى ما يمكن أن يحيا في الضمير من مشاعر الفخر برفع راية الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني. "

نم قرير العين يا ميلود أنت ورفاقك شهداء تونس .. فها هو شعبك العربي الأصيل يعيد إصلاح ما خربته قوى الشر و جماعات التبعية للغرب المعادي للعرب وللعروبة .. وها هو الشعب الذي أنجبكم يحقق أول نصر شعبي عربي منذ زمن طويل .. ليعلن بداية عصر النور العربي الجديد ..فثورة شعبكم التونسي المعطاء هي بلا شك بداية النهاية لعدد من الحكومات العميلة والمبتذلة والرخيصة في وطن العرب الكبير.. فلم يعد أمام وكلاء الأعداء والغرباء عن بلادنا العربية سوى شد الأمتعة والرحيل إلى حيث أمكنتهم الحقيقية. فإرادة الشعب ليس عليها قدر..


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024