إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

رفض الموت إلا وقوفاً

نعيم تلحوق

نسخة للطباعة 2008-10-30

إقرأ ايضاً


في العصر الكحلي، يبقى بين السواد والبياض مسافة الانبهار الأخير بالزرقة الساكنة عند حفافي العتمة.. يلتحم المشهد ليعير البياض قميصه الى السواد، وتصبح الاستعارة مدى تستفيق على سمرتها الداكنة الجهات.

بتواضع فذ، سلك الأزرق طريقه نحو المساحة ودون ان يغترّ كان مثله لا يشبه الا السماء... فقال للبحر لقد أعطيتك لدني، وصبغتك بلوني فادخل معي الى الحقيقة بعيون المساء وتعال لنرجع معا الى عشق الهواء...

ظل واقفا كالرمح، رفض ان يكبو، فالأسود الطاغي على جسده جعله لونا يستفيق عليه الزهر وتشتهيه الغيوم ندى لزهر الصباح... الله، ما أقساك يا محمد حين ترفض ان تلوّن الأماني بغير ما تستحق الحياة ألوانها...

في عصر العتمة، رحل الأمين محمد صادق وهو يصارع آلام وأوجاع الأسود، فلم يترك لي مطرحا لأقول له: أنت شاعر بحق، ومناضل بشرف، ولغير ذلك وذاك، أنت متجبّر ومتكبّر على الموت... حين واجهته وحدك ببسمة الحياة، وسريرة الأمل، وأصررت ان يكون الواقف أمامك يعتري جبهتك عرقا مرصعا بآس العمر، شاهدا على قدرة الأزرق ان يخرج من الرمادي نحو البياض الأثيري. لا باتجاه سراب السواد المخيف، بل بحنكة المقدام الذي يختال على صهوة العشق ـ الرحيل...

أيها الصديق الأمين، لقد لوّنت الجهات... لتستدرك كم شبلا وزهرة تخرجوا من بين يديك... كم نشاطا أقمت للشباب والرياضة حتى استحالة الأحلام بدنا يلبسك... كم كنت أخاف يا محمد على نفسي من المرض الذي يصعب عليّ احتماله. لكنك هاهنا، علّمتني كيف يُصاغ الصمت بغير لغة الرحيل والغياب الذي كنت أخشاه او في النظر اليك حين رفرف السواد على شفتيك...

هل صار النضال هنّة يا محمد والشرف والعز مهزلة وعارا؟ هل أصبح ضروريا، ان نكبو على معبد »بوش« وعشاء »كوندي« الأخير لنوقع صك عروبتنا على ظهر نجمة من صنع داوود؟

أي مساء يعترينا، أي نهار يشفع لنا، ان متنا بعد الغياب، تنازلنا عن صورنا المعلقة على الجدران، وتحررنا من رسوم لا تشبه أماكننا التي تفيض باحساساتنا... وخرجنا من مصيدة الخوف والقلق والارتهان لنبيّض صفحات الآخرين ونبرر أفعال الراكضين خلف الفضيحة...

أيها الرفيق الأمين، كنت أظنك ستمضي كما الآخرون، راكعا قرب جدار الخوف تصفّي أمان الطريق، وتستوفي نداماتك على باب الحزن والموت، لكنك وقفت تسترشد بأسباب الصراع وتنهل من معين العقيدة والنهضة معاني الحضور والغياب، فرفضت الموت الا وقوفا مع جسدك النحيل، وقلبك المشحون بالعز يصرُّ ان يذوب ليضيء الطريق برحيل يعصى على الموت عبر تجدد الأمل بالحرية والحياة.

سلام وتحية لك، يا محمد، وسلّم على الأمناء حسن عز الدين، ومحمد معتوق، وعدنان طيّارة، وآخرين فاتهم ان يكونوا في سجل الشرفاء الخالدين!!



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024