سلت الليل على حين غرّة من وجع الأيام، صارخاً " قتلوني على غفلة مني".. كأن غدرني الوقت ولم أفق من غفوة الفجر ..
كان نائماً يحلم بالفرادةِ، يمارس طقوس الريادة في بحر الزمن القادم.. لا يَرتاب، لا يَغتاب، لا يخشى الملامات.. كان صوتهُ يتحدّى المسافات بعدما عشِق اللحظة وصار الغيم .. كم يكبُرهُ الصوت أيها الصبح، ليقف على حافة النهر يعلن إنبثاق الضوء من دم الأحزان؟!
قام الصبح يردّ تحية الليل، بهدوء وكبرياء ويعلن للملأ إنتفاضة الفجر على كبوة الظلم .. قائلاً: أغلقوا عينيكَ أيها الليل فجر الثامن من تموز، لكنّي لن أقبل ذُلِّكَ، أعدُكَ سأكون عينيك..
لم يُنهِ الصبحُ كلامَهُ، حتى سمع ثلاثة عشر طلقة شكلّت كلُ واحدة منها سؤال حياة، ومشعل قضية..
على عدد المبادىء الأساسية والإصلاحية أطلقوا بإتجاه عينيه رصاصاً، ليؤكدَ الصبح للفجر، إن إنطلاقتي منكَ وإليكَ تعود..
أودع الصبح سلامه للريح، ومضى، يقابل الأشجار، يجنّب الشتاء دمعة الخريف.. يصارح الجبال بسكرة الضوء الطافحة من الخدّين، يخالجُ الوديان ببرقة العتمّ النازفة من الجراح.. مخافة أن يتخثرّ الدم وتنعتق الرؤيا..
كفكف الحزن جماحَ غضبهِ وسأل النهر عن معنى الصدف والعقيق، فأخبره، أن ذلك يكون في البحر، حيث عمقُ اللغة، وسفوح العاج الضاربة على الرمال..تمدُّ الفضاء بأغنية المستحيل..
قال: ليست رجع صدى، إنها إحتمالَ أن يكونَ الأثير لنا، أو نحنُ الأثير..
قال الحزن للصبح بلّغ وجعي للبحر.
نهد الصبح بيفاعته نحو البحر، ليتلو عليه ما أسمعه إياه النهر الحزين..فضحك المدّ من دلالة الوقت، وراح يراقص الجزر في شيوع بصمت..
حين أنهى البحر رقصته، تقدّم نحو الصباح باسماً :" قل للنهرِ أن مياههُ شكلّتني ، وجريان رياضه في مُتعتي جعلني أبدو أكثر زهواً وأعمق سراً.. ومعرفة الفجر هي التي أضاءت سماءَ لغتي"..
عاد الصبح الى الجبال مزهواً بفرادة العمر، فخصَّ الرياض بمتعة الإستيقاظ، وصعدَ الى الجبل يسائل وحشته، لكنه غفا على مساءاته ينتظر حسرة الولادات.. وسؤال الوقت..
قال الجبل للصباح:
نَمّ واحلم بمددك،
أنا جفونك وتخومي عددَك..
سأجنبكَ دمعتي،
مخافة أن تموت ضحكتكَ؛
فأنا لا أقوى على الذهاب الى صوتك..
فكن معي ما ستكون..
لكن، لا تنسَ أني كنتُ بكَ..
قبلكَ..
قال الصبح: الآن أصبح لي عينان
يُمكنني أن أنام..
هنا، جاء نورٌ من فضاء يحاكي الغيم.. ويبعد الشكوى.. علامة الإنسياب..كان هو ذاك الفجر وحيداً يردّ الباب عليه.. ويطوي دمهُ.
ليطلقها أشرعة صوب المدى..
|