إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كلنا معمر القذافي.. باي باي قذافي

نضال حمد

نسخة للطباعة 2011-02-28

إقرأ ايضاً


في خضم الثورة المصرية وبعد أن حققت ثورة تونس هدفها الأول في اسقاط الدكتاتور زين العابدين بن علي ، سألني أحد الاصدقاء وهو من السياسيين الأوروبيين الشباب عمن هي الدولة التي ستلي مصر .. كان جوابي مباشراً وبدون تلكؤ.. ليبيا .. لكنني قلت له أن التغيير في هذا البلد الغني بالنفط والمطل على اوروبا من جهتي ايطاليا ومالطا سوف يكون دموياً ، لا لأن الشعب الليبي دموي لا سمح الله ، فشعب ليبيا طيب وكريم ومسالم لكنه ليس شعباً جباناً ، انما التعامل الدموي سوف يأتي من الحكم لأن العقيد القذافي يشعر ويعتقد أنه حبيب الشعب الليبي ، وأمير الأمتين العربية والاسلامية،وملك ملوك افريقيا ، وهو كما جاء في خطابه سوف لن يتنازل بسهولة عن عرشه الذي تربع عليه طيلة 42 سنة. فقد عايش العقيد القذافي خلال فترة حكمه ثلاث رؤساء مصريين هم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، الذي قال القذافي في بداية عهده أنه خليفته في قيادة الأمة العربية، والأمين على نهجه القومي العربي.عايش كذلك الرئيس محمد انور السادات ، الذي اغتاله عساكر الجيش المصري رداً على زيارته المشؤومة للقدس المحتلة ومن ثم توقيعه اتفاقية السلام في كمب ديفيد مع الارهابي الصهيوني مناحيم بيغن. كذلك عايش القذافي الدكتاتور المخلوع حسني مبارك طيلة فترة حكمه لمصر، والتي تعتبر أسوأ فترة حكم عرفتها أرض الكنانة في الزمن الحديث. وفي الوطن العربي الكبير عايش القذافي كل الرؤساء والملوك والأمراء والمشايخ والقادة العرب منذ استيلائه على السلطة واطاحته بالحكم الملكي في ليبيا سنة 1969 وحتى يومنا هذا. وهذا يعني أن القذافي الآن هو فعلاً عميد الرؤساء العرب. .

بدأ الملازم القذافي حياته ثائرا قومياً عربياً متأثرا بالزعيم جمال عبد الناصر وأتخذ مواقف راديكالية ثورية وقومية معادية لأمريكا والغرب وللكيان الصهيوني. وفتح أبواب ليبيا للثورة الفلسطينية ولكل حركات التحرر العربية والافريقية والأمريكية اللاتينية ومن كل دول العالم. وامد هؤلاء جميعهم بالدعم المادي وبالسلاح وبكل ما احتاجوه من مساعدات. وعزز علاقات بلاده بمنظمومة الدول الاشتراكية والاتحاد السوفيتي السابق ، وبكوبا ونيكاراغوا ثم مع ايران الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخيمني ، ووقف الى جانبها في الحرب ضد العراق العربي. لكن القذافي الذي كان يحلم بقيادة افريقية بعدما تأكد له عدم قدرته على قيادة العرب ، خاض حروباً عدة مع تشاد وغيرها من الدول الأفريقية.. وعندما اجتاحت تشاد مناطق ليبية غنية بالثروات الطبيعية استعان القذافي بحلفائه في فصائل المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية الذين هبوا لنجدته وللدفاع عن الاراضي الليبية بوجه المعتدين التشاديين.

في سنة 1982 اجتاحت القوات الصهيونية لبنان واحتلته بعدما استطاعت اخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منه عبر اتفاقية توسطت فيها الادارة الأمريكية وجاءت بعد حصار للعاصمة بيروت استمر 88 يوماً، لم يهب خلالها زعيم القومية العربية لنجدة الفلسطينيين واللبنانيين ، بينما في أحد خطاباته النارية المعتادة طلب منهم الانتحار في بيروت،جاء خطاب العقيد بينما كانت مئات الطائرات والسفن والزوارق والبارجات الحربية والدبابات والمدافع تلقي حممها وقنابلها على بيروت الغربية. بعد ذلك وعندما انشقت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عقب الخروج من بيروت ساند القذافي المنشقين عن عرفات وزودهم بكل أنواع الدعم والمساعدات المالية والحربية ، في حربهم على عرفات الذي كان يتحالف علانية مع معسكر مصر كمب ديفيد والأردن والسعودية بوجه سورية وليبيا والفصائل المتحالفة معهم. وبدلاً من أن تدك الصواريخ العربية-الفلسطينية - الفلسطينية مستعمرات الصهاينة في فلسطين المحتلة وجيشهم الغازي في جنوب وجبل وشرق لبنان أخذت تدك مخيمي نهر البارد والبداوي ومدينة طرابلس اللبنانية في الشمال، فانتشرت جثث المقاتلين الفلسطينيين من الطرفين على جبل تربل الشهير حيث نهشت بها الكلاب والحيوانات الضالة.

في السنة التي قامت فيها الطائرات الأمريكية بتنفيذ عمل إرهابي انتقامي استهدف منزل العقيد القذافي في طرابلس الغرب حيث قتلت ابنته وجرح أفراد من عائلته كنت لازلت على مقاعد الدراسة ، أذكر أن طالباً يهودياً بولندياً لم يكن يخفي عدائه للعرب بالرغم من علاقات ليبيا المميزة مع دول المعسكر الشرقي في أوروبا .. جاءني الصهيوني المذكور صبيحة ذلك اليوم ليقول لي : باي باي قذافي لم أكن سمعت بالأخبار ولا عرفت أن الإرهاب الرسمي الأمريكي هاجم منزل الزعيم الليبي .. فكان جوابي له: أيها الصهيوني : كلنا معمر القذافي.وأذهب أنت و شمير وريغان إلى الجحيم.

بعد حرب عاصفة الصحراء في الكويت والعراق وحصار الأخير وفرض عقوبات دولية عليه تبدلت مواقف العقيد القذافي وشهدت انفتاحاً على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية وقام القذافي بإتلاف وإيقاف مشاريعه في السلاح النووي والكيماوي. وعادت العلاقات الليبية الأمريكية الغربية إلى سابق عهدها قبل ثورة القذافي. ولم تعد ليبيا تساند أو تدعم الفصائل الفلسطينية المقاومة ولا حتى تتخذ مواقف راديكالية وثورية وقومية.

عد توقيع اتفاقية أوسلو خرج العقيد القذافي على العالم بقرارات سياسية متهورة عديدة ،فأمر بترحيل كافة الفلسطينيين المقيمين في ليبيا إلى الحدود المصرية الليبية في الصحراء وتم وضع عشرات الآلاف منهم على الحدود بدون مأوى وبدون أي مستلزمات حياة ، مما حول المنطقة المذكورة إلى مخيم فلسطيني جديد يذكر ببقية المخيمات المنتشرة في لبنان وسورية والأردن والضفة والقطاع في فلسطين المحتلة. وبرر العقيد القذافي قراره بوجوب ان يزحف هؤلاء من كل أماكن الشتات إلى بلدهم فلسطين لتحريره سيراً على الأقدام. عبر اختراق الحدود العربية مع فلسطين المحتلة من كل الجهات. هذا الزحف لم يتم لعوامل عديدة فالذين وضعوا على الحدود المصرية تقطعت بهم السبل وعاشوا فترة طويلة في ظروف قاهرة وصعبة . أما الذين حملهم كما الخراف في السفن وأرسلهم إلى لبنان وسورية فقد تسبب لهم بمشاكل قانونية كبيرة ، بالذات لفلسطينيي لبنان حيث مازال بعضهم عالقاً بها ولم يستطع حلها حتى يومنا هذا.

بالرغم من ادعائه في خطابه الأخير أنه ليس رئيساً لليبيا وأن السلطة ليست بيده بل بيد الشعب ، حيث قال أنه سلم السلطات للشعب منذ زمن طويل. بالرغم من ذلك تقوم قواته بقمع الشعب وقتله وترويعه وتقديم أسباب بالجملة لأعداء ليبيا والعرب للتدخل في شؤون ليبيا الداخلية. فها هي الحكومة الايطالية تلغي اتفاقا كان ينص على احترام عدم العدوان بين البلدين. والغرب كله من واشنطن إلى باريس يلمح إلى احتمالات التدخل العسكري مما يهدد وحدة وسيادة واستقرار وثروة ليبيا النفطية الهائلة ، وكذلك دول الجوار العربي مثل مصر والسودان وتونس والجزائر. والذي يزيد من القلق تلك الأخبار التي بدأت تتسرب عن رغبة الغرب (الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا ، فرنسا ، ايطاليا وألمانيا ) التدخل العسكري في ليبيا ،إذ مهدوا لذلك بمجموعة قرارات أحادية وجماعية ، عقابية ضد القذافي والنظام الحاكم في ليبيا. وهذا يعني تهديداً واضحاً لاستقلال بلد عربي كافح وثار ضد الاستعمار الغربي وحرر نفسه وشعبه بعد تقديم تضحيات عظيمة. والشعب الليبي الذي يعي ما يريده سوف يرفض بالتأكيد تدخل هذه الدول التي لن تساهم في استقرار ليبيا بل ان تدخلها سوف يحول ليبيا إلى عراق جديد. وسوف يقلب الأوراق على الطاولة. وهذا ما لا يريده شعب الجماهيرية.

لقد سمعت مؤخراً كثير من الأصوات المعارضة الليبية تتحدث بنفس أمريكي ومنها من يطلب تدخل أمريكا والغرب ، وهذا الأمر يجعل الكثيرين منا نحن العرب وأيضاً من الليبيين الثائرين يغيرون رأيهم .. فاستدعاء الوحش الأمريكي الصهيوني الى بلادنا أمر غير مقبول، والاستعانة بمن هم أعداء زاضحين وظاهرين للأمة العربية لا يمكن قبوله أو الوقوف الى جانبه. لكنني سمعت أيضاً بعض الأصوات الليبية المعارضة للقذافي ترفض أبدا التدخل الأجنبي وخاصة الغربي في ليبيا . قال هؤلاء أن الشعب الليبي يستطيع القضاء على النظام الحاكم بدون تدخل خارجي. وأنه يرفض هذا التدخل رفضاً باتاً. إذن فإن أي تدخل غربي تحت ستار عملية التغيير الديمقراطي سوف يقلب المعادلة في ليبيا ويقلب الرأي العام العربي المتعاطف مع مطالب الشعب الليبي. وهذا الأمر يتطلب من الليبيين الحيطة والحذر وعدم جلب الوحوش الى كرمهم.

اختار العقيد القذافي التحدي والقتال ضد أجزاء واسعة من شعبه حتى النهاية وهذا الخيار سوف يضعف من الخيارات الأخرى المتاحة أمامه لحل الأزمة والعثور على مخارج مقبولة. ويجب أن لا ننسى أن علاقة القذافي المتوترة مع معظم دول وزعماء العالم تجعل احتمالات خروجه من ليبيا ، كما خرج زين العابدين بن علي الى المنفى السعودي غير واردة لأن له سجل خلافات ضخم جدا مع غالبية الدول والحكومات والزعماء في العالم. وسوف يقوم هؤلاء باستغلال هذه الفرصة الذهبية للثأر منه فور وقوعه. كما أن إمكانية العثور على ملاذ آمن له في ليبيا كما في حالة الفرعون مبارك بالمنفى الداخلي في منتجع شرم الشيخ ، أصبحت بعد تعنته وارتكاب قواته مجازر ضد الشعب مسألة صعبة للغاية وسوف تزداد صعوبة مع احتدام الصراع والتحدي واقتراب موعد معركة الحسم التي قد تندلع في طرابلس ومحيطها في الأيام القريبة القادمة.

المؤسف في الأمر كله أن العقيد القذافي رسول الصحراء كما كتبت منذ سنوات طويلة كاتبة واعلامية طليانية ،منذ ذلك الحين لم يتغير ولم يتبدل ، بل أنه بعد انهيار الاتحاد السويفتي والدول الاشتراكية ومن ثم حرب الخليج الثانية وحصار ثم احتلال العراق ، رضخ للتهديدات الغربية والأمريكية من أجل حماية نفسه ، ثم وضع نفسه في القفص الأمريكي الغربي ، وقام بدفع مبالغ طائلة للغرب كتعويضات لاسترضائهم .. في حين تخلى عن دعم الثورات العربية وحركات التحرر وصارت مواقفه قريبة من مواقف فرعون مصر مبارك. وازدادت قبضته الحديدية داخل ليبيا فأبتعدت عنه قطاعات واسعة من الشعب الليبي وكذلك من الأمة العربية .. لذا فلا عجب إن رأينا اليوم في ليبيا وبلاد العرب أن من كان يردد كلنا معمر القذافي سوف يقول الآن باي باي قذافي.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024