إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مـن قمـم الحـزب فـي النبـطـية الـرفيق محـمد جـابر

الأمين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2011-07-01

إقرأ ايضاً


يستحق الرفيق محمد جابر أن يحكى عنه الكثير ، ليس فقط لإيمانه الفذ بالحزب ، ولا لالتزامه الصادق ونضاله المستمر وسخائه اللامحدود ، إنما مع كل هذا ، لأنه كان صاحب معشر ولا أحلى ، صادقاً وفياً أريحياً ، وشاعراً يرتجل ويتبارى ويبز الشعراء المحنكين . الذين عرفوه مسؤولاً في النبطية والجنوب ، وفي أفريقيا ، أو أسيراً في سجون ومعتقلات وطنه ، يكادوا يجمعون على الإشادة بمزاياه ، ويرون فيه تلميذ سعاده ، النجيب ، والابن البار لحزب تكفل بعملية النهوض بالمجتمع .

محمد جابر لا ينسى . بطلّته المحببة ، بصوته الأجش ، بتدفق الصدق من عينيه ولسانه وكل نبضات جسده وروحه .

عنه نضيء ، ولا ندعي أننا نحكي كل شيء . لغيرنا ممن عرفوه جيداً أن يساهموا في الحديث عن أحد الأفذاذ الذين انتموا إلى الحزب ، شعّوا فيه مثالية وعبراً ، وكانوا حتى آخر رمق وزفرة أوفياء ، وقوميين اجتماعيين .

* * *

الأمين شوقي خيرالله الذي كانت تشده أواصر الصداقة مع الرفيق محمد جابر يتكلم عنه في أكثر من مكان في مذكراته ، كما في كتابه " سراديب النور " . من هذا الكثير نورد ما يلي :

" .. وإنما أذكر أن محمد رشيد جابر يوم أوقفوه بعد الانقلاب في 1962 أودعوه في ثكنة صيدا وآجروا فيه على طريقة إشعاع ذلك الزمان حتى حسبوه قارب الموت فلقحوه شلواً بين حي وميت في زنزانة نتنة . وقد زادوا المؤاجرة فيه والتعذيب حتى بعد إغمائه وفقد الشعور لسببين : أولهما أن أحد المخبرجية كان قد عبأ الملفات بأخبار نشاطات محمد جابر في الجنوب وقبل الانقلاب لأنه مندوب مركزي " .

في مكان آخر ، يقول :

" عندما استاقوا محمد جابر من استراحة ثكنة صيدا إلى استراحة المير بشير ، أركبوه في شاحنة وكلبجوه وقعد الدرك والشرطة على سلاحهم خوفاً من أن ينط محمد مثل طرزان الإفريقي " .

ثم يضيف أن الرفيق محمد راح " على لحن اللالا البعلبكية يرندح بصوته الغرش الأشج الحلو الأبيات التالية :

جابوا الكلبجا جديدي

وفكروها حديدي

وما عرفوها سوارة مجد

ما بتلبق إلا لايدي

أبيات أخرى قالها الرفيق محمد لزوجته الرفيقة هند عندما زارته أول مرة في ثكنة المير بشير :

دخلت السجن مش مجرم وجاني

ومن ثمار العز قاطف وجاني

ويا ريت الموت وافاني وجاني

ولا شفتك حزينة عالبواب .

* *

في كتابه " سراديب النور " يتحدث الأمين شوقي عن قصائد تبادلها عدد من الرفقاء الأسرى (1) في المير بشير من قاووش إلى آخر ، وقد نشر نماذج من تلك القصائد التي كان للرفيق محمد جابر مساهمة جيدة فيها ، منها ، على سبيل المثال :

تخمين شوقي بشي سيكارا برطلو

تخمين ذيب بشي قصيدي بهدلو

ويمكن ابن ذبيان خاف من النزال

وضلك يا شوقي اصطفل منك إلو (2)

وأيضاً :

يحيا اللي جميعنا عالعقيدة ألوف

واللي شهر عالفساد سلاح

لا فرق بين الغرب والشوف

وأهل الجنوب رجال شعر وحرب

خصوصي بلدنا يا حبيب القلب

اللي انتجت علم وزكا ورجال

منهم جنابي وكامل الصباح

*

شارك الرفيق محمد جابر في الثورة الانقلابية ، واعتقل ليخرج بعد سبع سنوات ، أكثر تصميماً على أن يبقى القومي الاجتماعي الذي يشع في محيطه إيماناً وقدوة وصلابة والتزاماً رائعاً .

سافر مجدداً إلى ليبيريا ، يتولى فيها المسؤوليات الحزبية ، ويشكل له حضوراً ملفتاً في الجالية ، وفي مؤسساتها إلى جانب أفذاذ نذكر منهم الأمناء فؤاد صعب ، حسن ريدان ، رشيد رسامني ، عادل شجاع والرفيقين فؤاد خليفة وسامي حرب.

وعاد الرفيق جابر إلى الوطن ، منح رتبة الأمانة عام 1977 وتولى مسؤولية منفذ عام النبطية ، واستمر كما نعهده ، في نشاطه وحيويته وإشعاعه القومي الاجتماعي.

إلا أن رتبة الأمانة سقطت عن الرفيق جابر عند حصول وحدة الحزب عام 1978 وسقوطها عن جميع الأمناء الذين كانت منحت لهم الرتبة في التنظيم الذي كان آخر من رأسه عند حصول الوحدة ، الأمين يوسف الأشقر .

وفي أواخر العام 1990 منح الرفيق محمد جابر وسام الواجب.

في سنواته الأخيرة كان الرفيق محمد جابر يتردد كثيراً إلى مركز الحزب في شارع جان دارك ، وكان مكتب عمدة شؤون عبر الحدود محطة مستمرة له . لذا وجهت له رسالة تهنئة عند منحه وسام الواجب أقول فيها : مني ، من الرفقاء والرفيقات في العمدة الذين يحترمونك كثيراً ، يحبونك كثيراً ، التهنئة النابعة من القلب والمقرونة بالاعتزاز والفرح ، راجين لك صحة وعافية كي تبقى المنارة حيث حللت " .

وتعب قلبه ، ولم تنفع العمليات التي أجريت له ، التي إن هي أثرت على عافية قلبه إلا أنها لم تؤثر على ما يتمتع به من مزايا الإيمان ، واستمراره في النشاط الحزبي إلى أن غلبه في 20 حزيران عام 1993 ، فأقيم له مأتم حاشد في بلدته النبطية ، وفي 27 حزيران 1993 أحيا الحزب السوري القومي الاجتماعي في حسينية النبطية ذكرى أسبوع على غيابه ، في حضور النواب السادة عبد اللطيف الزين ، محمد رعد ، عماد جابر وميشال موسى ، وحشد كبير من الفعاليات السياسية والرسمية والثقافية والمهنية والحزبية والاجتماعية ، إلى أصدقاء الرفيق الفقيد ورفقائه . تمثل الحزب بعمد الإذاعة الأمين شارل أيوب ، الثقافة الرفيق رجا اليازجي ، العمل الرفيق محمود خريباني ، وعبر الحدود الأمين لبيب ناصيف ، والأمناء عبدالله قبرصي ، أنيس جمال ، مصطفى عز الدين ، علي قانصو ، محمد مقلد.

بعد تلاوة مباركة ومجلس عزاء ، قدم الخطباء ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية النبطية الأمين شفيق سنان ، فألقى الأب سليم غزال (3) (المطران لاحقاً) كلمة تحدث فيها عن مناقب الرفيق الفقيد ، تلاه الرفيق حسن مرتضى ، ثم شقيق الرفيق الراحل ، حبيب جابر ، وكانت كلمة الختام لمركز الحزب ألقاها عميد الثقافة الرفيق رجا اليازجي ، جاء فيها :

" عاش قضيته التي آمن بها ولم يكن لديه فكر وعقيدة منفصلة عن سلوكه فلقد كان محمد جابر في فكره وعقيدته يمثل الوفاء والصدق في مسلكه اليومي وفي تعاطيه مع كل الناس ، إنه جندي وقائد في آن معاً ، مثل عقيدته خير تمثيل وعاش مناضلاً وكان على استعداد دائم لأن يستشهد وأن يمثل قيم أمتنا في الاستشهاد وفي الدفاع عن الحق " .

* *

وان يغيب الرفيق محمد جابر ، إلا أنه كأمثاله ممن تفولذوا بالإيمان وتميزوا بالصدق والاستقامة ومناقب الحزب ، وكانوا في سيرة حياتهم أوفياء لما أقسموا عليه وارتبطوا به وجدانياً وعن قناعة ، فهو يستمر في حزبه عبر أجياله ، ونحن ، الذين عرفناه جيداً ، نذكره دائماً بحنين ونستعيد الكثير من مآثره وندرك أن حزباً فيه محمد جابر ، وأمثاله ، هو حزب جدير بالحياة ، وبالانتصار مهما قويت الصعاب وتراكمت أشواك الطريق .

إشـارات

كتب الأمين شوقي خير الله إلى الرفيق محمد جابر كلمة في جريدة " الديار " بعد رحيله ، في 30 حزيران 1993 ، جاء فيها :

" نحن موكلون أن نشهد ، وشهادتنا حق علينا ولكم ، إن محمد رشيد جابر رمز مثال للوفاء ، للصدق ، للعطاء ، وإنه كان على خلق عظيم .

مجاهد صادق ، رفيق صادق حر ، أسير متمرد متصبر ، وابدا على صهوة أقداره أينما كان وكيفما كان .

أسرنا مذ عرفناه ، وشدنا إليه بجاذبية وهيبة وبسيرة لم نفهمهن في الزمان الأول . فلم يأبه بل ثابر على سبل النهضة وأمعن صدقاً وأدمن وفاء عفوياً وتمادى جهاداً بديهيا هو الحياة عينا وكأن الجهاد هو غاية العمر لا جدال فيه : فقضى العمر بإيمان متواضع صامت ، وبوفاء ألوف . ولكم دلكته الحياة ، وصقلته التجاريب ، عرقلته فخاخ المسيرة ، وغدر به كنود وجحود وحسود ، فلا عين رمشت ولا فؤاده ارتعش ولا انسل إلى يقينه تندم أم وهن . شرعته أنه لو تخلى الجميع لأكمل وحيداً على دروب فقر وغنى ، في السراء والضراء ، في وطن ومهجر ، وفي صحة وسقم . إنه حزب لوحده ولو في صحراء قاحلة.

محمد رشيد جابر هو الانموذج . فإذا ما بكيناه فمن وهن النفوس ، غير أن الدمع واجب علينا مقدر ولكن بغير لقلقة ولا صريخ ، إن مثله ليذرف عليه زهرة لا تذوي ، ويقال فيه الوداع الأبقى . ولن يوفي " .

وفي مقالة له نشرها في كتابه " سراديب النور " مهداة إلى الرفيقة هدى فحص جابر (عقيلة الرفيق محمد) يقول الأمين شوقي :

" رفيق في الحزب منذ مطلع شبابه في أفريقيا . هاجر طلباً للرزق . لم يعمه المال ولا بررت له الثروة انحرافاً عن الأريحية ومكارم الأخلاق . نوّرته العقيدة وطهّره الانتماء وتأنق بالصدق والرفاقة . ذهنيته الأخلاقية رفعته سمّواً درجات وجعلته مؤتمناً في كل تحكيم وخلاف ما بين الرفقاء ذاتاً أم بين المهاجرين عامة أياً كانت انتماءاتهم القبلية أم المذهبية . بويع قدوة للأخلاق والعدل والوجدان الذي يقصّ المسمار . عنده الحلول الأرقى للاستدانة والفائدة والوفاء ولتيسير المتعسّر وللتسديد الوجداني مهما تصعّبت الظروف وقست . وليس يحصي أحد المرات التي نجّم فيها الديون المتعسرة بغير نية سيئة ، والتي فرض فيها أقساطاً وحصصاً على ذوي اليسرة والنبل .

أما الضيافة والوفادة والتأهل ، وجلب الحقائب قسراً من الفنادق إلى البيت ، وضم الإخوان وجمع الشمل وتعريف الأصدقاء وتقريب القلوب فقد جعل من ذاته ومن الرفيقة هند ستّ الستات ، ومن بيته وإقامته مؤسسة مستقلة منظمة مهذبة راقية وذات أعراف يا ويل مخالفيها . وليس من صدفة أم من عبث أنهم أجمعوا على تلقيبه بالأمين المؤتمن " .

• في الجلسة الأولى للمحكمة العسكرية التي انعقدت برئاسة الزعيم جميل الحسامي في أول حزيران 1962 سئل الرفيق محمد رشيد جابر ، وكان رقمه بالتسلسل 170 ، فأجاب : اسمي محمد رشيد جابر ، والدتي بهيجة ، عمري 36 ، مولود ومقيم في النبطية ، ملك عبد اللطيف فحص ، متعلم ، عاطل عن العمل ، لبناني غير محكوم سابقاً ، موقوف في ثكنة الأمير بشير بهذه القضية .

• كان الرفيق محمد جابر يتولى مسؤولية منفذ عام النبطية وبهذه الصفة كلفه عميد الدفاع الرفيق بشير عبيد بمهمة خطف النائب معروف سعد ونقله إلى ديك المحدي . حكمت عليه المحكمة العسكرية لمدة سبع سنوات ، وأبقت محكمة التمييز على هذه المدة . من الرفقاء الذين اشتركوا معه واعتقلوا وتعرّضوا للأحكام نذكر : رفيق الددا من صيدا ، حبيب حداد من جزين ، خالد محمد أسعد (معروف بـ خالد بدر) ، إبراهيم الخطيب ، موسى عوض موسى ، إبراهيم عوض موسى ، ومرعي عبد الغني ، وجميعهم من الجنوب السوري ومقيمون في مخيم " المية ومية " .

• نشرت جريدة " صدى النهضة " في عددها تاريخ 24 آب 1946 وتحت عنوان " مهاجرونا بسيراليون يطلبون قنصلاً " خبراً جاء فيه : " تسلمنا بالبريد الجوي من السيد محمد جابر أمين سر عام جمعية الشباب اللبناني السوري في فريتاون الكتاب المفتوح التالي موجهاً إلى المراجع المختصة في الحكومة اللبنانية " .

ويأتي نص الكتاب المفتوح . أما مضمونه فهو طلب تعيين قنصل لبناني يحفظ مصالحهم لدى السلطات الإنكليزية لأنهم كانوا وما زالوا مضطرين إلى الرجوع بأمورهم ومطالبهم إلى القنصلية الفرنسية . " أما اليوم وقد زال ظل الفرنسيين عن المقيمين في لبنان المستقل فإننا لا نرى مبرراً لبقائنا – نحن المغتربين – في اضطرار للبقاء تحت هذا الظل " .

(1): هم الرفقاء الذين شاركوا في الثورة الانقلابية وصدرت أحكام بحقهم.

بعد ثكنة الامير بشير نقل معظم الرفقاء الاسرى الى سجن طرابلس، ثم الى سجن القلعة في بيروت، فيما نقل آخرون منهم: عبد الله سعاده، محمد بعلبكي، اسد الاشقر، بشير عبيد، فؤاد عوض، شوقي خير الله، ديب كردية الى سجن الرمل، ثم الى سجن القلعة.

(2): ذيب: الامين ديب كردية

ابن ذبيان: الامين فؤاد ذبيان

(3): كان الرفيق محمد جابر يقطن بلدة الصالحية على مقربة من دار العناية التي اسسها وأدارها حتى رحيله.

المطران سليم غزال، القدوة في التقوى والعمل الاجتماعي وفي التعاطي المحب مع جميع الطوائف والمذاهب.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024