إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بعد تدمر... هل تتوجه العمليات العسكرية إلى الرقة ودير الزور أم إدلب؟

ميشيل حنا الحاج - البناء

نسخة للطباعة 2016-04-06

إقرأ ايضاً


قد يكون من غير المحتمل، كما يرجّح البعض، أن تلجأ سورية وروسيا متضامنتين، للتوجه فوراً نحو تحرير الرقة. فالمرجح أن يسبق الشروع في عملية كهذه، تحرير دير الزور وإدلب، بانتظار التوجه نحو الرقة في معركة متزامنة مع معركة تحرير الموصل. ذلك أنّ الرقة هي مدينة كبرى، خلافاً لتدمر، وهي عاصمة تنظيم «الدولة الإسلامية ـ داعش»، ومن المرجح أنّ المخططين في تلك الدولة، قد اتخذوا الكثير من الإجراءات العسكرية والأمنية، لمواجهة هجوم يستهدفها. فلا بدّ اذن، نتيجة تحليل منطقي، أن تتزامن عملية تحريرها، مع عملية تحرير الموصل، لوجود احتمالات مرجحة، بأن تعجز «داعش» عن خوض معارك كبرى في مدينتين كبيرتين تواجهان هجومين متزامنين في آن واحد. وتقول وكالة «انترفاكس» إنّ روسيا والولايات المتحدة تبحثان معاً سبل التنسيق لتحرير الرقة، دون ايراد ذكر لتحرير الموصل معها في آن واحد.

ولكن طرح احتمال التوجه السوري الروسي على عجل الى الرقة، والذي تردّد في الأخبار وعلى لسان بعض المحللين، لم يكن هو الطرح الوحيد غير الواقعي الذي تردّد على لسان البعض. فقد جمح تفكير أولئك، الى حدّ القول بأنّ تحرير مدينة تدمر الأثرية، والذي شكل ضربة مميّزة أنزلها الجيش السوري وحلفاؤه بتنظيم «داعش»، «لم يكن نتيجة معركة عسكرية حقيقية. فتدمر، كما ادّعى البعض، لم تحرّر، بل سلّمت تسليماً من داعش إلى الجيش السوري، كما قامت الحكومة السورية قبل عدة شهور بتسليمها هدية لداعش»!

أنا لا أعلم أيّ عقل مريض يطرح تحليلاً كهذا، وكأنه لم يسمع بمعركة استمرت ثلاثة أسابيع، واحتاجت الى مئات الإغارات على مواقع داعش المتواجدة في تدمر، مما اضطر مقاتليه التنظيم الإرهابي أخيراً إلى الاستسلام والانسحاب من المدينة الى أريافها. أما القائل بأنّ تدمر كانت أصلا قد سلّمت بشكل رضائي من الحكومة السورية إلى داعش في عام 2015، فهو لا يقرأ ولا يتابع مجريات الأحداث في تلك المرحلة التاريخية من تطورات الحرب في سورية. فسقوط تدمر في أيدي داعش، جاء بعد فترة لم تكن طويلة على سقوط محافظة إدلب في أيدي «جبهة النصرة»، وسقوط جسر الشغور ومواقع أخرى استطاعت المعارضة المسلحة، بكل تسمياتها «المعتدلة» منها والتكفيرية، من السيطرة عليها…

فمن يقولون بهذا وذاك، لم يلحظوا أنّ سقوط تدمر، قد جاء بعد سقوط إدلب تحت سمع ونظر التحالف الأميركي الساعي، كما تقول قياداته، لمحاربة الارهاب… لكن دون أن يحرك ساكناً للحيلولة دون سقوطهما إدلب وتدمر ، كما سعى في نهايات عام 2014 بكلّ قوته، دون سقوط كوباني عين العرب في أيدي داعش، وقد نجحوا فعلاً في الحيلولة دون سقوطها، مما يعني تواجد القدرة لديهم، لو شاؤوا، للحيلولة دون سقوط تدمر في أيدي داعش في عام 2015، وقبلها الحيلولة دون سقوط إدلب في أيدي جبهة النصرة.

فهذا التلكؤ الأميركي في هاتين الحالتين، رغم وجود القدرة لتغيير مجرى الأحداث لدى الأميركيين، قد رجح تصميم الإدارة الأميركية التي تقود التحالف الدولي ضدّ الارهاب، على إضعاف الدولة السورية الرسمية حتى ولو قاد الأمر الى تعزيز موقف التكفيريين الإرهابيين الذين تدّعي مقاتلتهم . فهذا التطور الذي بلغ ذروته في سقوط تدمر في أيدي داعش، هو الذي استدعى التدخل الروسي المباشر في المعركة السورية.

فتحرير تدمر إذن، لم يكن قط عملية تسليم وتسلّم، بل كان مفصلاً في مجريات الأحداث، فرض وجوب التدخل الروسي الذي غيّر مجرياتها في اتجاه معاكس للنوايا الأميركية الساعية، لا لإسقاط الحكومة السورية فحسب، بل ويسعى أيضاً، الى إلغاء التواجد الروسي مستقبلاً حتى في طرطوس، التي تواجدت السفن الروسية فيها منذ زمن بعيد.

فسقوط تدمر في عام 2015، وقبلها إدلب، كانا بمثابة بداية إعلان حرب أميركية مباشرة وواضحة، لا على الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد فحسب، بل كانت بمثابة إعلان حرب غير معلنة رسمياً، على التواجد الروسي في سورية، مما اضطر روسيا الاتحادية التي تطلعت منذ العهد القيصري، للوصول الى البحر الأبيض المتوسط، لتعزيز تواجدها في سورية لحماية الحكومة السورية الصديقة من السقوط، ولحماية مصالحها المتمثلة بالتواجد في طرطوس، والمهدّدة أيضاً بتطوّع أكثر من الفي روسي شيشاني للمقاتلة في صفوف المعارضة الجهادية التكفيرية، ويتوقع أن تشكل مستقبلاً تهديداً آخر للأمن الروسي الداخلي.

اذن لم يكن سقوط تدمر في أيدي التكفيريين الارهابيين في عام 2015، عملية تسليم سوري رضائي لداعش، فهذا الافتراض من قبل البعض، هو افتراض سخيف ولا يستند الى المنطق وحقائق الأمور. ومثله الافتراض بأنّ التوجه المقبل سوف يكون نحو الرقة.

فالرقة كونها عاصمة «داعش»، ومعززة عسكرياً بشكل قد يكون متميّزاً، سيحتاج تحريرها الى جهد كبير، وقد لا تكون عملية تحريرها منفصلة، بل متصلة بعملية تحرير الموصل في آن واحد، وفي معركة متزامنة تخوضها القوات الأميركية بمشاركة القوات العراقية، مع معركة متزامنة تخوضها في الرقة، الطائرات الروسية والقوات السورية، بمشاركة من المقاتلين الأكراد السوريين.

فالمبادرة الى فتح جبهة الرقة دون فتح جبهة الموصل، انما تؤدّي الى عملية تعزيز لقوات داعش بمقاتلين من الموصل، هم في حالة من الارتياح والطمأنينة، طالما كان الوضع في الموصل آمناً، ولم يتعرّض لهجوم متزامن مع الهجوم على الرقة. ومن هنا يبدو للمراقبين، أنّ ما اتفقت عليه روسيا واميركا في لقاء موسكو الأخير بين كيري – لافروف، كان على ضرورة التنسيق بين العملاقين، على وجوب وكيفية محاربة داعش بشكل خاص، والارهاب بشكل عام.

فبعد أن تأكد اشتداد خطر داعش على أوروبا، حليفة الولايات المتحدة والعضو البارز في حلف الأطلسي، ونتيجة الإحراج الكبير الذي سبّبه للأميركيون خلال الشهور الستة الماضية من التواجد الروسي في سورية… ذاك التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في مقاتلة داعش، والذي تسبّب باحراج كبير للولايات المتحدة نتيجة الجدية الواضحة لمكافحته بقوة من قبل روسيا، ومكافحته بنوع من الميوعة وعدم الجدية من قبل الولايات المتحدة الا ما رافق سلوكها في العراق دون سورية … قد اضطر الأميركيين الآن لحسم موقفهم بضرورة الشروع بالمكافحة الجدية له، خوفاً من أن تنفرد روسيا المصمّمة على مكافحته جدياً، وخصوصاً الخطر المتمثل بداعش، بتحقيق ذلك الإنجاز منفردة، مما يعرّي الموقف الأميركي ويعزز كونها إما صانعة لداعش، أو صامتة على الأقلّ عن تواجدها طالما أنها تخدم مصالحها في مقاتلة الحكومة السورية، بشرط ألا يتمدّد خطرها الى أوروبا وأنحاء أخرى من العالم.

فهذه المهمة الموكلة أميركياً لداعش ، مرشحة للفشل وللانقضاء نتيجة وضوح التصميم الروسي على اجتثاث وجود الارهاب متمثلاً بشكل خاص في تلك الدولة غيرالاسلامية المتواجدة في تدمر والرقة ودير الزور، مما يعني أنّ نشاط تلك الدولة، في مسعى منها للحفاظ على صورتها وعلى تواجدها وبقائها، سوف يتوجه نحو تعزيز نشاطها في أوروبا وأفريقيا، اما بشكل مباشر، أو عبر أنصارها المؤمنين بمبادئها، والمعروفين بـ«الذئاب المنفردة» المعتنقة لفكر داعش دون الانخراط رسمياً في عضويتها. فالتصميم الروسي الواضح على مقاتلة الارهاب وداعش، وضع الولايات المتحدة على مفترق طرق فرض عليها ربما على مضض منها اتخاذ قرار المشاركة بمقاتلة داعش المعروفة بشراسة مقاتليها، وخطورة المنتحرين منهم بشكل خاص، طمعاً في الوصول الى الجنة الموعودة.

ولكن روسيا الاتحادية، كما يقدّر البعض، ليست من الغباء لتدخل بشكل متسرّع، في معركة تحرير الرقة، التي هي مدينة كبرى، وعاصمة التنظيم الإرهابي، وتتوفر لها طرق إمداد بالسلاح والمقاتلين من المناطق العراقية، وربما عبر الحدود التركية أيضاً. ونتيجة هذه الأخطار، لن تكون معركتها المقبلة في الرقة، دون أن تتواكب معها معركة تحرير الموصل ، بل في دير الزور أو في إدلب، والأرجح أن تبدأ قريباً في عملية تحرير إدلب قبل دير الزور، خصوصاً أنها من المناطق التي لا يشملها وقف إطلاف النار المعلن، لتواجد «جبهة النصرة» فيها، وهي الجبهة التي الموالية لـ«القاعدة» التي هي منظمة إرهابية بتعريف دولي.

ومن هنا، قد تحصل المفاجأة الكبرى لقطع الطريق على مهاجمتها عسكرياً من روسيا وسورية معاً، وذلك بإعلان أمير الجبهة «أبو محمد الجولاني»، قراراً استراتيجياً مفاجئاً بفك ارتباطه بتنظيم «القاعدة»، وهو الأمر الذي طالما ناشدته الولايات المتحدة أن يفعله، كما ناشده ذلك وبحرارة، أنس العبدة – رئيس الائتلاف السوري، عبر لقاء له على قناة «بي بي سي»، واصفاً خطوة كهذه، بأنها مفصلية وهامة بالنسبة إلى موقف «المعارضة السورية المسلحة».

فإعلان الجولاني انفكاكه عن تنظيم «القاعدة»، سوف يفسد على سورية وعلى روسيا، احتمالات الشروع بتحرير محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة فعلية من «جبهة النصرة» رغم مشاركتها في تلك السيطرة، فصائل «أحرار الشام» وبعض الكتائب المنتمية لحركة الإخوان المسلمين مشكلة مع «جبهة النصرة» ما يسمّى «جيش الفتح» ، باعتباره قراراً ينقل «جبهة النصرة» من خانة الإرهاب الى خانة المعارضة المسلحة التي يشملها قرار وقف إطلاق النار. فهو لذلك لا يقطع الطريق فحسب على مهاجمة «جبهة النصرة» عسكرياً طالما ظلّ اتفاق وقف إطلاق النار قائماً، بل يمهّد الطريق لتلك الجبهة، للمشاركة أيضاً في مفاوضات جنيف ضمن وفد المعارضة السورية المسلحة. وهذا يعني عملياً أنّ تنظيم «القاعدة» الإرهابي، سيصبح ممثلاً في جنيف نتيجة إعلان كهذا، والذي قد يكون في نهاية المطاف، «إعلاناً» تكتيكياً لن يؤدّي الى انفصال حقيقي لـ«جبهة النصرة» عن «القاعدة».

فخطوة مفاجئة كهذه، أرجح احتمال وقوعها، قد يفرض على سورية وروسيا، وضع دير الزور على قائمة الأولويات السورية الروسية بالنسبة لعملياتها العسكرية المقبلة. ولكن ذلك يظلّ على قائمة الاحتمالات. فكلّ شيء ممكن. ولكن الترجيح الأكبر، خلافاً لما يتوقعه الكثيرون، هو ألا تكون الرقة هي المستهدفة قريباً. فتحريرها ينتطر استكمال الولايات المتحدة والعراق، استعداداتهما لتحرير الموصل، لتنفيذ معركة تحرير متزامنة مع عملية تحرير الرقة. فبدون تنسيق كهذا، سوف يتعذّر على روسيا لوحدها تحرير الرقة في زمن قصير نسبياً. كما سيتعذّر على أميركا والعراق، قيامهما منفردين بتحرير الموصل التي هي المدينة الثانية ذات الأهمية الخاصة لداعش التي تواجدت فيها منذ حزيران 2014، ومن المرجح أنها قد أعدّتها لمواجهة معركة كبرى، ففخخت مواقع كثيرة فيها، كما فعلت في مدينة الرمادي لتجعل عملية تحريرها بيسر وسهولة، أمراً مستعصياً. والأمر ذاته بالنسبة للرقة التي تواجدت داعش فيها قبل تواجدها في الموصل بفترة طويلة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024