تتطابق التصريحات والمواقف الإسرائيلية حول الأسباب الدافعة لمحاولة فرض ما تسميه تل أبيب، الخطوط الحمر في سوريا، وفي مقدمها: منع تشكل تهديد عسكري مشابه لتهديد الساحة اللبنانية. في ذلك ترد المواقف المشبعة بالعبارات الدالة على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمستوى وزراء وضباط الأركان في الجيش مع تشديد على ضرورة المواجهة الوقائية المسبقة التي تحول دون تكرار تشكّل التهديد اللبناني، بنسخته السورية الأكثر تهديداً وخطورة.
في الخلفية، ترى تل أبيب أنها فوّتت فرصة منع تشكّل، ومن ثم تعاظم، قدرة حزب الله العسكرية في لبنان. تعاظم وصل إلى حدّ بات يتعذّر صدّه واجتثاثه من دون أثمان، وهو ما يصعب دفعه إسرائيلياً. هذا التعاظم منع إسرائيل من فرض إرادتها السياسية في الساحة اللبنانية، عبر معادلة وقواعد اشتباك رادعة، فرضت فرضاً نتيجة تنامي القدرة العسكرية نفسها. مع ذلك، مقارنة إسرائيل التهديد اللبناني بالتهديد المتشكل في سوريا يتعدى ذلك ويزيد.
المقارنة الإسرائيلية بين الساحتين لا تتعلق بالقياس الكمي للوسائل القتالية، بين ما هو موجود لدى الجيش السوري وحلفائه في سوريا، وما هو موجود لدى حزب الله في لبنان. المقارنة تتعلق برؤية إسرائيل لإمكان تعاظم عسكري واسع على قياس سوريا وحجمها وامتدادها الجغرافي، مع إمكانات مقبلة على تعاظم كمي ونوعي بتضافر ومساعدة حلفائها، وهو تهديد مغاير وأكثر خطورة من ناحيتها، عما كان عليه تهديد سوريا قبل الحرب.
والتهديدان في الساحتين، المتشكل أساساً وشبه المتعاظم حتى الإشباع في الساحة اللبنانية، والثاني المقبل على ترميم وتنام في سوريا قد يكون منفلتاً ما لم يحال دونه، تهديدان متكاملان لناحية القدرة والفاعلية والتأثير. بمعنى أنه إذا كان التهديد في إحدى الساحتين ردعياً دفاعياً مانعاً للاعتداءات الإسرائيلية، فهو في حال التكامل بينهما، سبباً لتغيير المعادلات وإعادة تموضع المحور السوري بأجمعه، من المستوى الدفاعي إلى الهجومي. في حال التكامل، تصبح إسرائيل إلى جانب كونها الجهة التي تبادر إلى الفعل العدائي، أيضاً جهة تتلقى الأفعال العسكرية المقابلة، وفي ذلك تغيير كبير في المعادلات.
على ذلك بات بالإمكان فهم الأسباب التي تدفع إسرائيل إلى استخدام كل ما لديها من خيارات وإمكانات فعلية، للحؤول دون تشكّل التهديد في الساحة السورية، بالمعاني المشار إليها. الهدف هو منع ترميم القدرة العسكرية السورية التي تضررت جراء الحرب، وفي مقدمها الصناعات العسكرية واستئناف إنتاج وترميم، وأيضاً تطوير، الترسانة الصاروخية تحديداً، وهو السلاح القادر على إيجاد ميزان ردعي، حتى في ظل بقاء التفوق العسكري الإسرائيلي، الكلي بين الجانبين.
في ذلك أيضاً، يدخل العامل الإيراني الحليف، وإمكان نقل قدرات وخبرات التصنيع العسكرية إلى سوريا، مع أو من دون توريد ونقل منظومات ووسائل قتالية إيرانية الصنع. وهو أحد أوجه التهديد المسوّق إسرائيلياً بما بات يعرف بـ«التمركز الإيراني» في سوريا.
على ذلك، أن تقف إسرائيل بلا حراك هو تسليم وإقرار بتشكل التهديدات وإمكان تكاملها واتحادها في ثلاث ساحات تهديد، إيران وسوريا ولبنان، وبما يتعذر مواجهته لاحقاً. لكن هل بالإمكان، فعلياً، المواجهة والصدّ الوقائي؟
هذا هو السؤال الموضوع والملتصق على طاولة القرار في تل أبيب، وللمفارقة منذ أكثر من عامين: كيف يمكن الحؤول دون تشكل التهديدات في سوريا وعودة الدولة السورية إلى تموضعها الندي في مواجهة إسرائيل مع أو من دون حلفائها؟ تواجه الإجابة عراقيل كبيرة ومحدودية خيارات فعلية ما دون المواجهة الواسعة، حيث تفيض الساحة السورية بتعقيدات ولا يقين ومصالح متعارضة ومتداخلة لأكثر من جهة إقليمية ودولية.
مع ذلك، هل تجازف إسرائيل وتقدم على خيارات متطرفة، بمعنى المواجهة الشاملة الواسعة التي حرصت حتى الآن على الابتعاد عنها؟ لا يبدو أن هناك ما يشير بشكل واضح إلى توجه من هذا النوع، على رغم كل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة. وسواء كان ذلك على خلفية التعذر العملي أو خشية من التبعات أو لا يقين حول النتيجة أو حتى تقدير انعدام النتيجة.
استبعاد المواجهة الشاملة، بمعنى الحرب المنفلتة، تأتي للمفارقة في موازاة إدراك إسرائيل أنها باتت أمام منعطف خطير جداً، استخدمت للحؤول دونه وما بعده، كل الخيارات الممكنة حتى الآن ما دون المواجهة الشاملة، وبما يشمل محاولة تجنيد الأطراف الأخرى في سوريا خدمة لمصالحها (روسيا وأميركا...)، واحتراف إطلاق التهديدات بهدف التخويف والدفع للتراجع، إضافة إلى الهجمات الموضعية المتفرقة، التي يثبت عجزها كما يبدو، عن منع تشكل التهديدات وتناميها.
|