في الأشهر القليلة الماضية طغت تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث بدأ يظهر للعيان وبوضوح مدى عمق وتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الإسرائيلي ، ولا يكاد يمر يوم حتى تنشر الصحف الإسرائيلية اليومية ، تقريرا أو ملفا عن انضمام الآلاف المستخدمين في القطاع الاقتصادي لسوق البطالة ، وان النمو الذي شهده الاقتصاد الإسرائيلي قاب قوسين أو أدنى من التوقف.
وتشير الصحف الإسرائيلية إلى انضمام إسرائيل إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم في الصيف الماضي ، حتى وصل الأمر بصحيفة "يديعوت احرنوت" كبرى الصحف الإسرائيلية اليومية ، بوصف تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على إسرائيل ، وتواصل موجه الفصل في الشركات الإسرائيلية الكبرى في شهر آذار ـ مارس الماضي إسرائيل:"دولة بدون عمل".
هذا إلى جانب توالي موجة البطالة والتي تضرب كافة المجالات والقطاعات العمالية الإسرائيلية، حيث تم فصل حوالي 3000 عاطل عن العمل في مجال الصناعة خلال الأشهر الأخيرة ، وفصل 5000 موظف في فروع التكنولوجيا المتقدمة (الهاي تك) ، وان إسرائيل تعيش في بطالة ، وسوق العمال يتقلص يوما بعد يوم ، وموجة فصل العمال مستمرة ولا تتوقف للحظة.
وهي أزمة لم تشهدها إسرائيل منذ سنوات عديدة ، وبأن الدولة ليست هي المذنبة والمسببة لهذه الأوضاع ، فالأزمة الاقتصادية ضربت العالم ، وها هي تعصف في سماء إسرائيل ، وكل ما يمكن أن تفعله الدولة هو إعرابها عن الأسف العميق بسبب موجة البطالة.
تراجع النمو الاقتصادي
وترصد التقارير الاقتصادية الرسمية الصادرة في إسرائيل بين الفينة والأخرى ، تراجع الوضع الاقتصادي الإسرائيلي ، بعد أن كان قد سجل تقدما واضحا في العديد من المجالات الاقتصادية ، والتي جعلت الاقتصاد الإسرائيلي يضاهي اقتصادات عالمية متقدمة أخرى في العالم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد شهد الاقتصاد الإسرائيلي نموا عاليا في التسعينيات ، واستمر في المحافظة على تسجيل معدلات عالية ، حيث تتوقع تقديرات اقتصادية إسرائيلية أن يدخل الاقتصاد الإسرائيلي في حالة ركود في الثلث الثاني من العام ,2009.
في هذه الدراسة نرصد تدهور الاقتصادي الإسرائيلي، وتنشر تفاصيل حول ارتفاع نسبة الفقر في إسرائيل ، حيث يعيش في "دولة السمن والعسل" أكثر من مليون ونصف المليون فقير حسب إحصائيات مؤسسة التامين الوطني الإسرائيلية نهاية العام 2008 ، حول معطيات الفقر في العام ,2007.
وتشير المعطيات الأخيرة التي نشرتها مؤسسة "التامين الوطني الإسرائيلية" في تقريرها السنوي حول الفقر في إسرائيل ، إن تقرير الفقر يثبت أن ادعاءات النمو الاقتصادي وتراجع في البطالة وارتفاع في مستوى المعيشة ، ثبت مرة أخرى زيفها ، كونه مقتصر على كبار رؤوس الأموال ، فيما لا تزال الشرائح الوسطى والفقيرة في المجتمع الإسرائيلي محرمة من هذا النمو ويتم دفعها نحو قاع الفقر.
وتعرّف "مؤسسة التأمين الوطني" ، خط الفقر بأنه كل دخل يساوي مبلغ 1763 شيكل(425$) للفرد في الشهر ، أو أقل من ذلك ، أو دخل يساوي مبلغ 2777 شيكل(670$) للزوج أو أقل من ذلك ، بالنسبة للعائلات التي تضم ثلاثة أفراد فإن خط الفقر يساوي مبلغ 3680 شيكل(886$) أو أقل ، 4443و شيكل(1090$) للعائلات التي تضم أربعة أفراد ، ويفيد تقرير الفقر الأخير بأن (51,4%) من العائلات العربية هي عائلات فقيرة ، وأن 400 ألف من الأطفال العرب فقراء.
وفي هذا السياق يشير تقرير الفقر للعام 2007 إلى أن 1630400 مواطن إسرائيلي يعيشون تحت خط الفقر ، مقابل 1649800 في العام 2006 ، وأن 412900 عائلة تعيش تحت خط الفقر مقابل 404400 عائلة في عام 2006 ، ويؤكد ارتفاع في عدد العائلات التي تعاني من الفقر ، وتشمل المعطيات 773900 طفل يعيشون تحت خط الفقر ، أي 34,2% من الأطفال في إسرائيل يعيشون تحت خط الفقر.
51% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر
ويبين التقرير أن 51,4% من العائلات العربية من فلسطيني الـ48 ، تعيش تحت خط الفقر ، بمعنى أن كل عربي ثان يعيش تحت خط الفقر ، وبالنسبة للأطفال فالوضع أكثر قساوة .
ويستدل من جميع التقارير الصادرة عن دائرة "الإحصاء المركزية" الإسرائيلية بشأن معدل الدخل للفرد ، وفق التوزيع السكاني ، وجود فجوة كبيرة في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية بين الطبقات المختلفة في إسرائيل ، إذ تدلّ هذا التقارير على أن قرى وبلدات المتديّنين الأصوليين (الحريديم) ، مثل "بيتار عيليت" و"موديعين عيليت" ، تقع في قاع سلّم التدريج الاجتماعي ـ الاقتصادي إلى جانب المدن والقرى العربية ، والتي تتبؤأ عرش البطالة كقرى النقب العربي المعترف بها وغير المعترف بها.
وتعمّدت الدائرة في تدريجها على أمور عدة ، منها معدّل الدخل للفرد الواحد (بما في ذلك ما يتلقاه الفرد من مخصصات) ، ونسبة طالبي العمل ، ونسبة السكان الذين لا مدخول لهم من مجمل السكان ، بمعنى نسبة من هم أقل من 19 عاماً ، وأكبر من 65 عاماً ، ونسبة مستحقي مخصصات ضمان الدخل والمخصصات الرسمية على أنواعها ، ونسبة الذين يستحقون شهادة التوجيهي (البجروت) ، وعدد السكان بالنسبة للسيارة الواحدة.
وتقسم دائرة الإحصاء المركزية الـ 210 بلديات وسلطة محلية ومجلس إقليمي في عشر درجات تضم بلدات عدة ، بموجب الوضعية الاجتماعية الاقتصادية فيها ، إذ تشير التقارير أن معدل الدخل للفرد في البلدات في المرتبتين التاسعة والعاشرة أكبر بسبعة أضعاف من مدخول الفرد في بلدات المرتبة الأولى (الدنيا) ، وأقل معدل لدخل الفرد الواحد نجده في قرية عرعرة في النقب(حسب تقارير سابقة) ، بينما معدل الدخل في مستوطنة "عومر" في النقب والمجاورة لعرعرة يصل 10 أضعاف.
وهنا لا بد من الإشارة ولفت الانتباه إلى أن لوائح وإحصاءات دائرة الإحصاء المركزية لا تشمل القرى العربية غير المعترف بها ، خصوصاً قرى النقب ، التي تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة الطبيعية ، وحيث تنتشر البطالة والفقر ، والبالغ عددها 45 قرية قائمة قبل قيام إسرائيل عام ,1948.
وفي قراءة للغالبية التقارير التي تصدرها دائرة الإحصاء المركزية ، ومؤسسة التامين الوطني في السنوات الأخيرة ، تظهر أن هناك تجمعات مختلطة موجودة في القدس ، التي تضم (حسب التعريف الإسرائيلي) القدس الشرقية المحتلة ، وما يزيد الطين بله أوضاع المتدينين اليهود المتزمتين "الحريديم".
تمييز بين رواتب الرجال والنساء
تشير معطيات تقرير كان قد أعده مركز "أدفا - للمعلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل" ، حول الفجوات في معدل الرواتب والدخل في إسرائيل ، أن الفجوات بين الوسطين العربي واليهودي ، والفجوات بين بلدات التطوير (بلدات الفقر اليهودية) والمدن ، وبين دخل الرجال والنساء.
ويعتمد المركز في معلوماته على تقارير "مؤسسة التأمين الوطني" والتي تصدرها سنويا ، علماً أن معدل الرواتب لم يختلف عملياً عن معدل الرواتب الحالي ، كما أن معدل الدخل لم يتغيّر ، إذ يصل معدل الرواتب غير الصافية (قبل الخصميات) في إسرائيل 7604 شيكل (معدل الرواتب في شهر كانون الثاني ـ يناير 2009 قرابة 68160 شيكل ، 2000 دولار تقريباً).
إلا أن هذا المعدل اختلف من شريحة لأخرى ، فلدى الرجال بلغ معدل الرواتب 9257 شيكل ، وبين النساء 5835 شيكل ، وبين العرب بلغ معدل الرواتب غير الصافي 5252 شيكل 1300 دولار تقريباً (أقل بـ30% من المعدل) ، وفي بلدات التطوير 6374 شيكل ، وفي المعدل العام يتضح أن معدل الرواتب في الوسط اليهودي عامة هو 7925 شيكل ، هذا على أساس أن القوى العاملة العربية في البلاد تشكل تقريباً (12%) من الأيدي العاملة ، وهذا يعني أن معدل رواتب العرب تشكل %66 من معدل رواتب العمال اليهود.
أقل معدل للرواتب للرجال في البلاد هو في قرية جسر الزرقاء العربية الساحلية (قضاء حيفا) حيث يصل 4446 شيكل (غير صاف) ، بينما أعلى معدل لرواتب الرجال هو في بلدة "سفيون" (شمال تل أبيب) ويبلغ 19607 شيكل 4800 دولار.
وأقل معدل للرواتب بين النساء هو في قرية العزير (قرب الناصرة) 2054 شيكل (غير صاف) ، بينما أعلى رواتب للنساء في "سفيون" أيضاً حيث يصل نحو 10944 شيكل 2200 دولار ، وتتربّع البلدات العربية على عرش الفقر ، حيث تقع في المراتب الستين السفلى ، ما عدا المرتبة الـ51 التي "تحتلّها" مستوطنة الحريديم "بيتار عيليت" ، وفيما يتم الحديث عن رواتب النساء فإن جميع رواتب العاملات في الوسط العربي ، ومعظم رواتب نساء الوسط اليهودي ، هي أدنى من المعدل العام.
الولد الثالث تحت خط الفقر
تؤكد معطيات تقرير الفقر أن فقر الفقراء يزداد ، وأن الفقر في أوساط العائلات الفقيرة ازداد عمقاً خلال العام 2007 ، بالإضافة إلى ارتفاع عددهم ، وفي المقابل انخفض دخل العائلات الفقيرة أكثر وابتعد دخلهم عن خط الفقر هبوطاً بحسب تعريف مؤسسة التأمين الوطني ، وبرز تعمق الفقر أكثر لدى العاطلين عن العمل ضمن جيل العمل.
وتؤكد "مؤسسة التأمين الوطني" في تقاريرها ، أن سن قانون لخفض مخصصات جيل الشيخوخة ومخصصات البطالة ساعد بصورة كبيرة في تعميق الفقر في أوساط المسنين (حيث إن كل مسن ثالث في إسرائيل يعتبر فقيراً) والعمال العاطلين عن العمل. ويعرف الفقر في إسرائيل ، بأن كل من يقل دخله الشهري عن متوسط الدخل في البلاد والبالغ (7200) شيكل(1700$) ، ومعنى ذلك أن كل ولد ثالث في الدولة يعيش تحت خط الفقر.
وللتذكير فقط فان المعطيات الواردة ، تتحدث عن معدلات الفقر في إسرائيل في العام 2007 ، وخصوصا أن العام 2008 شهد تدهورا إضافيا ، وخصوصا أن عدد العاطلين عن العمل في ارتفاع دائم ، ومن المعطيات التي كشف عنها التقرير تعمق الفوارق الاجتماعية ، فقد تعمقت الفجوة بين خط الفقر وبين متوسط الدخل الشهري ، في أوساط العائلات الفقيرة ، أي أن غالبية العائلات تحت خط الفقر تتركز في العشر الأول والثاني من السكان الفقراء.
ومؤخرا نشرت دائرة التشغيل الإسرائيلية ، أن الأشهر الثلاث الماضية (كانون الثاني ـ يناير 2009 - آذار ـ مارس )2009 ، شهد سوق العمل موجه فصل كبيرة للمستخدمين ، حيث تم فصل أكثر من 20 ألف عامل من وظائفهم ، يضافون إلى سوق العاطلين عن العمل.
وبينت دائرة التشغيل إن تقريرها يتناول العاملين الذين فصلوا من أعمالهم فقط ، وإنه سيتم نشر تقرير حول حجم البطالة في إسرائيل بعد عطلة عيد الفصح اليهودي التي تبدأ مساء الأربعاء المقبل(8 نيسان ـ ابريل الماضي) وتنتهي مساء الأربعاء الذي يليه.
ويذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو كان قد أعلن في خطاب القسم لحكومته الثلاثاء قبل الماضي ، إنه سيولي أهمية كبرى لمواجهة الأزمة الاقتصادية في إسرائيل ومنع تدهور أكبر للوضع.
علما أن وزير المالية السابق روني بار اون ، كان قد أعلن في مطلع شهر شباط ـ فبراير الماضي إن اقتصاد إسرائيل قد يكون دخل بالفعل في مرحلة كساد نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية ، وأن الاقتصاد الإسرائيلي يشهد تباطؤا كبيرا وقد يكون دخل بالفعل في حالة كساد".
|