إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

يوم الحشد في 2 آذار 1958

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2013-07-22

إقرأ ايضاً


لان الحزب كان يقرأ جيداً العواصف المقبلة على لبنانن بعد ان كانت تحققت الوحدة بين مصر والشام، فقد دعا الى حشد شعبي في منطقة ساقية الجنزير في بيروت في الثاني من آذار 1958،

الى تلك الساحة تقاطرت قوافل السيارات الكبيرة والصغيرة من كل انحاء لبنان وكان رفقاء ينتظرون تلك القوافل عند مداخل بيروت، ليرشدونها الى مكان الحشد، فالتعليمات ان يحشد الحزب اعضاءه ومناصريه وان ينتقلوا الى بيروت قبل ظهر يوم الاحد 2 آذار، دون ان يتبلغ المسؤولون في المناطق مكان الحشد، انما ان رفقاء يضعون شارة سوداء على سواعدهم ينتظرون قدومهم، في مكان معين عند مداخل العاصمة.

كنت اقف مع رفقاء بإدارة الرفيق الدكتور رامز صباغ(1) امام صيدلية الرفيق انطوان دكاش(2) عند مستديرة ومدخل بلدة الحدث، وإذ تقترب قافلة آتية من اي مكان من الجنوب، كان احدنا ينضم الى القافلة ليتوجه بها الى ساقية الجنزير.

كانت الساحة شاسعة محاطة بطرقات. نزل الرفقاء والمواطنون الاصدقاء الى الساحة يغطونها آلافاً، فيما بقي بعض قليل في السيارات الكبيرة، لعدم قدرته على الصمود طويلاً، واقفاً تحت اشعة شمس آذار.

وعند احد الطرقات المشرفة على الحشد المنتشر في الساحة، وقف رئيس الحزب الامين اسد الاشقر يحيط به مسؤولون مركزيون، اذكر منهم الامناء: عبد الله محسن، فيليب مسلم، علاء الدين حريب، انعام رعد، الرفيقة ديانا المير وامامها بنات سعادة: صفية، اليسار، وراغدة، ومن الرفقاء معين عرنوق، ماجد الناطور، رضا كبريت.

وارتجل الامين اسد الاشقر احد اهم خطبه السياسية، فيما "البحر" امامه يتماوج والهتافات لسورية ولسعادة لا تنقطع.

ولانه من احد مفاصل تاريخ حزبنا، نورد بالنص الكامل خطاب رئيس الحزب آنذاك، الامين اسد الاشقر، ل. ن.

ايها القوميون الاجتماعيون،

في هذا الظرف العصيب، وفي هذه المرحلة القاسية التي يجتازها لبنان ودول أمتنا، ويجتازها العالم العربي، بجميع أممه، يجدر بنا، نحن النهضة السورية القومية الاجتماعية، ان نستعرض هذه الاحداث الجامحة التي تتوالى على أمتنا وعالمناالعربي والتي تتحول الى تيارات جارفة، خطرة. كما يجدر بنا ان نستعرض حياة هذه النهضة القومية الاجتماعية العظيمة بالنسبة لنشاطها المستمر منذ خمس وعشرين سنة وبالنسبة للاحداث الطارئة على كيانات الوطن في الظرف الحاضر.

منذ نحو اربعين سنة، بعد جلاء الاتراك، دخلت ارض وطننا جيوش استعمارية جديدة اقامت في ارجائه كيانات سياسية، فجزأت الامة والوطن كما وافق اراداتها المغرضة، وكما وافق سياستها الاستعمارية التقليدية القائمة على قاعدة: "فرق تسد" وعندما ظهرت النهضة السورية القومية الاجتماعية في سنة 1932 كانت دول أمتنا ما تزال واقعة تحت تأثير مركب الضعف الذي سيطر عليها بعد معركة ميسلون وبعد ثورة الجبل عام 1925، كانت تلك البطولات الرائعة، الخالدة في تاريخ أمتنا قد حولها المستعمر ببطشه وطغيانه الى خوف عند الشعب من الاقدام على محاولات جديدة.

وكأن تلك الكيانات السياسية القائمة قد استسلمت الى انعزالية سلبية، خانقة، ترتاع من التعاون الايجابي، البناء، المخلص، كأن التعاون الايجابي يسقط الرؤساء عن كراسيهم، ويقوض العروش ويدحرج التيجان!

النهضة السورية القومية الاجتماعية وحدها اوجدت الاساس القومي الجديد، اوجدت اساس التعاون الايجابي الجديد بين دول الوطن الواحد والامة الواحدة.

من صميم الشعب في لبنان النير ومن صميم الشعب في كل كيان من كيانات الامة انطلقت النهضة القومية الاجتماعية تضع الاساس الجديد للمجتمع القومي الصحيح،لا تهتم بالهياكل السياسية القائمة، ولا تعمل لهدمها، بل لبنيان المجتمع بنيانا قوميا جديداً، لينتصرعلى عوامل الانحطاط والضعف والتفكك، للانتصار على الطائفية والاقطاعية والفردية والسياسة الارتزاقية، عوامل القرون الوسطى المستمرة في أمتنا.

ايها القوميون الاجتماعيون،

منذ ظهرت نهضتكم بتعاليمها الجديدة، ونظامها الجديد، اطلقت تيارات فكرية – فلسفية جديدة غيرت المفاهيم والمقاييس، وخلقت بايمانها بنفسها وبامتها نفسية قوية جديدة، مصارعة تأبى اي شيء دون العزة القومية والكرامة القومية والشرف القومي!

منذ خمس وعشرين سنة انطلقت نهضتكم من معرفتكم الجديدة وايمانكم الجديد وارادتكم الجديدة ثورة تدمر العادات والتقاليد الجامدة الضعيفة، وليدة قرون الانحطاط، وتبدد المفاهيم الممسوخة وتبني للامة عاداتها وتقاليدها ومفاهيمها الجديدة.

ومنذ الساعة الاولى لظهورها تزعمت هذه النهضة قيادة الفكر الحر الجديد، المتمرد على كل القوى المادية والمعنوية المتآمرة على أمتكم لتبقيها مستسلمة لماضيها الضعيف.

منذ خمس وعشرين سنة انطلقت الثورة القومية الاجتماعية بكل معانيها الثورية الاجتماعية تهز المستنقع في اعماقه فتحوله الى بحر زاخر بالامواج المتلاطمة. ثورة تناولت المجتمع في كل اجزائه:

الزوجة تثور على زوجها،

والبنت على امها

والابن على ابيه، والفلاح يثور على سيده.

والتلميذ على معلمه، والمعلم على ادارة مدرسته،

ثورة على المتنفذين في المناطق، وثورة على الاقطاعيين في اقاليمهم، ثورة فكرية، ايمانية، وجدانية، قومية في كل مكان.

كأن المجتمع زلزل زلزاله، فتحركت اجزاؤه جميعها، تفتش عن وضع جديد، عن حياة جديدة، عن مصير جديد!

هكذا كانت وما تزال النهضة القومية الاجتماعية ثورة تتحدى الرجعيات جميعها، سواء أكانت الرجعية رب بيت مطلق الصلاحية ام رئيساً لمدرسة او جامعة، ام متزعماً في منطقة، ام رئيساً لطائفة، ام مديراً لشركة، او مفهوماً فاسداً او تقليداً مجمداً لحيوية الامة.

وقد سارت النهضة ربع قرن تشق طريقها الى الشعب: الى عقله المشتاق الى المعرفة، والى قلبه العطشان الى الايمان ، والى وجدانه المتحفز الى الحياة، فتنطلق قوى النهضة النفسية الجديدة من فكر نيّر الى فكر قاتم فتنيره، ومن قلب قوي الى قلب ضعيف فتقويه، ومن ايمان حار الى ايمان فاتر فتهبه الحرارة،

وبدأ المجتمع الجديد يتفاعل بهذه القوى النفسية والفكرية الجديدة المنطلقة من التعاليم الجديدة والنظام الجديد حتى كانت هذه القوى الشعبية المؤمنة التي هي انتم يا جنود الزوبعة الحمراء!.

نحن القوة العقائدية الوحيدة

ايها القوميون الاجتماعيون،

نحن النهضة الاولى والوحيدة التي حددت قضيتها القومية الاجتماعية تحديداً واضحاً كاملاً، كما تحددت قضايا الامم العربية الاخرى بتحديد قضيتها، وكما حددت اهداف الامم العربية المشتركة لايجاد جبهة من الامم العربية الناهضة تقف سداً منيعاً في وجه المطامع الاجنبية.

نحن الحركة الوحيدة في أمتنا وفي العالم العربي التي وضعت مخططاً كاملاً لانهاض امتنا ولتجديد روابط الحياة القومية الاجتماعية بين اجزائها.

نحن القوة الدينميكية الوحيدة التي اخرجت امتنا من عهود الامتثال والانفعال واطلقت فيها تيار المعرفة والايمان والنمو والتغلب والانتصار.

نحن القوة الوحيدة المتحررة من جميع عوامل الضعف والتفكك والقادرة ان تجمع جميع العناصر لتتفاعل ضمن النهضة وتنشيء الحياة القومية الاجتماعية الجديدة!.

منذ خمس وعشرين سنة بدأ ايماننا الجديد بالحياة القومية الاجتماعية، وبدأ صراعنا في سبيل تحقيق هذه الحياة الجديدة!

ولقد كان رهيباً صراع هذه النهضة لتحقيق نفسها، صراع عز نظيره في تاريخ النهضات المسجلة في التاريخ الانساني. فقد واجهت النهضة عقبات داخلية بدأ تكونها منذ مئات من السنين، وواجهت ارادات اجنبية كانت ترافق نشوء العقبات الداخلية وتشجعها وتتعاون واياها للقضاء على امتنا العظيمة قضاء نهائياً ابدياً.

لذا كان لظهور القومية الاجتماعية دوي هائل مخيف عند مجمدي الاوضاع الراهنة في امتنا من داخليين وخارجيين، فتآلبوا على النهضة في جميع الميادين الحكومية والشعبية واعلنوا عليها حرباً صليبية لا هوادة فيها ولا رحمة، ظناً منهم ان هذا العنف قادر ان يخنق النهضة في مهدها ويطيل حياتهم الى مئات السنين الجديدة.

وقد فاتهم، لجهلهم وغباوتهم، ان للنهضات القومية الكبرى نواميس لا تقدر اية قوة ان تتغلب عليها:

ان الامم العظيمة في اواخر عهود انحطاطها وآلامها تستجمع ما بقي فيها من حيوية مكبوتة وتطلقها للحياة مولوداً جديداً، نهضة جديدة، تكون اقوى من كل ما بقي فيها من اوضاع قديمة جوفاء. لذلك عبثاً تحاول بقايا الضعف والانحطاط في الاوضاع الراهنة ان تتغلب على مولود القوة والتجدد !

ان من يحاول هذه المحاولة يجب ان يكون اقوى من النواميس الكونية.

لقد تجاهلت النهضة كل المؤسسات العتيقة القائمة من الدولة الى اصغر المؤسسات الاجتماعية، واعتبرت الشعب وحده معينها، متبنية القاعدة الاجتماعية الاصلاحية الكبرى وهي انه عندما تمسي جميع مؤسسات الامة هرمة، عاجزة، لا يبقى الا الشعب اساساً لنهضة اصلاحية جديدة !.

لقد تعود شعبنا خلال عهود الضعف والانحطاط ان ينزل عليه السلطان من عل، وقد جاءت النهضة القومية الاجتماعية لتفجر السلطان من نفسه، من ارادته، من قلبه، كان ينتظر شعبنا ان ينقلب حكامه: من ضعفاء الى اقوياء، من اشخاص منفعلين بالاوضاع المجمدة الى ابطال قوميين منقذين، تلك هي اقرب السبل واسهلها ! ولكن حكام الامة في جميع كياناتهم لم يتم فيهم هذا الانقلاب النفساني العظيم ! لو يولدوا ولادة جديدة في نهضة جديدة.

فلم يبق امام الشعب الا ان يسلك اصعب السبل، سبل النهضة القومية الاجتماعية، وقد سلكها بقوة وشجاعة.

كان على النهضة ان تحرر الشعب فرداً فرداً من عوامل الانحطاط التي كبلته مئات من السنين، وهكذا تفعل منذ ظهورها الى اليوم.

خمس وعشرون سنة مرت علينا ونحن نقاسي مرارة الاوضاع التي ركزها المستعمر بالرغم من الذين تسلموها من ابناء أمتنا. كلما تقدمنا خطوة وجدنا حراب المستعمرين موجهة الى صدورنا. وسجون المجرمين مفتوحة لنرمى فيها كالمجرمين، ورأينا ابناء من أمتنا مرغمين على تنفيذ مخططات المستعمر بضعف مركب العجز الذي كان مسيطراً عليهم !.

ظنوا انهم بافقارنا والنيل من اشخاصنا يتمكنون من القضاء على ايماننا اذ قد اختبروا في حياتهم الاستعمارية الطويلة ان الفقر طريق الذل والعبودية والاستسلام والخنوع. وقد غاب عن ادراكهم ان الفقر بدون ايمان جديد بالحياة القومية هو طريق لهذه المخازي !

اما الفقر مع الايمان بالحياة القومية ومعطياتها الخيرة فهو قوة قومية اجتماعية لا تقهر.

كان زعيمنا يرسل النداء تلو النداء الى كل كيان من كيانات الوطن وكان اما يتوجه الى السلطات الحاكمة ليضعها امام مسؤولياتها التاريخية واما الى الشعب محاولا ايقاظ وجدانه القومي وداعياً اياه الى الخروج من مرحلة الخوف والاستسلام الى مرحلة النشاط والفاعلية مستضيئاً بانوار النهضة، مؤمناً بقدرته على تجدد ايمان النهضة بقدرته، واثقاً بنفسه ثقة النهضة بامكانياته.

صراعنا مستمر مع الوثنية السياسية

كان الشعب يستجيب بوعي افراده وبإيمانهم بنفسهم وبامتهم وبنهضتهم الجديدة وهكذا صرتم انتم هذه العشرات الالوف االمؤمنة، المصممة على الانتصار والتفوق، وهذه المئات الالوف الدائرة في فلك عقيدتكم ونظامكم وايمانكم واتجاهكم !

ان النهضة السورية القومية الاجتماعية ليست انتم وحدكم ايها القوميون الاجتماعيون، انها هذه التيارات الفكرية التحررية التي اطلقتموها لتعصف في مجتمعكم ولتؤلب مئات الالوف حول عقيدتم ونظامكم، انها الوعي والتنبه والتحرك التي عمت مئات الالوف من امتكم في الوطن وعبر البحار.

انها الحرارة الجديدة التي دبت في وجدان الامة العظيمة.

.... ومع ان النهضة القومية الاجتماعية كانت ثورة اجتماعية منطلقة من صميم الشعب لتعمل للشعب اولا واخيرا، فان هذه النهضة العظيمة الشاملة لم تهمل القائمين على الحكم في دول الوطن جميعها، ولم تهمل محاولة التأثير على المدارس السياسية القديمة بالمفاهيم الجديدة، بل قدمت للحاكمين وللمدارس السياسية القديمة بصورة عامة، في المناسبات المتواصلة، البيانات والايضاحات والتوجيهات المختصة من جهة بعقيدة النهضة ونظامها الجديد، والمختصة من جهة اخرى بالاحداث الطارئة التي كانت النهضة ترى ضرورة تقديم مساعدتها لرجال الحكم لمواجهتها في جميع كياناتنا القومية.

ولكن الظاهر ايها القوميون الاجتماعيون ان الوثنية السياسية الجامدة، المتحجرة في أمتنا منذ مئات من السنين تمكنت من هذه المدرسة السياسية العتيقة فتجمدت اوضاعنا خلال خمس وعشرين سنة وتحجرت بينما كان الايمان ينمو في قلب الشعب والعقيدة تنتشر والارادة تشحذ للصراع في سبيل الامة. كانت هذه النهضة تقاتل وتشق طريقها في الشعب، اما على الصعيد الرسمي فقد بقيت اوضاعنا مجمدة مترهلة.

هكذا بقي لبنان مستسلماً لانعزاله السلبي كانه قائم في جزيرة، ينام بعد الاستقلال، على اعتراف الدول باستقلاله كإنما اعتراف الدول الاستعمارية يهبه وحدة قومية داخلية، ويؤمن مصيره القومي ومصالحه القومية الكبرى او كأن اعتراف الدول الاستعمارية يغير وضعه الجغرافي ويعطل انفعاله الحتمي بما يجري حوله من كل جانب وكأن اعتراف الدول الاستعمارية يقيه شر "اسرائيل" المغتصبة ارضه والتي تستعد لمرحلة اغتصاب جديدة عندما تسنح لها الظروف !

منذ البدء وفي وجه حراب السنغاليين ومدافع الاستعمار المنصوبة على هذه الشواطىء والجبال وقف الحزب السوري القومي الاجتماعي بكل قوة وجرأة وأعلن للذين توهموا ان بامكانهم عزل لبنان واللبنانيين بان هذا الكيان هو جزء لا يتجزأ من الامة السورية العظيمة وانه اذا كانت ظروف دينية وسياسية قد اوجبت انعزاله فان النهضة السورية القومية الاجتماعية وجدت لتعمل ايجابيا في الشعب لتزيل الاسباب الدينية – السياسية التي اوجبت الانعزال ليعود الى التفاعل الايجابي مع الكيانات السورية الاخرى.

اما الذين كانوا يظنون انهم يجعلون من هذا الكيان جزيرة في بحر، بعيدة عن كل المخاطر، تعيش في احلامها ورؤاها الجميلة، فانهم يرون اليوم، ولو متأخرين، ان هذا الكيان لا يمكنه ان يحيا الا اذا تفاعل تفاعلاً حيوياً قومياً مع كل الكيانات القائمة في هذه الامة. بل ان لبنان قد اطلق الرسالة السورية القومية الاجتماعية من على جباله العالية لتعم الهضاب والوديان والسهول في ارض هذا الوطن الغني العظيم.

لقد اعلنا منذ 1943 ان هذا الاستقلال ليس الا رخصة لبناء الاستقلال بنور فكركم وقوة سواعدكم، وبارادتكم وإيمانكم وتصميمكم. واستهجن الناس هذا القول في حينه وعدّوه مبالغة. ان الناس غير المنظمين وغير المؤمنين وغير المنتسبين الى مؤسسة كبرى هي مدرسة الفكر الجديد لا يمكنهم ان يروا الحقيقة الا عندما يصلون إليها. واليوم وصل الشعب في لبنان ووصل الحاكمون فيه الى ادراك هذه الحقيقة. ان عملية بناء الاستقلال، لاصعب وأعسر وأعمق من عملية نيله شكلياً، وان السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف هو في مباديء نهضتكم وفي نظامها الجديد.

وهكذا، ايها القوميون الاجتماعيون، بقي العراق في انعزاليته المنفلشة، المرتكزة على الانماء الاقتصادي الانعزالي وعلى المحالفات الخارجية: السياسية والعسكرية المفتعلة، التي تهمل قوى الامة الداخلية في جميع كيانات الوطن لتعتمد القوى الخارجية لتقرير مصير العراق ومصير الوطن بكليته.

ولقد كان موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي واضحاً في هذا الصدد ككل مواقفه، فقال للمسؤولين في الدولة العراقية التي يعتبرها الحزب دولة مواطنة، قال لهم بكل وضوح: لا يحق لكم ان تفتشوا عن المحالفات خارج امتكم بينما قوى امتكم هي المحور والاساس والمعين المتدفق قوة ومنعة. وها قد بدأت طلائع الاستجابة لهذا الاتجاه القومي الواضح في الاتحاد العراقي – الاردني الذي تحقق مؤخراً والذي هو خطوة في الاتجاه القومي السليم.

اما الشام والنهضة القومية الاجتماعية كانت ناشطة فيها، فقد انهكتها الانقلابات الانفلاشية الجاهلة التي جرت الشام من ويل الى ويل حتى وجدت نفسها اخيرا ضعيفة يائسة فارتمت بعد ان فشل الانقلابيون المسرحيون في تحقيق اية خطوة اصلاحية اساسية، ارتمت في احضان اليساريين الحمر وناءت تحت وطأة الارتباطات مع السوفيات ثم اخذ سياسيوها التقليديون الفاشلون يبحثون عن مخرج ولما لم يجدوا، تراموا على مصر وشجعوها على الخروج عن محورها القومي لتتوسع وتضم الشام إليها متوهمين ان ذلك ينجيهم من المنزلقات التي انحدروا اليها.

هذه هي قصة الانقلابات المتوالية التي اعتمدت اشخاصاً غير مهيئين الا لانقلابات مسرحية، شكلية، لا قدرة لها على بناء اسس الحياة القومية.

كل هذه الانحرافات الاساسية في السياسة الاستقلالية قد نتج عنها بقاء الاردن ضعيفاً بسبب ضخامة مسؤولياته وقلة موارده وامكانياته. ولكن بالرغم من هذه المسببات القوية وقف الاردن في الساعة الفاصلة ودافع عن سياسته القومية وسحق جميع المؤامرات الداخلية والخارجية التي كانت تستهدف اخضاعه لقوى تخريبية جديدة !.

فالحلول التي جابهت بها كياناتنا السياسية الاوضاع التي نشأت بعد الاستقلال كانت استمراراً لما قبل الاستقلال.

كانت سياسة سلبية، انعزالية او انعزالية انفلاشية عقيمة لا يمكن ان تؤدي الا الى هذه الحالة التي وصلنا إليها !

ان الاوضاع الاستقلالية الجديدة كانت تتطلب عقلية بناء جديدة تستجيب لمتطلبات الاستقلال الفعلي ولا تؤخذ بالاشكال السياسية وتنساق في المخططات الاستعمارية العالمية الجديدة التي نشأت بعد الحرب الكونية الثانية.

فشل المدارس السياسية العتيقة

ايها المواطنون، ايها القوميون الاجتماعيون !

بدون حقد وضغينة، بل بكل محبة واخلاص يمكننا ان نصارح المدرسة السياسية التقليدية القديمة بانها فشلت فشلاً ذريعاً في معالجة الاوضاع الاستقلالية الجديدة لايصال الامة الى اوضاع مستقرة، مزدهرة، متعاونة، متفاعلة، متساندة، بايجابية قومية صحيحة بل انها اوصلتنا الى كوارث ليست كارثة فلسطين الا مثلا صارخاً لها.

ايها القوميون الاجتماعيون،

ان الزمان والاحداث الجارفة، الاحداث القوية هي عناصر اساسية تشترك معكم كما اشتركت معكم النهضات الكبرى في التاريخ لتسهم في ايصال الحقيقة الى امتكم وفرض هذه الحقيقة التي تشتملها نظرتكم حتى على الحاكمين في كيانات الامة. ذلك ان هذه الاحداث جاءت مصداقاً لما اعلنته نهضتكم من زمان بعيد: فقد افلست الانعزالية كما ستفلس الانفلاشية وانتصر الاتجاه التوحيدي. ولقد انهارت الاوضاع الشكلية الرجعية والانقلابية على السواء لانها لم تعتمد الاسس والقواعد الصحيحة الكفيلة بتحقيق نهضة الشعب. ولقد لمس الطائفيون الانعزاليون ان الطائفية المنفلشة لا يمكن ان تصد وتحارب بطائفية معاكسة بل ببناء قومي يقضي على الطائفية من كل لون وكل اتجاه. وظهر جلياً ان مقاتلة الاستعمار باستعمار اخر انما هو انتحار نكاية بالخصم.

ان الاحداث الجارفة اليوم توقف السياسيين جميعا في امتنا مرتاعين يفتشون عن تدبير امرهم ويتلمسون وسائل الدفاع عن كياناتهم ويبحثون عن الحقيقة في هذه الاحداث.

ولكن مهما فتشوا وتلمسوا وبحثوا حولهم، قريباً كان ام بعيداً، فلن يروا الا العقيدة القومية الاجتماعية والا المخطط القومي الاجتماعي لانقاذهم وانقاذ المواطنين جميعاً. انكم تلمسون ايها الرفقاء، ان الاحداث ترغم الحاكمين على إعادة النظر في اتجاه كياناتهم والتفتيش عن العناصر المنظمة المؤمنة المخلصة التي تستعد منذ سنين لتكون دائماً على أهبة لتقديم دمائها في سبيل هذه الامة، في سبيل مصالحها القومية العليا وفي سبيل تقرير مصيرها. واليوم تتجه انظار الشعب بكامله اليكم، فمهما كابر المكابرون ومهما تذكروا انهم كانوا يحملون علينا في الماضي فانهم حتما باتوا الان يشاركوننا في رؤية الحقيقة والادراك بان النهضة القومية الاجتماعية هي المرجع الوحيد المؤهل لقيادة الامة نحو الانتصار. وعلينا نحن ايها الرفقاء، ان نستجيب لهذا الوعي المستيقظ في فكر شعبنا العظيم، ولهذا الوجدان القومي المطل من جديد على المجتمع ليتفاعل معه وعلى هذا الاستعداد الجديد لنكون والشعب قوة قادرة ان تجتاز هذه المرحلة العسيرة وان تحول هذا الوضع الهزيل الى وضع اقوى، الى وضع فتي قادر ان يقف في وجه كل التيارات العاطفية الغوغائية.

ان النهضة السورية القومية لم تهمل في سيرها، ولم تتعام عن اي وعي ظهر في هذه الامة او في اية امة من امم العالم العربي. ان النهضة القومية الاجتماعية كانت ساهرة دائماً تفتش عن الفئات الصالحة للتعاون، لتتعاون معها وكانت تحلم دائماً بان نهضات قومية ستظهر في الامم العربية عاملة لايقاظها ووحدتها وعزها وكرامتها فتتعاون هذه النهضة واياها على انشاء الجبهة العربية القوية لتقف سداً منيعاً في وجه الاستعمار.

الثورة المصرية.. والاتجاه الانفلاشي الجديد

ان اول من هلل للثورة المصرية كان الحزب السوري القومي الاجتماعي واول جريدة عالجت قضايا الثورة ومشاكلها بايجابية ووعي ومحبة كانت جريدة الحزب السوري القومي الاجتماعي. فقد رأى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الثورة المصرية نهضة قومية مصرية قدرت ان تنهض وان تتغلب على الارادات الاجنبية، فتوخى الحزب بكل محبة ان تعمل هذه الثورة لانهاض الشعب المصري ولانمائه اقتصاديا وفكريا وقومياً، فتجدد شخصيته القومية العريقة وتتمكن من التعاون مع سائر الشخصيات العربية لما هو خير العالم العربي كله فتتحقق اذ ذاك الجبهة التي يهيء لها الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ خمس وعشرين سنة. وقد اتجهت الثورة المصرية في بدء ظهورها اتجاها قومياً صحيحاً، وفكر القوميون الاجتماعيون تفكيراً جدياً انه اذا طلبت مصر متطوعين من العالم العربي سيكون القوميون الاجتماعيون اول المتطوعين الذاهبين الى مصر للدفاع عن ارضها.

لقد اعتقدنا ان امة من الامم العربية لم تنكب مثل امتنا بالتجزئة قد وعت نفسها وهبت تعطي القدوة والمساعدة للامم العربية الاخرى ، واعتقدنا بان النهضة السورية القومية الاجتماعية التي وقفت من الثورة المصرية وقفة الشقيقة المخلصة والتي كانت مبادؤها القومية واضحة كل الوضوح لقادة الثورة المصرية، لقد اعتقدنا ان الوضوح في الاهداف القومية عند رجال الثورة، والوضوح في المبادىء والاهداف عند النهضة السورية القومية الاجتماعية سيخلق حقلاً فسيحاً للتعاون بين أمة عربية ثائرة بجيشها وبشعبها على الاستعمار والمثالب وبين أمة عربية اخرى ثائرة على الاستعمار والمثالب بنهضتها الشعبية المنبثقة من صميم الشعب والمصارعة منذ سنين لبناء المجتمع القومي الجديد.

ولقد كانت ثورة مصر حلماً من احلام النهضة السورية القومية الاجتماعية: ان تظهر في كل أمة من امم العالم العربي نهضة قومية جديدة تقضي على اوضاع الضعف والتخاذل والخوف وتعطي القدوة للامم الاخرى!.

وانتظرنا ان تركز الثورة المصرية نفسها على مخطط اصلاحي قومي شامل يخرج أمة من الامم الشقيقة من عهود القرون الوسطى الى القرن العشرين دفعة واحدة فيقضي نهائياً على التيارات الدينية السياسية التي يتعهدها المستعمر في العالم العربي منذ مائة سنة لتكون وسيلة استعمارية في يده، ويقضي على الفقر والجهل والمرض بتنظيم اجتماعي- اقتصادي شامل يستهدف ايقاظ الانسان المصري ليعي حقيقته وواجباته وحقوقه وينهض لاستثمار مواهبه العقلية ومخزونات ارضه الغنية، فتكون لمصر نهضة قومية نموذجية لا يمكن الا ان تحمل امم العالم العربي على الاقتداء بها، ولا يمكن للنهضة السورية القومية الاجتماعية الا ان تستفيد من الثورة المصرية فتتحول افكار السوريين في جميع كياناتهم عن العروبة الخيالية الى العروبة الواقعية البناءة. وهكذا لا تمضي سنوات الا ويرى العالم العربي نفسه امما موحدة، واضحة الاهداف والمصير، تتوفر لها عناصر التعاون فيما بينها لتبني الجبهة العربية الحقيقية القادرة ان تقف سداً منيعاً في وجه المطامع الاجنبية.

خلافاً لكل ما كنا نتمنى وننتظر لقد حدث شيء محزن ايها المواطنون والقوميون الاجتماعيون! لقد انحرفت الثورة المصرية عن محورها القومي الحقيقي. لقد ضيعت المنطلق الذي اندفعت منه، وتاهت عن الاهداف القومية التي كانت تنتظرها في فكر كل انسان واع متحرر من العالم العربي.

لقد انفلشت حيويتها القومية في تيار توسعي بدا يخرج اجزاء من أمتنا عن محورها القومي، عوذاً عن ان يتغلغل ذلك التيار الثائر في الامة المصرية فيحركها كلها الى مصالحها القومية الكبرى، الى مصيرها، وعوضاً عن ان يساعد اذا كان قادراً، كل امة عربية اخرى لتوحيد نفسها والتحرر من آثار الاستعمار البائد!.

وهكذا نرى فئات من ابناء أمتنا وفئات من ابناء امة عربية اخرى يعودون الى ما كنا عليه بعد الحرب الكونية الاولى، الى الانعزال الديني والانفلاش الديني، هكذا نرى الثورة المصرية تهمل القيام بنهضة قومية فعلية في مصر وتتحول الى حركة توسعية تستند الى استغلال التيارات العاطفية: الدينية والسياسية وتستغل حالة القلق والشوق والفراغ الموجودة في امم العالم العربي.

لقد استغلت الثورة المصرية حالة القلق الناجمة عن عجز المدارس السياسية العتيقة التي لم تقدر ان تملأ الفراغ في نفوس الشعوب العربية ولم تقدر ان ترضي شوقها الى الانعتاق والحرية والسيادة. كما استغلت اليأس الناتج عن الفراغ الباقي في أمتنا، هذا اليأس الذي عملت الارادات الاجنبية على الحفاظ على بقية منه بمحاربتها الضارية للنهضة السورية القومية الاجتماعية .

ان هذا الانفلاش التوسعي في الثورة المصرية قد أتاح الفرص للتيارات الهدامة الغريبة عن الامم العربية لتتغلغل من جديد في العالم العربي وتحاول نقله من الاستعمار الغربي الى الاستعمار الشرقي.

فلو كانت الثورة المصرية تابعت اقتباسها لمناهج الحزب السوري القومي الاجتماعي الاصلاحية ومفاهيمه للعروبة الواقعية في بناء كيانها القومي الخاص ليكون ركناً من اركان الجبهة العربية التي نادى بها الحزب، لو كانت فعلت ذلك لكان فسح المجال امامها واسعاً للتعاون مع كل امة من امم العالم العربي ولكانت ساعدت على يقظة الامم العربية الى مصالحها القومية الكبرى والى ضرورة نشوء الجبهة العربية للوقوف سداً منيعاً في وجه كل مستعمر!

الاستعمار لا يحارب بالانعزال ولا يحارب بالانفلاش ولا يحارب بالخطب الرنانة والتيارات الغوغائية التي تنجرف مع العاطفة الفائرة، بل يحارب ببناء النفوس بناء قومياً واعياً متيناً، يحارب بالثقة والايمان بالامة!

لم تكن الثورة المصرية وحدها مسؤولة عن الانحراف عن محورها القومي بل ان جمود كياناتنا السياسية في قوالب انعزاليتها وعدم استجابتها لوعي الشعب واتجاهاته التعاونية الجديدة وطمو التيارات العاطفية من دينية وسياسية على فئات من شعبنا، كل هذا اسهم في انحراف الثورة المصرية حتى ورطت نفسها في هذا التيار الديني العروبي الجديد.

من هم المسؤولون عن هذه الحالة الجديدة الطارئة على العالم العربي ؟ من هم المسؤولون عن انحراف الثورة المصرية عن اهدافها القومية واتجاهها اتجاهاً يعرقل نمو الوحدة القومية في سورية وفي امم عربية اخرى، من هم المسؤولون عن يأس الشاميين وانحرافهم عن محورهم القومي وانجرافهم في تيار العروبة العاطفية لا العروبة الحقيقية البناءة ؟

ان المدارس السياسية القديمة، الجامدة في مفاهيمها، هي التي سببت كل ذلك. ان امتنا كانت مجمدة في قوالب الكيانات السياسية السلبية. فلو كانت قدرت ان تتحول من السلبية الى الايجابية لكانت انقذت نفسها من هذه الانحرافات المخيفة عن محاورها الطبيعية.

ماذا ينتظر العراق والاردن لتحقيق الوحدة القومية ؟ الم تكن الشام مهيئة منذ سنوات لهذه الوحدة القومية المقدسة ؟ ماذا كانت تنتظر المدرسة السياسية الحاكمة في لبنان لتبتكر نوعاً من التعاون القومي الايجابي مع كيانات الوطن الواحد والامة الواحدة ؟.

أكانت تنتظر ان يدب في المحمديين مرض الانعزال الخائف، مرض الحياة الوهمية في جزيرة مسيحية، مرض الاتكال على الحماية الاجنبية، مرض الاعتقاد بالحياد الخيالي، ام كانت تنام على "الميثاق الطائفي" الذي سمته "وطنياً" ؟!!

كل هذه المناهج السياسية المتبعة في لبنان والعراق والشام والاردن برهنت عن عجز في ابتكار سياسة قومية حقيقية تتجاوب مع توق الشعب الى التحرر نهائياً من نفوذ الارادات الاجنبية والى بناء اوضاع قومية جديدة تؤمن مصالحها الكبرى ومصيرها.

ٍ" ان الذين تبلبلت افكارهم وعقولهم يظنون ان قضية الامة تتحقق عن غير طريق الامة. فالذين يرون بلوغ الارب في قضية اسلامية يخمنون ان ستر هذه القضية الدينية بستار جامعة عربية يخفي دوافعها الباطنة عن المسيحيين في هذا الوطن ويقود الجميع في اتجاه واحد. فهم لا يفهمون نفسية الجماعة وطبيعة العوامل الاجتماعية ويجهلون كل الجهل انه مهما تظاهر المسيحيون بانهم مقتنعون بقضية "الجامعة العربية" فلن يألوا جهداً في الاعتصام بقضية تناقض هذه الجامعة الدينية.

" والذين يرون الفلاح في قضية مسيحية يتوهمون ان ستر هذه القضية الدينية بستار من شكل ارض يسمونه "استقلال لبنان" يخفي عن المسلمين دوافع هذه القضية الباطنة فتجوز عليهم الحيلة وينضوون تحت لواء هذه القضية. وهم ايضاً لا يفهمون نفسية الجماعة وطبيعة العوامل الاجتماعية، ويجهلون كل الجهل انه مهما تظاهر المسلمون بانهم مقتنعون بقضية "استقلال لبنان" او الانعزال في لبنان فلن يألوا جهداً في العمل لقضية تناقض هذا الاتجاه الديني" (من خطاب الزعيم اول آذار 1938).

اجل ايها المواطنون، والقوميون الاجتماعيون، ان المدارس السياسية الجامدة هي المسؤولة عما وصلنا إليه اليوم. وهي مدعوة اليوم، وقد لمست نتائج جمودها في مفاهيمها القديمة، وهي ما تزال في الحكم في كياناتنا الاستقلالية جميعها، هي مدعوة لتعيد النظر في مفاهيمها، في مناهجها وفي اساليبها.

موقفنا من الارتباطات الخارجية و"اسرائيل"

ان نهضتكم ايها القوميون الاجتماعيون قد وضعت الاسس الصحيحة لبناء مجتمع قومي صحيح، متحرر من عوامل الانحطاط جميعها.

وانتم وحدكم تناضلون منذ خمس وعشرين سنة لبناء هذا المجتمع القومي الصحيح !

لم تكن اساليبكم غوغائية منفعلة بتيار العاطفة او بتوجيه من المستعمر . لم تحاربوا الاستعمار بالشتائم واليافطات فتُصرف الاذهان عن الطريقة المجدية لاستئصال جذور الاستعمار.

كانت مواقف نهضتكم دائماً واضحة سليمة: لقد رفضت نهضتكم دائماً الارتباطات الخارجية الناتجة عن ضعف الاوضاع الفاسدة دون ان تؤمن لامتنا مطالبها القومية وسيادتها الكلية.

ومواقف النهضة مسجلة من حلف بغداد ومشروع ايزنهاور والارتباطات العسكرية والاقتصادية مع الاتحاد السوفياتي، وقد اعلنا ذلك مراراً.

وكم حذرت النهضة من اليهودية العالمية ومن خلق "اسرائيل" قبل قيامها بسنوات. ولكن فشل سياسة المدرسة السياسية العتيقة سبب قيام "اسرائيل" كما كان من نتائج انحرافات هذه المدرسة استمرار قيام "اسرائيل" اغتصاباً في ارضنا.

انت وحدكم حاربتم الاسس التي قامت عليها "اسرائيل" كما كان لكم شرف المساهمة بالحرب الفعلية لمنع قيام "اسرائيل".

ونحن ما نزال في حالة حرب دائمة، كما اعلن زعيمنا، مع اليهودية العالمية وان مهمة محق هذه الدولة الدخيلة، التي اعلن سعاده في آخر خطاب القاه 1949 ضرورة محقها تقع على اكتاف نهضتكم الجبارة.

لا تمحق "اسرائيل" بالتبجحات الغوغائية وبالخطب الحماسية بل بوحدة هذه الامة وببنائها القومي وبايجاد الجبهة العربية الحقيقية. انها تمحق باسس نهضتكم!

ان النهضة السورية القومية الاجتماعية هي نهضة تجددية تشمل بنشاطها الاصلاحي حياة الامة بكاملها وارض الوطن بكليتها: بجميع الكيانات السياسية القائمة على هذه الارض وبجميع الاجزاء التي سلختها الاحداث الحربية والمؤامرات الاستعمارية عن هذا الوطن العظيم. لذلك، منذ نشوئها، بدأت تدرس اوضاع اعداء الامة والوطن التقليديين في جميع انحاء العالم. وقد قدمت في حينه، وفي مناسبات عديدة دراسات واضحة جلية، مبنية على الواقع وعلى منطق تسلسل الاحداث التاريخية، تنبه وتحذر الحاكمين في كيانات الوطن وفي كيانات العالم العربي من نيات واستعدادات اعداء امتنا ووطننا.

واولى الدراسات الرئيسية كانت عن اليهودية العالمية العاملة في كل انحاء العالم لتنظم نفسها تنظيماً دقيقاً منذ مئات طويلة من السنين حتى تتمكن من إقامة دولة مغتصبة على ارضنا وبينما كنا نوضح تلك الحقائق ونري الحاكمين المخاطر المقتربة من أمتنا ومن وطننا، كان المتزعمون الرجعيون المتاجرون بالزعامة، المتاجرون بكل عواطف الانسان كانوا يحاربون اليهودية العالمية بخطبهم الرنانة وبيافطاتهم المعروضة في الشوارع بهذه الوسائل الهزيلة، بهذه المظاهر التي لا يمكن ان تؤدي الى اية نتيجة. كان هؤلاء يستمرون في غيهم رغم تنبيهاتنا المتواصلة حتى وقعت الكارثة: ست مئة الف من شذاذ الارض يتجمعون على ارضنا المقدسة ويتمكنون من التغلب على دول سبع، على نحو اربعين مليون من الامم العربية، انه لعار قومي لا يمكن غسله الا ان تهدر دماء اليهود على شاطىء بحرنا فتغسل ذلك الشاطىء بدمائهم.

لقد اعلن الزعيم الخالد ان الحرب الفعلية بيننا وبين اليهود هي قائمة على ارضنا وفي كل العالم وما لم نخرج اليهود من هذه الارض المقدسة فان العار يلحقنا الى منتهى اجيالنا الاتية.

وعندما نبهت النهضة القومية الاجتماعية "الكتلة الوطنية" الشامية التي كانت حاكمة حينذاك وقالت لها بمذكرة رسمية ان مؤامرة فظيعة، مؤامرة تاريخية تحاك بين فرنسا وتركيا على الجزء الشمالي من وطننا، قال احد اولائك السياسيين "العباقرة": "اذا اخذوا اسكندرون يزيحون حملاً عن كواهلنا". ان خسارة الجزء الاجمل والاغنى والاحب من وطننا كان عند اولئك السياسيين ازاحة حمل عن اكتافهم. تأملوا ايها القوميون الاجتماعيون، بأية نفسية ضعيفة وباي فكر مشلول وباي مفاهيم ممسوخة ومقاييس معكوسة كان السياسيون التقليديون في امتنا يعالجون المسائل القومية الكبرى في امتنا ووطننا. والان ايها القوميون الاجتماعيون، ان الاحداث الجارفة تهز أمتنا وتهز العالم العربي وهي تيارات عاطفية سياسية ودينية بل هي تكملة للتيارات التي كانت منطلقة بعد الحرب الكونية الاولى، فان لم نعمل نحن بوعينا وبعقولنا وارادتنا على ايقاف هذه التيارات التي كانت منطلقة بعد الحرب الكونية الاولى. فان لم نعمل على ايقاف هذه التيارات عند حد فانها ستعيد التخريب وستزيده في امتنا وفي امم العالم العربي جميعها.

قوتنا هي الفعلية في تقرير المصير

اننا مدعوون اليوم في هذه الساعة، في هذه المرحلة العسيرة، ان نبرهن عن قوتنا الفعلية القادرة ان تشترك في تقرير المصير، واذا تلكأ المواطنون عن العمل الفعلي لتقرير مصيرهم، فانم وحدكم ستقررون مصير الامة كلها.

ان قضية الكثرة والقلة قد اضمحلت في المفاهيم القومية الاجتماعية، فكل قوة منظمة مؤمنة مصممة، ولو كانت قلة، هي اكثرية ساحقة بين اكثرية فوضوية لا تعرف لها غاية ولا هدفاً. انتم القوة الوحيدة التي وقفت منذ خمس وعشرين سنة في وجه الارادات الاجنبية المغرضة المخططة لتخريب امتنا،

لقد رأينا الحقيقة ايها القوميون الاجتماعيون منذ ان اعلن الاستقلال، وقد رأينا ان السياسة التقليدية ستحجر الاستقلال هنا وفي كل كيان من كيانات امتنا، فتحيا الامة اشلاء منفصلة الواحد عن الآخر، وقوة مجزأة لا طاقة لها ولا قدرة على الوقوف صفاً واحداً واتجاهاً واحداً للدفاع عن حقها ومصيرها.

واننا عند الحاجة نعطي البرهان القاطع لشعبنا، بان عقيدتنا ليست مبادىء يبشر بها بالاجتماعات، بل قوة فعلية تقف في الساعات الفاصلة وتفصل بين الحق والباطل وتوقف كل قوة تحاول الاعتداء على حقنا ومصيرنا عند حدها نهائياً.

ايها القوميون الاجتماعيون،

منذ خمس وعشرين سنة تصارعون المثالب في امتكم لتنتصروا بامتكم عليها. وقد قاومتكم فئات عديدة من هذه الامة لانها لم تكن بعد مدركة نياتكم القومية الصافية ومراميكم القومية البناءة التي لا يمكن ان تلحق ضرراً بأية فئة من فئات هذه الامة.

ولكن الزمان والاحداث هي عناصر ضرورية للمساعدة على اظهار الحقائق الكبرى. ان الاحداث تري جميع مواطنينا اليوم ان الوقوف صفا واحدا للدفاع عن مصيرنا هو ضرورة محتمة علينا جميعاً.

في الساعات الحرجة، الفاصلة، تسقط جميع المسائل الجزئية ولا تبقى الا القضية الكبرى: قضية الحياة القومية العزيزة وقضية المصير الجيد المنتصر.

انتم لستم اليوم قوة عقائدية مؤمنة فحسب، انتم قوة فعلية قادرة ان تشترك في تقرير المصير اشتراكاً قويا فاصلاً.

بل انتم قادرون ان تقفوا وحدكم، من جديد، اذا لزم الامر، وتقدموا دماءكم حتى آخر نقطة في سبيل الدفاع عن الامة ومصيرها!

انتم هي الحركة الثورية الاصلاحية – العقائدية الوحيدة في العالم العربي والشرق الاوسط كله التي يمكنها ان تملأ الفراغ الذي خلفه سقوط المدرسة السياسية العتيقة وتقضي على التخريب الشيوعي والتيارات الغوغائية وتضع حدا لمطامع الاستعمار شرقياً كان ام غربياً وتزيل المفاسد واسباب الضعف التي اوجدت "اسرائيل".

ايها القوميون الاجتماعيون،

ان الساعة هي ساعتكم، انكم تستعدون منذ خمس وعشرين سنة لتقفوا اليوم وقفتكم الكبرى في هذا الظرف العصيب وتشتركوا او تقرروا وحدكم المصير الابعد والاكبر لامتكم جميعها لتكون لها حياة العز والمجد والشرف.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024